في أسبوعين من مباشرة السلطة، خاض أوباما مياهاً كثيرة وتكلف العناء من غير حساب. والأسبوعان الأولان المنصرمان مضيا من غير زلة تقريباً، على رغم اضطراره الى سحب ترشيح مرشحين زكاهم: واحد الى وزارة الصحة والأخرى الى مراقبة الموازنة، بعد أن ثبت تخلفهما عن أداء بعض الضرائب. والحق أنه لم يمض يوم تقريباً من غير أن يقر الرئيس أموراً جوهرية. وأولها الإجراء المنتظر والنافذ، أي إغلاق سجن غوانتانامو في غضون سنة وتعليق المحاكم العسكرية الاستثنائية. فأوباما حريص على إيفاء وعوده، أولاً، وعلى التمهيد لقرارات كبيرة ينوي اتخاذها لاحقاً في شأن أفغانستان والعراق والنزاع الإسرائيلي ? الفلسطيني والبيئة والأزمة الاقتصادية والمالية. وهذه قد تضطره الى مد مصرفيي وول ستريت بأموال جديدة وإنشاء"مصرف أعظم"يشتري الديون المسمومة والهائلة. وتبدو إجراءات أوباما مدروسة وموزونة. ويقول أحد الباحثين في بروكينغز، جوستان فايس، إن الرئيس الجديد"لم يرتكب هفوة الى الآن. ويدعو هذا حقاً الى الدهشة. وهو لا يترك سانحة إلا وينتهزها. والحق أنه لا يسعه ألا يفعل هذا، فانتظار الناس قراراته لا يطيق التأجيل، من ناحية، والأزمة الاقتصادية والوضع الدولي ملحّان، من ناحية أخرى". فأوباما يلوح في صورة مقوم اعوجاج، ورافع مظالم. فهو استأنف التمويل الحكومي لبرامج الرقابة الدولي على الولادة، وجزء منه يمول أعمال إجهاض. ووقّع قانون ليلي ليدبيتر الذي يعاقب التمييز في العمل. وأعاد الاعتبار الى المحامين عن البيئة، فعيّن"مندوباً خاصاً للتغيير المناخي". وأوصى بالتشدد في معايير تلويث السيارات والشاحنات. فهو رئيس التغيير، شكلاً ومضموناً. ويلاحظ خبير بروكينغز، فايس، أن إجراءات أوباما الأولى، على خلاف إجراءات كلينتون في 1993، لا توصف بالهواية أو التجريب. والعثرات قليلة، وهي تقتصر على ترشيح طوم داشل الى وزارة الصحة، ونانسي كميلفر الى منصب مراقبة الموازنة. وأخفق الرئيس الديموقراطي في استمالة أصوات جمهورية الى خطة الحوافز الاقتصادية التي اقترحها على الكونغرس. وأقر مجلس النواب الخطة بأصوات الديموقراطيين وحدهم، ومن غير صوت جمهوري واحد. وهو ألغى من الخطة بنداً يترتب عليه تيسير تمويل فيديرالي لبرامج منع الحمل. والتقى نحو 12 مدير شركة وعدوه بالمساندة. ولكنه قد يحظى باستمالة بعض الشيوخ الجمهوريين في مجلس الشيوخ، حيث يتوقع أن يُقترَع على الخطة الرئاسية. ورفد وزيريه الجمهوريين، راي لحود وزير النقل وروبيرت غيتس وزير الدفاع، بوزير ثالث جود غريغ وزير التجارة. وهو يكبر بهذا، ويعلي مكانته. فوعوده باقتسام الحزبين الإدارة ليست كلاماً أجوف. وهو الى اليوم، اقتصر على قرارات متوقعة ورمزية. ولم يحسم الأمر في الملفات الخلافية، مثل النزاع الإسرائيلي ? الفلسطيني. ولا أعداء يناصبونه العداء بعد. فأوراقه لا تزال طي الستر. عن فيليب غرانجيرو،"ليبراسيون"الفرنسية، 4/2/2009 نشر في العدد: 16749 ت.م: 11-02-2009 ص: 24 ط: الرياض