نال ثاني أوكسيد الكربون سمعة سيئة، ربما ليس من دون سبب، ولكن ربما مع شيء من الظلم، نتيجة مساهمته في الاحتباس الحراري. صحيح ان هذا الغاز الذي ينبعث من احتراق الوقود الاحفوري الفحم الحجري والنفط، يتسبب بالكثير من الاحتباس الحراري، الذي عرف أيضاً باسم"ظاهرة الدفيئة"، لكن ثمة غازات أخرى تساهم بقوة في تلك الظاهرة، مثل الميثان، من دون ان تنال اهتماماً كافياً ولا سمعة سيئة. فمثلاً، لماذا لا يجري الحديث عن الميثان، على رغم ان الكميات التي تنفثها الحيوانات اللبونة، في أنفاسها وروثها، تسبّب في 16 في المئة من الإرتفاع في حرارة الأرض! وبالمقارنة، تسبب كميات ثاني أوكسيد الكربون المنبعثة من المواصلات، التي يُنسب إليها الفعل الملوث بيئياً للنفط، في 14 في المئة من الاحتباس الحراري! ماضٍ مجهول لإرتفاع حرارة الأرض يزيد في بلبلة العقول حيال ثاني أوكسيد الكربون، قول العلماء إنّهم لا يستطيعون إرجاع سبب ارتفاع حرارة الأرض على مدى 55 مليون سنة إلى غاز الدفيئة هذا لوحده. وبحسب ما ورد في موقع"نايتشر"أخيراً، تُظهر البحوث الأكثر جِدّة أنّ سبباً آخر يبدو أنّه رفع حرارة الأرض في خلال هذا الوقت، على رغم أن أحداً لم يستطع التعرّف إليه. وورد في التقرير عينه، أنه على مدى العقدين السابقين وحتى الآن، جمع الباحثون بيانات حول حدث غامض يُعرَف ب"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق"Paleocene Eocene hermal Maximum، واختصاراً PETM، وأوضحت البيانات المأخوذة من ثقوب في قعر المحيطين الأطلسي والهادئ، أنّ حرارة سطح الكرة الأرضيّة ارتفعت حوالى 9 درجات مئويّة على مدى العشرة آلاف سنة التي تغطيها"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق"، وهو ارتفاع أعلى من الارتفاع الحاصل في عالمنا الحالي. واستمرت الحرارة في هذا المستوى من الارتفاع لحوالى عشرة آلاف سنة تالية. وفي دراسات سابقة، ساد الظن بأن المتسبب بهذه الظاهرة هو ثاني أوكسيد الكربون. فلأسباب مجهولة ارتفعت كثافة هذا الغاز بحوالى 700 جزء في المليون، من 1000 إلى 1700 جزء في المليون أيّ أعلى بأربع مرّات من المستوى الحالي 385 جزءاً في المليون خلال الفترة التي تغطيها"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق". ويُعَدّ انبعاث غاز الدفيئة بهذه الكميّة كافياً لرفع حرارة الأرض الى ذلك المستوى. وأكّد تقرير موقع"نايتشر"، المخصص للجيولوجيا"جيوساينس"، أن تحليلاً علمياً صدر أخيراً، لا يدعم هذا السيناريو كلياً. إذ أجرى العالِم في جغرافيا المحيطات ريشار زيبي، من جامعة"مانوا"في هاواي، بالتعاون مع زملائه، عمليّة مُحاكاة إفتراضية على الكومبيوتر لدورة الكربون في المحيطات والغلاف الجوي استناداً إلى البيانات التي تمّ التوصّل إليها من الثقوب في طبقة الرواسب في قعر المحيطين الهادئ والأطلسي. وأجروا مُحاكاة إفتراضية أيضاً لما يمكن أن يحصل لدرجات الحرارة عند زيادة حساسيّة الغلاف الجوي لمستوى ثاني أوكسيد الكربون المضاعف، أيّ عندما يصل الى معدل 2000 جزء في المليون، ضمن"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق". وأقصى ما توصّلوا إليه هو ارتفاع درجة حرارة الأرض ب3.5 درجات مئوية، ما أوقعهم في حيرة، لأنها تتناقض مع بيانات الثقوب التي أكّدت ان الحرارة ارتفعت بقرابة تسعة درجات مئوية. ويعني ذلك أنّ ظاهرة أخرى تسبّبت برفع الحرارة ب5.5 درجات مئوية. وحاليّاً يمثّل هذا الاحتباس الحراري غير المفسّر هوّة في فهم السبب وراء التغيّر المناخي الخطير والسريع. ويقول زيبي:"من الممكن أن تكون غازات أخرى من غازات الدفيئة كالميثان ساهمت في الاحتباس الحراري". ومن الممكن أيضاً أن يرجع السبب الى ان نماذج الكومبيوتر تقلّل من حدّة ردّ فعل المناخ على ارتفاع معدّل ثاني أوكسيد الكربون. وفي الحال الأخيرة،"يعني ذلك أنّ فهمنا للنظام المناخي ناقص"، على حدّ قول زيبي. ويراجع الفريق عينه حالياً التفاصيل الدقيقة لسجلات الإحتباس الحراري خلال الحقب المديدة التي تلت إنتهاء"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق". ويقول زيبي في هذا الإطار:"نحن الآن في صدد محاولة معرفة إن كانت هذه التفاصيل حصلت بالآليّة نفسها"، ويرتكز العمل على تحديد ما إذا كانت ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق فريدة من نوعها أو أنّها ميزة أكثر عمومية في مناخ الأرض. ورحّب غابريال بوين، الإختصاصي الأميركي في الجغرافيا الكيماويّة، بهذا العمل. وقال:"شعرنا بأنّ تفاعل المناخ كان مريباً في خلال"ظاهرة الحرارة القصوى في العصر الحديث الأسبق". وتضع هذه الدراسة حدّاً لفكرة أنّ المناخ تفاعل حصرياً مع ثاني أوكسيد الكربون في تلك المرحلة، ويكمن التحدّي الطارئ الآن في معرفة سبب ارتفاع الحرارة عند حصول تلك الظاهرة وفهم تأثيرها في مستقبل الأرض. سورية تتأثر بالمناخ يبدو الكلام عن عنصر غامض في المناخ، متعارضاً مع ارتفاع نبرة الإدانة لغاز ثاني أوكسيد الكربون، في شوارع كوبنهاغن وأروقة قاعة"لا بيلا"التي تستضيف مؤتمر الأطراف"كوب 15"هذه الأيام. ولا يعني ذلك أن مسألة التلوّث لا تساهم حاضراً في ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تثير قلقاً عالمياً. وفي هذا السياق، أكّد المهندس هيثم النشواتي مدير"سلامة الغلاف الجوي"في وزارة الدولة لشؤون البيئة أن لدى سورية ورقة عمل في مؤتمر كوبنهاغن تتضمن موقفها رسمياً تجاه القضايا الست التي تدور المفاوضات حولها، والتي تشمل رؤية لمستقبل اتفاقية جديدة عن المناخ، وبروتوكول"كيوتو"، والتكيف مع التغيرات المناخية، والتخفيف من تلك التغيّرات، ومسألة نقل التكنولوجيا والتمويل وبناء القدرات. وأضاف النشواتي أن سورية معنية بقضايا التغيرات المناخية في إطار تطبيق مبادئ التنمية المستدامة العالمي مسترشدة بخطة طريق"بالي"وبالبيان الوزاري لمجلس الوزراء العرب المعنيين بالبيئة في دورته 21 2009 في شأن المفاوضات في كوبنهاغن. وبيّن أن سورية تؤيد مواقف المجموعة 77 والصين في الأممالمتحدة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية لسورية والتركيز على المصالح الوطنية وأولويات التنمية. وأوضح النشواتي أن مقدمة الورقة السورية أشارت إلى تأثّر سورية بالتغيرات المناخية لجهة ارتفاع درجات الحرارة وتغير معدلات هطول الأمطار وتأثير ذلك على الإنتاج الزراعي والمياه، بالاضافة إلى مشكلة الجفاف في المنطقة الشرقية، إضافة إلى مسألة الزيادة السكانية لوجود اللاجئين العراقيين مما يخلق ضغطاً على الموارد والخدمات الأساسية. وفي تفاصيل الموقف التفاوضي السوري أنه يرتكز إلى وجهة نظر محدّدة تجاه الرؤية المشتركة للعمل التعاوني طويل الأجل، اذ أن إيجاد حلول فعالة لأسباب ظاهرة التغير المناخي وآثارها يتطلب تضامناً دولياً يرتكز الى أسس علمية، ويعمل في اطار أهداف التنمية المستدامة والمسؤولية التاريخية ويقوم على مبدأ المسؤولية المشتركة لكن المتباينة. ويهدف ذلك الموقف للوصول إلى اتفاق كاف لما بعد 2012، وهي السنة التي ينتهي فيها بروتوكول"كيوتو". وتتضمن الوجهة نفسها ضرورة السعي الى تحقيق الهدف النهائي للاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، بما يجنب الأرض التهديدات التي تتعرض لها جراء التغير المناخي. وتؤكد وجهة النظر السورية الوصول إلى اتفاق اطاري عادل وملزم قانوناً ومتوازن بأهداف طموحة يراعي مصالح جميع الدول لتحقيق التنمية المستدامة والعمل لتحويل الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد مستدام منخفض الكربون. وفي ما يتعلق بالتكيف مع تغيرات المناخ، ترى تلك الورقة أنه ضرورة حتمية، فظاهرة التغيرات المناخية أصبحت واقعاً، لكن المهم كيف نتكيّف مع هذه الظاهرة. وتشير الورقة عينها الى قلة الأمطار في سورية وبشكل يؤثر على الزراعة، لتخلص الى القول ان التكيّف يكون باللجوء إلى زراعات تعتمد على مياه أقل أو نوع من البذار يحتاج مياهاً أقل. وأضاف أن التكيّف يحتاج إلى اطار عمل لتوفير موارد سخية لصندوق التكيّف الذي يديره"البنك الدولي"، وتدرس راهناً مسألة مقر إدارته. ويهدف"صندوق التكيّف"إلى جمع مساعدات من الدول المتقدمة للدول النامية، دعماً لنشاطات الأخيرة في التكيف مع تغيرات المناخ من خلال دعمها بالتكنولوجيا والأجهزة اللازمة. ولفتت الورقة أيضاً الى ضرورة التخفيف من الانبعاثات الغازية باللجوء إلى الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة. وتُصرّ على جعل ذلك في صلب الاجراءات الرامية لتخفيض انبعاثات غازات التلوث، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ الشمولية والتأثير المتبادل، إضافة الى مبدأ التباين والإنصاف في توزيع الأعباء الناجمة عن التغير المناخي. ويرجع هذا التشديد الأخير الى الاختلاف في المساهمة التاريخية في انبعاثات الغازات الدفيئة. فتاريخياً، تسببت الدول الصناعية في تراكم الانبعاثات، اذ استفادت من الثورة الصناعية والتكنولوجيا ودعمت اقتصادها فأدى ذلك إلى زيادة انبعاثاتها في الجو. وبناء على ذلك، ثمة ضرورة لإيجاد نوع من الانصاف في توزيع الأعباء الناجمة عن التغير المناخي نظراً الى التباين في المسؤولية التاريخية لهذه الدول. وتؤيد وجهة النظر السورية أنه يجب عدم تحميل الدول النامية أعباء جديدة، وكذلك الا تفرض عليها التزامات في شأن تخفيض انبعاث غازات التلوّث، وأن تكون تخفيضاتها طوعية. وترى سورية أن من الضروري تأكيد ضرورة أن تخفض الدول المتقدمة انبعاثاتها بحلول عام 2020 بنسبة 40 في المئة، وأن تصل النسبة الى 80 في المئة مع حلول عام 2050.