غداً الجمعة وتظاهرة أخرى ينظمها سكان قرية بلعين، قرب رام الله وفي ظل جدار الفصل العنصري، في مواجهة من دون عنف مع الاحتلال أصبحت بين الأطول في العالم، فقد بدأت قبل حوالى خمس سنوات، أي إن السكان نظموا حتى الآن 250 تظاهرة أو نحوها من دون كلل أوملل، وبسلام كان سيفاخر به غاندي لو شهده. بلعين سكانها لا يتجاوزون 1600 فلسطيني يعيشون على الزراعة، خصوصاً الزيتون، وكان الاحتلال استولى على ثلثي أراضي القرية، وبنيت ست مستوطنات جرى توسيعها باستمرار لتتشابك وتؤلف مدينة باسم مودعين ايليت. وانتزع أهالي بلعين نصراً نادراً من المحكمة العليا الإسرائيلية قبل سنتين فهي أمرت بنقل جزء من الجدار الى داخل أراضي إسرائيل أقول إنها فلسطينالمحتلة وعدم توسيع المستوطنات، إلا أن القرار لم ينفذ حتى الآن، وهناك حكومة إسرائيلية فاشستية تزيد الاستيطان وتبعد فرص السلام. المقاومة من دون عنف اجتذبت الى بلعين دعاة السلام من كل بلد، وكان بين هؤلاء نشطون إسرائيليون ينضمون الى أهالي القرية كل يوم جمعة، ويجب أن يقدر لهم جهدهم ويشكروا عليه، ومنهم مردخاي فعنونو، الذي كشف برنامج إسرائيل النووي. وكان نلسون مانديلا أسس جماعة الشيوخ، أو شيوخ السلام، فزار بلعين أركانها من الشخصيات العالمية البارزة، مثل جيمي كارتر وماري روبنسون، رئيسة إرلندا السابقة، ورؤساء دول وحكومات سابقون من البرازيل والنروج وكل بلد، مع أبرز رجال الأعمال مثل ريتشارد برانسون، رئيس مجموعة فيرجن، وجيف سكول رئيس اي باي. القس دزموند توتو داعية السلام الفائز بجائزة نوبل زار بلعين وقال لأهلها:"كما أن رجلاً بسيطاً اسمه غاندي قاد كفاحاً ناجحاً من غير عنف، وكما أن أمثال روزا باركس ومارتن لوثر كنغ قادوا كفاح حركة التحرر المدني في أميركا، فإن الناس البسطاء هنا في بلعين يقودون كفاحاً من دون عنف بأمل أن يأتي لهم بالحرية". أهالي بلعين لم يلجأوا الى السلاح أو المتفجرات، إلا أنهم استعملوا كل وسيلة أخرى من الهتاف والدق على الطبول وكل ما يمكن أن يصدر عنه صوت من على سطوح منازلهم، وهم ربطوا أنفسهم بسلاسل الى أشجار الزيتون لمنع جنود الاحتلال من اجتثاثها، وكتبوا رسائل الى الجنود الإسرائيليين يطالبونهم فيها بالتفكير قبل مهاجمتهم، ورفعوا في المناسبات أعلام كأس العالم، أو ارتدوا ملابس برتقالية اللون مثل المحكوم عليهم بالإعدام، ورفعوا صور جورج بوش وهو يُرمى بحذاء الزيدي، وحملوا لافتات تقول:"نريد أن نعيش"و"لا مداهمات ليلية"و"نريد السلام". جيش الاحتلال رد بكل وسيلة متاحة لإحباط المقاومة السلمية، والجنود ضربوا دعاة سلام ربطوا أنفسهم الى جدار الفصل، وأصابوا بعض السكان ودعاة سلام أجانب بالرصاص المطاطي، وكان بين المصابين لويزا موغاتينيني، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ومابريد كوريغان، داعية السلام الإرلندية الفائزة بجائزة نوبل، والجنود وضعوا مرة أسلاكاً شائكة في شوارع القرية لمنع التنقل، كما إنهم اعتقلوا كثيرين من دعاة السلام الزائرين انتصاراً للقرية، واستعملوا دائماً الجرافات وخراطيم المياه والرصاص المطاطي، ومرة رصاصاً يطلق نوعاً من"الخردق"على شكل حب الحمّص. وهم أيضاً جربوا أخيراً ماء ممزوجاً بمادة كيماوية تركت رائحة كريهة، بل انهم خلطوا الماء بروث وفضلات بشرية، إلا أن أسلوبهم المفضل يبقى الرصاص المطاطي. في آب أغسطس الماضي قالت"نيويورك تايمز"إن بلعين تمثل أفضل حركات المقاومة تنظيماً وأطولها، حتى أصبحت نموذجاً يحتذي به الآخرون. وأنا فخور بأن مؤسسة الفكر العربي، بعد ثلاث جلسات لمجلس إدارتها ومستشاريها كان أولها في حزيران يونيو الماضي، اختارت بلعين لجائزة الإبداع المجتمعي ضمن جوائز الإبداع العربي السنوية التي تعلن أسماء الفائزين بها في المؤتمر السنوي العام، وهو الآن في الكويت، حيث أنا بصفتي عضواً في مجلس الإدارة. لا أقول سوى أننا فخورون ببلعين وأهلها المناضلين، وغداً يوم الجمعة، وتظاهرة سلمية أخرى. نشر في العدد: 17051 ت.م: 2009-12-10 ص: الاخيرة ط: الرياض