ينتهج الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، نهجاً يسارياً لا ريب في يساريته. فإدارته تنفق المال العام من غير مراعاة معايير الحذر والاعتدال. وهي عمدت الى زيادة المرتبات التقاعدية، ومرتبات العاملين في القطاع العام، ورفعت الحد الأدنى للأجر. وتفوق الزيادات هذه متوسط التضخم. وكان الرئيس لولا تحاشى الاجراءات الشعبوية التي تسرع حكومات أميركا الجنوبية الى إقرارها تملقاً لناخبيها، وتعوق ازدهارها. وحاول حمل أجهزة الدولة على التنقيب عن النفط في عرض المحيط، وتجنب توكيل الشركات الخاصة، المجتمعة في ائتلاف"فالي"، التنقيب، واستنت وزارة المالية رسماً ضريبياً على الاستثمارات الأجنبية، مقداره 2 في المئة، لتلجم ارتفاع قيمة الريال بإزاء الدولار، وهي بلغت 27 في المئة. وتخالف الإجراءات هذه تراث السياسات الاقتصادية المنضبطة والمتماسكة التي انتهجها لولا، وسلفه، في الأعوام ال 15 المنصرمة. وخولت السياسات هذه البرازيل تخطي الأزمة الاقتصادية العالمية من غير ضرر كبير، ورشحت البلد الى الاضطلاع بدور نافذ في مستوى الدول الكبيرة. وكان حدس لولا قاده الى الاقرار بأن الرأسمالية هي الطريق الى تحسين الاقتصاد البرازيلي، وازدهار البرازيليين، فأذعن للأمر مكرهاً. وحمل مواطنيه ومؤيديه على الصبر في انتظار الخروج من دائرة الاضطرابات والأخطار الاقتصادية. ولكنه خرج عن تحفظه، فرأى ان"المصرفيين البيض وذوي العيون الزرق، هم المسؤولون عن رمي العالم في لجة الانهيار الاقتصادي. وهو يساند كبيرة موظفي الرئاسة، ديلما روسيف، في انتخابات 2010 القريبة، ويدير حملتها الانتخابية. وتقليصه القيود المالية والمصرفية، ومبادرته الى زيادة المرتبات والأجور، وافتتاحه أشغالاً عامة، هذه كلها جزء من حملته الرئاسية التي يقودها على مثال جماهيري وأميركي جنوبي تقليدي. ويحذر المتحفظون والمعارضون والمنتقدون إدارة لولا من أعباء التزاماتها على المدى المتوسط والبعيد، وتهديد الأعباء هذه الاستقرار. ويقترح الرئيس البرازيلي، عوض تنافس الشركات النفطية على عقود التنقيب، نظام مشاركة يتولى بموجبه موظفون اختيار الشركات الفائزة. وتتولى شركة"بتروبراس"الحكومية الحق الحصري في تشغيل الآبار في المياه العميقة. وتحتفظ برازيليا بحق نقض مشروعات التنقيب إذا ارتأت ذلك. وتحوم حول"فالي"تكهنات التأميم، اقتصاصاً من صرفها بعض عمالها في أثناء الأزمة، ومن تقلص استثماراتها في البرازيل. والشركة هذه خصخصت في 1997. ومذ ذاك زادت قيمتها السوقية 6 أضعاف. وألزمت الخصخصة شركة"بتروبراس"المنافسة مع شركات نفطية فاعلة. فانقلبت من ديناصور، على ما كانت تدعى، الى شركة ناشطة ورابحة، ورعت اكتفاء البرازيل الذاتي من النفط. وقد لا تردع إجراءات لولا العاجلة المستثمرين عن الإقبال على موارد البرازيل الكبيرة والغنية. ولكن البرازيليين لا يراهنون على دوام الاستثمار وحسب. هم يطمحون الى انجاز ما يرفعهم الى مرتبة أعلى من مرتبتهم الحالية، ويمكنهم من أداء دور عالمي رائد. وكان هذا وعد لولا لبلده ولنفسه. * معلق، عن"نيوزويك"الأميركية، 3 / 11 / 2009، إعداد و. ش. نشر في العدد: 17015 ت.م: 2009-11-04 ص: 30 ط: الرياض