إذا قارن المرء أوضاع قطاع العقارات الأميركية التي تفجرت صيف 2007 وتسبّبت بأزمة مال دولية انسحبت على أوضاع العقارات العالمية وتسببت بأزمة قوية في بريطانيا وإسبانيا وألمانيا، يمكن القول إن الانطباع عن تطور القطاع، هو أفضل في ألمانيا مما توقع كثيرون على رغم استمرار تخوفات المستثمرين من آثار الأزمة الدولية المستمرة. والواقع أن الاستثمارات العقارية السكنية في ألمانيا حققت حتى أواخر تشرين الأول أكتوبر من العام الفائت، ربحاً يوازي 5 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2007، وهي نتيجة جيدة في مقابل أسعار الأسهم المتهاوية في بورصة فرانكفورت. ومع ذلك يتزايد القلق لدى كبار المستثمرين الذين استثمروا مبالغ كبيرة في قطاع العقارات خلال انطلاقته القوية، ويتهافتون الآن على سحبها منه خوفاً من تصدعه خلال السنة الحالية التي ينتظر أن يسجل الاقتصاد فيها انكماشاً قد يتحول إلى ركود وكساد، بعد اعتراف الحكومة بأن النمو السلبي سيسجل معدل 2.3 في المئة وهو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. ولم تشهد ألمانيا خلال تلك الفترة نمواً سلبياً إلا مرتين لم تتجاوز نسبته واحداً في المئة. وبما أن القسم الأكبر من الاستثمارات العقارية في ألمانيا أصبح حجراً ومعدات يستحيل تحويلهما إلى سيولة، يُمكن فهم الهلع الذي ينتاب المستثمرين، علماً أن لا مؤشرات قوية بعد عن إمكان تعرض العقارات السكنية الألمانية إلى ما حصل في إسبانيا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى. وذكرت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة حديثاً عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية الغرفة، أن الخبير في مصرف "دويتشه بنك" توبياس يوست نشر تحليلاً شديد التشاؤم، توقع فيه"حصول تداعيات شديدة على العقارات في الولاياتالمتحدة وغرب أوروبا"مشيراً إلى أن عدد الوحدات السكنية الشاغرة "يزيد بصورة غير مسبوقة مع انخفاض الإيجارات وأسعار المساكن في شكل ملموس". وإذ لفت إلى أن التداعيات ستصيب شرق أوروبا وآسيا أيضاً، ذكر في هذا السياق أن 11 تكتلاً عقارياً دولياً وأوروبياً وألمانياً جمّدت أعمالها في تشرين الأول الماضي ومنعت بذلك وصول المستثمرين فيها إلى أموالهم المقدرة بنحو 34 بليون يورو تعادل 40 في المئة من مجمل الاستثمارات في القطاع البالغة 84 بليون يورو. وكشف أن تسعة تكتلات تمكنت نهاية العام الفائت من الحصول على استثمارات جديدة تمكنها من استئناف أعمالها فيما يتوقع أن يحصل التكتلان الأخيران على رأس مال إضافي في نيسان أبريل المقبل. كما تبذل باقي التكتلات العقارية الأخرى"كل جهد ممكن لإبقاء سلعتها مسيلة، وهي مهمة صعبة جدا". في موازاة ذلك صرح اتحاد مستثمري العقارات في بافاريا أخيراً، بأنه في الوقت الذي حافظت أسعار المنازل وإيجارات السكن في ريف الولاية على قيمتها أو سجلت تراجعاً طفيفاً، ارتفعت في المدن الكبيرة، مثل ميونيخ ونورنبيرغ، على رغم الأزمة المالية والاقتصادية الحالية في البلاد. وقال عضو مجلس الاتحاد مارتين شيفر، إن أسعار المساكن في ميونيخ ومحيطها لا تزال في مستوى عالٍ، علماً أن رخص البناء تتراجع في الولاية. وبحسب معلومات محللين عقاريين في ولاية هامبورغ، لا تزال إيجارات المساكن فيها تسجل ارتفاعاً أيضاً. وعزا أمين سر مؤسسة الاستثمار"هامبورغ تراست"يواخيم زيلر السبب إلى وجود طلب أعلى من العرض بعد انخفاض حجم البناء في السنوات الماضية واستمرار ارتفاع عدد السكان. وفي ولاية برلين أعلنت الحكومة المحلية أنها كلفت مصرف الاستثمار الأوروبي الضخم"يو بي إس"، بيع مجموعة العقارات التي تملكها الولاية، ونشرت إعلاناً يعطي المستثمرين الراغبين فترة محددة للتقدم بطلبات شراء. ويقدر خبراء القيمة الحالية لهذه العقارات بين أربعة وخمسة بلايين يورو. وأعلن ناطقٌ باسم وزارة المال في الحكومة، أن طرح العقارات للبيع الآن"كان قراراً مدروسا لوجود رؤوس أموال كثيرة تبحث حالياً عن استثمارات مضمونة لها". وكان بنك الولاية الوطني السابق اشترى مجموعة العقارات المذكورة وتتألف من نحو 600 مبنى وقطعة أرض ثمنها 9.3 بليون يورو قبل أن تهبط أسعار العقارات في البلاد مطلع سنة 2000. وإلى جانب ذلك لفت مراقبون عقاريون في برلين، إلى أن العاصمة الألمانية ستبقى في 2009 أيضاً أكبر ورشة بناء في البلاد، وربما في أوروبا، بعدما بلغ حجم الاستثمارات فيها العام الفائت 2.5 بليون يورو. وتواصل الحكومة الألمانية مشاريع إنشاء مبانٍ عامة عدة في العاصمة، أهمها مبنى جهاز الاستخبارات الألمانية"بي إن دي"الذي يكلف 720 مليون يورو في أقل تقدير ويستوعب 4 آلاف شخص في حاجة إلى مساكن لدى انتهائه العام المقبل، ما ينعكس إيجاباً على قطاع عقارات السكن.