تحولت قمة الكويت الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي افتتحها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بمشاركة 22 دولة عربية، امس، إلى قمة سياسية، ولم تكن تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على هامشها، بل كانت تقريبا كل شيء فيها، هاجسا وطموحا وقرارات. وضمّن القادة المتحدثون في كلماتهم عبارات شديدة الوضوح حول أهمية المصالحة العربية وضرورتها الآن، حتى يمكن للعرب ان يقفوا صفاً واحداً وراء القضية الفلسطينية، قضيتهم المركزية الأولى، كما برزت في قمة الكويت. وانتهى الزعماء مما هو اقتصادي في أقل وقت، حيث أعلن أمير الكويت عن تبرع بلاده ب500 مليون دولار مساهمة في مبادرته الخاصة لتوفير الموارد المالية اللازمة للمشاريع التنموية العربية التي تتطلب بليوني دولار، على ان توكل ادارة هذه المبادرة التنموية الى الصندوق العربي للانماء الاقتصادي، كما تبرعت دولة الكويت ب34 مليون دولار لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا. وقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تبرعا باسم شعب المملكة ببليون دولار مساهمة في برنامج تطلقه قمة الكويت لإعادة إعمار غزة والمقترح أن تكون موازنته بليوني دولار. وكان مبارك دعا إلى عقد اجتماع دولي للدول المانحة في منتصف شهر شباط فبراير المقبل لإعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الاسرائيلية في غزة. وباشر قادة عرب اجتماعات مصالحة عقب جلسة الافتتاح مباشرة في مقر إقامة خادم الحرمين الشريفين الذي جمعتا الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوري بشار الأسد والملك عبد الله الثاني ملك الأردن والملك البحريني حمد بن عيسى وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وقال مصدر مصري مشارك في القمة ان الرئيس مبارك كان متحفظاً بشدة على أي مصالحة مع من اعتبر انهم اساءوا الى مصر، وحوت كلمته نقداً حاداً لهؤلاء، وانه وافق على الجلوس على مائدة الغداء استجابة لدعوة خادم الحرمين وتقديرا لجهود امير الكويت. وكانت الجلسة الافتتاحية شهدت بداية رغبة في المصالحة وفي عدم تعميق الانقسام أكثر مما هو قائم، عندما اعلن الملك عبدالله في كلمته باسم العرب جميعا"أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ، وأننا سنواجه المستقبل بإذن الله نابذين الخلاف صفا واحدا كالبنيان المرصوص". وشدد خادم الحرمين على أن"خلافاتنا السياسية أدت إلى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا وكانت وما زالت عونا للعدو الإسرائيلي الغادر ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الإقليمية على حساب وحدتنا وعزتنا وآمالنا"، واعتبر ان"قادة الأمة العربية مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا وعن الضعف الذي هدد تضامننا. أقول هذا ولا أستثني أحدا منا". وبدا مبارك في كلمته حريصا على نقد ما يجري من"الانقسام الحادث على الساحة الفلسطينية وعواقبه، وما تشهده الساحة العربية من تشرذم ومزايدات ومحاور وما يتنازعها من محاولات تأتي من داخلها وخارجها للعب الأدوار وبسط النفوذ، تتاجر بمعاناة الشعب الفلسطيني وقضيته، وتستخف بأرواح شهدائه ودماء أبنائه، وتمعن فى شق الصف العربى وإضعافه". ?لكن مبارك بدا أيضا منفتحاً على استمرار الدور المصري وإمكان المصالحة، وقال: إن"مصر كعهدها تترفع دوما عن الصغائر ولا تخضع أبدا للابتزاز، ولكن علينا أن نعترف بالحاجة لوقفة صدق ومصالحة مع النفس تتمعن في أحوال عالمنا العربي وتجتهد للالتقاء على كلمة سواء"، مشترطا في"العلاقات العربية - العربية"التي هي"ليست في أحسن أحوالها"، أن"تقوم على الوضوح والمصارحة، وتطابق الأقوال والأفعال، وأن لا مجال في هذ العلاقات للالتواء والتطاول ولا مجال للتخوين وسوء القول والفعل والتصرف". ونادى بضرورة تغيير ?الوضع العربي الراهن بانقسامه وخلافاته ومحاوره، معربا عن ثقته بأن"الخلافات العربية - أيا كانت - لا تستعصي على الحل بالجهود المخلصة والعزيمة الصادقة، فهي في النهاية خلافات بين أشقاء". وكان أمير الكويت أكد في كلمته في افتتاح القمة على أهمية توحيد الصف واتفاق الكلمة وإزالة الفرقة بين الأخوة في فلسطين، ودعا كل القيادات الفلسطينية إلى الوحدة والتكاتف والتعاون، رافضا تصور أن يكون العدوان على غزة ذلك بأي حال من الأحوال مصدر انشقاق وفرقة وتمزق في مواقف دولنا تجاه هذه القضية المصيرية، لأننا"لا نستطيع ولا نملك سوى أن نكون متحدين في مواقفنا ومطالبنا وإن اختلفت اجتهاداتنا وطرائق تعاملنا فكلنا ننشد المصلحة العليا للشعب الفلسطيني في حقه في الحياة والحرية والكرامة الانسانية التي لن تتحقق إلا بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف". وبدوره اعتبر الرئيس الأسد أن ضعف الإرادة السياسية يحول من دون تنفيذ مشاريع تكاملية عربية اقتصادية و"إننا نعكس طبيعة علاقاتنا السياسية على العلاقات الاقتصادية بشكل مباشر، وربما من دون إعطاء الأولوية للعوامل الأخرى الضرورية للاقتصاد، وبشكل يخالف أسس الاقتصاد نفسه"و"كلنا يعرف ويعيش تذبذب العلاقات العربية - العربية خلال العقود الماضية، وكلنا يعي أن مثل هذا التذبذب لا يمكن أن يؤدي إلى علاقات اقتصادية سليمة ومتطورة، لأنه يضع لها سقفاً من الصعب تجاوزه مهما عقدنا من اتفاقيات ومعاهدات، طالما لم نوفر لها الآليات والبنى التي تمأسِسُ هذه العلاقات وتفصلها عن توجهاتنا السياسية وأمزجتنا الشخصية". مراجعة التعامل مع اسرائيل ويتجه القادة العرب للموافقة على مشروع قرار بإعادة النظر في التعامل العربي مع اسرائيل، بما في ذلك العلاقات معها وتفعيل قرارات المقاطعة الاقتصادية العربية ضد اسرائيل بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني، طالما استمرت اسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني. ويؤكد القرار على ضرورة تكثيف جهود الإغاثة والعون الانساني والطبي للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة بالتنسيق مع جهود مصر والاردن. ويطالب المجالس الوزارية العربية المعنية بتقديم المساعدات العاجلة على نحو فاعل يلبي احتياجات السكان في قطاع غزة، ويكلف الامانة العامة للجامعة العربية بتوثيق الجرائم الاسرائيلية المرتكبة في عدوانها على قطاع غزة، وإعداد ملف قانوني لرفعه الى الهيئات القضائية المعنية بمحاكمة مجرمي الحرب. ويطلب مشروع القرار من الدول الأعضاء توفير الموارد المالية لذلك، ودعم جهد مصر لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية بشكل فوري بما يضمن وحدة الشعب الفلسطيني وترابه الوطني ويحقق استقلاله الوطني وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس. ويؤيد المشروع المبادرة المصرية الرامية لوقف العدوان الاسرائيلي واعتبارها احدى وسائل استكمال تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1860 والتنويه بالجهود التى تبذلها مصر، اضافة الى اتخاذ الخطوات اللازمة للعودة الى مجلس الأمن لإصدار قرار يلزم اسرائيل بتنفيذ القرار 1860 نظراً لاستمرارها بالتعنت في تنفيذه. ويؤكد مشروع القرار على ضرورة العمل على الفتح الفوري لجميع المعابر الحدودية مع قطاع غزة طبقا لاتفاقية تشرين الثاني نوفمبر العام 2005 وتسهيل عبور الافراد ومواد الاغاثة، وتكثيف الاتصالات مع الادارة الاميركية الجديدة بشأن قضايا السلام فى الشرق الاوسط، ويكلف الأمين العام للجامعة العربية إبلاغ تقدير المجلس للدول الصديقة كافة والتي اتخذت اجراءات عملية فاعلة لإدانة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وعلى تضامنها وتأييدها للشعب الفلسطيني. ويوجه القادة العرب تحية اكبار واجلال للشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة لمواجهة العدوان الغاشم على قطاع غزة ودعم صموده ومقاومته لدحر هذا العدوان، ويدعون المجتمع الدولي والدول المؤثرة، وعلى نحو خاص مجلس الأمن، الى تحمل مسؤولياتهم القانونية والاخلاقية وفقا لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية والتوصل الى وقف دائم لاطلاق النار يحظى بالاحترام الكامل ويفضي الى الانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية. نشر في العدد: 16727 ت.م: 20-01-2009 ص: 9 ط: الرياض عنوان: غداء في مقر إقامة خادم الحرمين يضع مؤشرات نجاحها ويعزز الأمال في تنقية اجواء العلاقات . قمة الكويت تتحول إلى قمة مصالحة ... وتركيز في الكلمات على ضرورة إعادة التضامن العربي