تواجه الصين عام 2009 خطر الوقوع بين مطرقة تباطؤٍ في نمو الناتج المحلي الإجمالي، إلى التباطؤ الذي عرفته في 2008، مع توقع تراجع الصادرات في ظل أزمة المال العالمية، وسندان تقلصٍ حادٍ في معدل التشغيل. ويهدّد الخطران بخفض الإنفاق الاستهلاكي، بحيث لا يعوّض عن تراجع الصادرات، ما يهدد بدوره بإبطاء النمو وتقليص أكثر للتشغيل، ويعرّض الصين إلى الوقوع في حلقة مفرغة. تنبهت بكين سريعاً إلى ان الأزمة العالمية ليست عابرة، فخصصت أربعة تريليونات يوان 585 بليون دولار لمساندة الاقتصاد الصيني. وتؤكد أحدث الأرقام ان الدعم كان ضرورياً، على رغم تأكيدات خبراء أجانب كثر ان النتائج لن تكون سريعة، كما هي الحال في أي اقتصاد ناشئ يكافح عواقب أزمة عالمية وخيمة. كان تشرين الثاني نوفمبر الماضي صعباً للعملاق الآسيوي، فنمو الإنتاج الصناعي تراجع إلى 5.4 في المئة معدلاً سنوياً، أدنى مستوى منذ أوائل 2002، فيما تراجع مؤشر مديري الشراء، الذي يعبر عن معنويات القطاع الخاص، إلى 38.8 في المئة، في تقلص كبير مقارنة مع تشرين الأول أكتوبر حين بلغ 44.6 في المئة. ومرد التراجعين، وفقاً لخبراء، ضغط انخفاض الطلب على المنتجات الصناعية الصينية، جراء الأزمة. وهذا مفهوم وإن كان مصدر قلق. لكن، ما قد يثير الذعر في حال استمر لأشهر، التباطؤ في مبيعات التجزئة، فالاستهلاك الداخلي ملاذ للاقتصادات المصدِّرة التي تعاني تراجعاً في صادراتها. ليست الصورة في الصين مشرقة في هذا الصدد، فمبيعات التجزئة داخل البلاد نمت بواقع 20.8 في المئة سنوياً في الشهر ذاته، مقارنة بپ22 في المئة في الشهر الذي سبقه. وتباطأ نمو مبيعات التجزئة في المدن، التي تستحوذ على ثلثي هذا النوع من المبيعات في الصين، إلى 20.3 في المئة معدلاً شهرياً في تشرين الثاني، بتراجع 1.8 في المئة عنه في تشرين الأول. وزاد الطين بلة تراجع طفيف، لكن مقلق أيضاً في نمو الاستثمارات في الأصول الثابتة، بلغ 26.8 في المئة بين كانون الثاني يناير وتشرين الثاني، مقارنة بپ27.2 في المئة بين كانون الثاني وتشرين الأول. وتوقعت المجموعة المالية"سيتي غروب"في تقرير لها قبل أسابيع استمرار التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين خلال 2009 وارتفاع مستويات البطالة في المدن، وسيخفض الأمران مداخيل الأفراد وقدرتهم على الإنفاق. ولفت التقرير إلى أن تراجع الإنفاق قد يصيب مبيعات البضائع الاستهلاكية على أنواعها، باستثناء الأغذية التي ربما تشهد انتعاشاً. ورأى مصرف الاستثمار"مورغان ستانلي"في تقرير شبه متزامن مع الأول أن الأوضاع قد تتحسن في وقت لاحق من 2009، لكن ريثما يحصل ذلك، قد لا تقتصر المشاكل على إنفاق المستهلكين، فثمة قطاعات مهددة، أهمها القطاع العقاري الراكد قبل اندلاع الأزمة العالمية في أيلول سبتمبر الماضي بشهور، بعد أن قيدته الحكومة بأنظمة قاسية عام 2007 سببت تراجعاً حاداً في الوحدات المعروضة. وعلى رغم التفاؤل النسبي لپ"مورغان ستانلي"الذي يرى ان مشاكل الصين اقتربت من ذروتها، ليبدأ اقتصادها انتعاشاً ولو خجولاً، فهو يتوقع استمرار تداعيات هذه المشاكل في النصف الأول من السنة المقبلة، استعداداً لانتعاش لن يكتمل قبل 2010. ويتوقع كذلك ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بمعدل 7.5 في المئة في 2009، مقارنة بمعدل 11.4 في المئة عام 2007، وتسعة في المئة معدلاً سنوياً في الشهور التسعة الأولى من السنة الحالية، شرط أن تعوّض، تراجعَ المبيعات العقارية وتقلصَ الصادرات، زيادةٌ في الاستثمارات المخصصة للبنية التحتية بفضل رزمة الحوافز. وربط"مورغان ستانلي"أخطار التراجع بالقطاع العقاري. ووفقاً للتقرير،"إذا تقلصت الاستثمارات العقارية بواقع 30 في المئة عام 2009، سيكون التأثير كبيراً إلى درجة لن تتمكن معها رزمة الحوافز المالية في شكلها وحجمها الحاليين من التعويض عن تراجع النمو". وفي ظروف كهذه، يمكن ان يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى خمسة في المئة. ويعتمد أي ارتفاع محتمل على عوامل خارجية. ويمكن، وفقاً لپ"مورغان ستانلي"، أن يقفز معدل النمو إلى تسعة في المئة اذا كان الركود في الأسواق الرئيسة المستوردة للصادرات الصينية، أقل من المتوقع. ويعطي المسؤولون الصينيون صورة أقل قتامة عن اقتصاد بلادهم السنة المقبلة وإن لم تخلُ من التشاؤم. فقد أعلن نائب محافظ البنك المركزي الصيني يي جانغ أخيراً ان اقتصاد بلاده سينمو بمعدل ثمانية في المئة أو أكثر بقليل عام 2009 شرط تحسن الإنتاج الصناعي. وحذّر مستشار مجلس الدولة مجلس الوزراء تشين تشوان شينغ في وقت سابق من ان العدد الحقيقي للعاطلين في البلاد أكبر بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية 8.3 مليون شخص بعدما أغلقت 670 ألف شركة صغيرة أبوابها منذ مطلع 2008 تحت وطأة الأزمة العالمية. وكان الرئيس الصيني هو جين تاو تعهد في 18 كانون الأول ديسمبر في مناسبة الذكرى الپ30 للإصلاح الاقتصادي، بحماية التنمية والاستقرار. وينتظر الخبراء، قبل أن يجزموا بالتشاؤم أو التفاؤل، نتائج تطبيق رزمة حوافز، للبنية التحتية منها نصيب كبير. ويكادون يجمعون على أن النتائج الأولى لن تظهر قبل بدء الربع الثاني من عام 2009. وحتى ذلك الحين، يرجّح كثر منهم أن تتوالى الأخبار السيئة، خصوصاً قبيل بدء السنة الصينية الجديدة في 26 كانون الثاني يناير المقبل حين يُتوقَّع إعلان النتائج السنوية للشركات ويبدو أن كثيراً منها سيكون سيئاً. نشر في العدد: 16708 ت.م: 01-01-2009 ص: 21 ط: الرياض