لَمَعَ نَجْمُ إمام الحرمين الجويني في نيسابور وما حولها، وذاع صيتُه حتى بلغ العراق والشام والحجاز ومصر، فغادر نيسابور، وتوجه إلى بغداد فأقام فيها فترة وتوافد عليه الطلاب والدارسون، ثم رحل إلى الحجاز فأقام في مكةالمكرمة أربع سنوات يَدرُسُ ويُدرِّسُ، ويُفتي ويُناظِر، ويؤمُّ المصلين بالمسجد الحرام، ولذلك لُقِّبَ بلقبِ إمام الحرمين، فكان يقضي يومَه بالعِلم والتعليم والتعلُّم والتدريس، ويقومُ ليلَه طائفاً حَولَ الكعبة المشرفة مُتعبِّداً في رحاب الحرم الشريف"وبعد سنوات المجاورة في الحرمين الشريفين بمكةالمكرمة، والمدينة المنورة عاد الجويني إلى نيسابور"ومارس التدريسَ في المدرسة النظامية التي أنشأها له الوزير الشهيد نِظامُ الملك السلجوقي الذي اغتالته عصابات الغدر، فدرَّسَ إمامُ الحرمين في المدرسة النظامية العلوم الإسلامية على المذهب الشافعي، فانتفع به أهلُ السُّنة والجماعة في تلك البلاد وغيرها من بلاد الإسلام والمسلمين وما زالوا ينتفعون بما رزقه الله تعالى من العلوم. كان إمامُ الحرمين الجويني عالماً بعلوم الشريعة، وعلوم اللغة الغربية، وفنون الأدب، وقد قرض الشعرَ على طريقة الفقهاء التي أرسى أُسُسَها الإمامُ الشافعي المطَّلبي رضي الله عنه، ومن شعر الجويني: أَصِخْ لنْ تنالَ العِلْمَ إلاّ بِسِتَّةٍ ** سَأُنْبِيْكَ عَنْ تفصِيْلِها بِبَيَاْنِ ذَكَاءٌ وحِرْصٌ وافتِقارٌ وغُرْبَةٌ ** وتَلْقِيْنُ أُسْتَاْذٍ وطُوْلُ زَمَاْنِ وبعد حياةٍ حافلة بالعِلم والتعلُّم والتعليم، أُصِيب الجويني بعِلَّة شديدة، فلمّا أحسَّ بخطورة المرض انتقل إلى بلدة بشتنقان للاستجمام والاستشفاء بمناخِها المعتدل، ولكنَّ ذلك لم يؤخِّر الأجلَ فاشتدَّ عليه المرض، وانتقل إلى رحمة الله تعالى في بشتنقان، وذلك في مساء يوم الأربعاء 25 ربيع الآخر عام 478ه/ 20 آب/ أغسطس عام 1185م، وكان قد بلغ من الْعُمر تسعاً وخمسين سنة. فقال أحدُ الشعراء في رثائه: قلوبُ العالَمِيْنَ على الْمَقالِي ** وأيامُ الورى شبه اللّيالِيْ أَيُثْمِرُ غُصْنُ أهْلِ العِلْمِ يوماً ** و قد ماتَ الإمامُ أبو الْمَعَالِيْ مؤلفاته المخطوطة: لقد ألَّفَ إمامُ الحرمين أكثر من عشرين كتاباً ورسالة طُبِع نصفُها تقريباً، وما زال النصفُ الآخر بانتظار المحققين والناشرين، والذي عرفناه من تلك المؤلفات، وعرفنا أماكن مخطوطاتها، المخطوطات التالية التي لم تُطبع بعدُ حَسْبَ اطلاعنا: 1 - أبيات شعرية في مدح مُوطّأ الإمام مالك: مخطوطتها في المدرسة الأحمدية بمدينة الموصل العراقية تحت الرقم: 24/7/2. 2 - تلخيص التقريب للباقلاني: في أصول الفقه، ومخطوطته في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول بمتحف الطوب قابي تحت الرقم: 1237/2. 3 - الدرة المضية في ما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية: ومخطوطته في المتحف البريطاني تحت الرقم: 7574. 4 - رسالة في ذكر حال أبي علي ابن سينا: ومخطوطتها موجودة في مكتبة أسعد أفندي، في السليمانية في إستانبول تحت الرقم: 3688. 5 - شرح الإرشاد في أصول الاعتقاد: ويُنسَبُ أيضاً إلى أبي المعالي أبي بكر ميمون، ومخطوطته موجودة في مكتبة أحمد الثالث في قصر طوب قابي في إستانبول تحت الرقم: 1860. 6 - شرح بيتين من رسالة أبي الحوراء لأبي سعيد أبي الخير: ومخطوطته موجودة في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول تحت الرقم: 1344. 7 - غنية المسترشدين في مختصر أصول الدين: ومخطوطته موجودة في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول تحت الرقم: 1916. 8 - كتاب المجتهدين"كتاب الاجتهاد من كتاب التلخيص في أصول الفقه الشافعي: ومخطوطته في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول تحت الرقم: 1237/2، وفي مكتبة بانكبور خُدابخش تحت الرقم: 2916/1. 9 - كتاب التقليد في أصول الفقه الشافعي، ومخطوطته موجودة في مكتبة بانكبور خُدابخش تحت الرقم: 2916/2. - كفاية طالب علم الكلام في شرح الإرشاد لإمام الحرمين في أصول الفقه: ومخطوطته موجودة في خزانة القرويين في مدينة فاس بالمملكة المغربية تحت الرقم: 729. 11 - الكامل في اختصار الشامل"للجويني في أصول الفقه: ومخطوطته في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول تحت الرقم: 1322. 12 - مغيث الخلق في اختيار الأحقّ"في الأصول: ومخطوطاته موجودة في مكتبة آياصوفيا تحت الرقم: 2194، ومكتبة أسعد أفندي تحت الرقم: 3532، في السليمانية في إستانبول، وفي المكتبة التيمورية بمصر تحت الرقم: 56 أصول. وهنالك 12 كتاباً ورسالة من مؤلفات الجويني مازالت مخطوطة، ومعروفة الأماكن في مكتبات التراث العربية والعالمية، وربما توجد مخطوطات مَنسيّة لم يكتشفها المهتمّون بالتراث بعد، وإلى جانب كُتُبِهِ المخطوطة توجدُ كُتُبُهُ المطبوعة، وحَسْبَ معلوماتنا، فإنّ الناشرين قد نشروا عشرة كُتُب مما ألّفه إمامُ الحرمين الجويني وهي: 1 - نهاية المطلب في دراسة المذهب: وهو كتابٌ في الفقه الشافعي: وقد صدَرَت الطبعةُ الأولى عن دار المنهاج في مدينة جدّة في المملكة العربية السعودية، وقد اعتنى بتحقيقها عبدالعظيم الديب، وتقع هذه الطبعة في 21 مجلداً، وعدد صفحاتها: 11616 صفحة، وتَزِنُ مُجلَّدَاتُها كاملةً: 22 كيلو غراماً ونصف كيلو غرام، وقد صدرت عام 1428 ه/ 2007م. ويمتازُ هذا الكتابُ بتقرير القواعد، وتحرير الضوابط والمقاصد، وتبيين مآخذ الفروع، ويلتزمُ طريقةَ المؤلفين من الشافعية الذين نبغوا بفضل الله أولاً ثم المدارس النظامية التي خرّجتْ جهابذة العلوم العقلية والنقلية، الذين اجتهدوا ودافعوا عن هذا الدين، وتصدَّوا لأهل البِدَع والْمُنحرفين عن سُنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد لاقى كتابُ نهاية المطلب في دراية المذهب قبولاً فانتشر انتشاراً واسعاً، وأثنى العلماء على مؤلفه، ورجّحوا هذا الكتاب على ماعداه من الكتب التي كُتبتْ في بابِهِ، ومن العُلماء الفطاحل الذين اهتموا بنهاية المطلب الشيخ ابن أبي عصرون: عبدالله بن أبي السّريّ محمد بن هبة الله بن مطهر بن علي بن أبي عصرون التيمي، الحديثي، الموصلي، الفقيه الشافعي، نزيل دمشق، وُلد عام 492 ه، وتُوفى بدمشق عام 585 للهجرة، وقد صنّف كُتُباً قيِّمةً منها: صفوة المذهب من نهاية المطلب لإمام الحرمين، ويقع في سبع مجلدات. 2 - البرهان في أصول الفقه: حققه عبدالعظيم الديب، وصدر عن مطابع الدوحة الحديثة في قطر عام 1980م في مجلدين، وهذا الكتاب ما زال في حاجة إلى تحقيق جديد إذ صدرت أعداد معتبرة من كتب أصول الفقه خلال الثلاثين سنة الماضية، فأماطت اللثام عن الكثير من المعلومات التي لم تكُن مُتاحة حينما صدر هذا الكتاب. 3 - الشامل في أصول الدين، ويتضمَّن كتاب النظر، وكتاب التوحيد، وكتاب العِلل: وقد صدر عن دار العرب في القاهرة عام 1950م بعناية هلموت كلوبفر، ثم حققه سامي النشار وفيصل بدير عون تحقيقاً تجارياً، وأصدرته منشأة المعارف في الإسكندرية. 4 - غياث الأمم في التياث الظُّلَم. ومعناه: منقذ الأمم من الوقوع في الظُلَم، في الفقه السياسي الإسلامي. حققه مصطفى حلمي وفؤاد عبدالمنعم، وأصدرته دار الدعوة في الإسكندرية عام 1979م. وصدرت طبعة من الكتاب على نفقة الشؤون الدينية القطرية عام 1400 ه، وهي تحقيق عبدالعظيم الديب، وهي طبعة مثقلة بتثبيت الفوارق بين النسخ المخطوطة من الكتاب، مما ضخّم حجمه دون فائدة فجاء الكمُّ على حِسابِ الكَيْفِ. 5 - لُمَعُ الأدلة في قواعد عقائد أهل السُّنّة والجماعة: حققته فوقية حسين محمود، وراجعه محمود الخضيري، ونشرته المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، والدار المصرية للتأليف والترجمة عام 1385 ه/ 1965م. 6 - الورقات في أصول الفقه: حققه عبداللطيف محمد العبد، وصدر في بيروت عن مكتبة التراث عام 1977م 7 - الكافية في الجدل: تحقيق فوقية حسين محمود، ومنشورات مكتبة عيسى البابي الحلبي في القاهرة عام 1979م. 8 - شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل اللُّمَع حققه س. ت. ميشيل أللارد، ونشرته دار المشرق عام 1968م بمساعدة الألماني آدم شيل. ثم حققه أحمد حجازي السَّقَّا، ونشرته مكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة عام 1979م. 9 - الرسالة النظامية أو العقيدة النظامية. رواية أبي بكر بن العربي عن الغزالي عن المؤلف: صحّحها الشيخ محمد زاهد الكوثري، ونشرتها مطبعة الأنوار في القاهرة عام 1367 ه/ 1948م. 10 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: صدر عام 1938م عن المطبعة الدولية في باريس بعناية لوسياني مع دراسة وترجمة باللغة الفرنسية، ثم حققه محمد يوسف مصطفى وعلي عبدالمنعم عبدالحميد، ونشرته مكتبة الخانجي في القاهرة عام 1396 ه/ 1950م مع فهارس علمية.