اذا استدعينا النظرية التي تقول أن لكل دولة حربها المقدسة فحينئذ يمكن أن نفهم أسباب الخلاف الأميركي الروسي حول القوقاز، فواشنطن تريد السيطرة على هذا الإقليم لإحكام الطوق على روسيا ولتسهيل السيطرة على نفط بحر قزوين، وروسيا أدركت ما تريده واشنطن ولهذا خططت واختارت جورجيا حليفة أميركا كرد استبقائي وساحة مواجهة. القوقاز أقليم جبلي يقع بين بحر قزوين في الشرق والبحر الأسود في الشمال ويتميز بأهمية جيوبوليتكية واقتصادية، وتنوع عرقي كبيرأكثر من خمسين لغة وقومية قلما نجد مثله في أية بقعة من العالم لها المساحة الصغيرة نفسها، ويتركز معظم سكان الإقليم على سواحل البحر الأسود، وكان الإقليم بحكم موقعه على البحر الأسود محط أنظار الروس منذ عهد النظام القيصري، وحاول الروس منذ القرن السادس عشر الميلادي وخلال العهد السوفياتي تذويب المجتمع القوقازي ولكنهم لم يفلحوا، ويفوق أهمية الإقليم اليوم أكثر من أي وقت مضى بالنسبة الى روسيا وأميركا ويرجع هذا الى مجموعة من الدوافع المستجدة: 1 - الدوافع الأميركية: يعتقد الأميركيون أن نوازع الاستبداد الروسي لم تنته مع سقوط الاتحاد السوفياتي وظهور الاتحاد الروسي واستقلال دول أوروبا الشرقية والدول المستقلة، وان النظام الاستخباراتي الديكتاتوري الروسي الذي أرساه الرئيس فلاديمير بوتين طوال حكمه لا يختلف كثيراً عن النظام الديكتاتوري الشيوعي السوفياتي السابق، وان التغيير الذي حصل في موقع الرئاسة الروسية من بوتين الى مدفيديف ليس إلا تبادلاً للمواقع وذر الرماد في العيون وطعن في ظهر النظام الديموقراطي الذي كان العالم الحر ينشده للدولة الروسية الوليدة، وأن بوتين يدعم النظم الراديكالية والشمولية في العالم إيران ? كوريا الشمالية وغيرهما ويقوض بما يملك من حق الفيتو في مجلس الأمن الجهود الدولية في إرساء الديموقراطية وقواعد السلم الأهلي في العالم. 2- الدوافع الروسية: يعتقد القوميون الروس بزعامة بوتين أن الاتحاد السوفياتي سقط نتيجة مؤامرة غربية ? أميركية، وأن الاتحاد الروسي مستهدف هو الآخر من أميركا، وأن التمدد الأميركي في آسيا الوسطى ومطامع واشنطن في نفط بحر قزوين وتطويق روسيا بالقواعد العسكرية وتوسيع حلف الناتو ليشمل جورجيا وأوكرانيا حتى تخوم الاتحاد الروسي استراتيجية أميركية جديدة تهدف الى تقويض السيادة الوطنية، وتهدد الأمن القومي الروسي. والحقيقة أن بوتين يسعى من خلال احتلال جورجيا الدولة الصغيرة المسالمة الى تقويض النظام الديموقراطي في كل من جورجيا وأوكرانيا والدول المستقلة، هذا النظام الذي بات يؤلم خاصرته ويقض مضجعه، وافتعال أزمة دولية في منطقة مضطربة أصلاً مثل القوقاز من شأنها خلط الأوراق وإدخال العالم مرة أخرى في أتون حرب باردة جديدة لا يعلم أحد مداها ومنتهاها، وكل ذلك تحت شعار إعادة أمجاد روسيا هذا إذا كان لها أمجاد وهي في الحقيقة ليست سوى إثبات وجود. مرشد اليوسف - بريد إلكتروني