صعّدت موسكو لهجتها مرة أخرى، متوعّدة باستهداف مواقع في أوروبا، في حال صممت واشنطن على المضي في خطتها نشر الدرع الصاروخية في بولندا وتشخيا، فيما اصطدمت جهود التسوية مرة أخرى بحائط"الملفات الخلافية"التي ظلت عالقة بعد توقيع اتفاق"ميدفيديف - ساركوزي في موسكو قبل يومين. وبعد إعلان روسيا عزمها نشر طائرات تحمل صواريخ في مطار فنزويلي، ومعلومات نفتها موسكو عن احتمال نشر رادار روسي متطور في كوبا، عادت الأنظار أمس للتوجه إلى مواقع ينتظر أن تنشر فيها الولاياتالمتحدة درعها الصاروخية في شرق أوروبا، وهددت روسيا بأنها ستوجه صواريخها العابرة للقارات إلى المنشآت الأميركية في بولندا وتشيخيا، ملمحة إلى احتمال أن تكون"مناطق أخرى"أيضاً ضمن الأهداف الروسية المحتملة. جاء ذلك فيما صادقت الحكومة التشيخية أمس على اتفاق يسمح بنشر قوات أميركية في قاعدة للدرع الصاروخية التي تنوي الولاياتالمتحدة إقامتها في تشيخيا, بحسب وزير الدفاع فلاستا باركانوفا. وصرح الوزير بعد اجتماع وزاري أن الحكومة نجحت في جعل الاتفاق المكون من 34 صفحة يضم العديد من مطالبها. وقال قائد قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية نيكولاي سولوفتسوف، إن روسيا ستوجه بعض صواريخها الباليستية العابرة للقارات إلى مواقع المنظومة المضادة للصواريخ التي تعتزم الولاياتالمتحدة نشرها في بولندا وتشيخيا. ولم يستبعد سولوفتسوف توجيه"عدد من الصواريخ الروسية إلى مواقع أخرى مماثلة في المستقبل"، في إشارة اعتبر بعضهم أن المقصود منها جمهوريات حوض البلطيق التي تتخذ موقفاً عدائياً من روسيا، خصوصاً أن أنباء تحدثت أخيراً عن احتمال نشر درع صاروخية أميركية في هذه المنطقة أيضاً. وقال سولوفتسوف إن القيادة الروسية"ليست قلقة من مجرد نشر 10 صواريخ اعتراضية في بولندا ومحطة رادار في تشيخيا، بل من غياب الشفافية في المنظومة المضادة للصواريخ التي تنشئها الولاياتالمتحدة"، ما يعني أن الأميركيين ربما يوسعون تواجد ترسانتهم الصاروخية في أوروبا من دون أخذ رأي موسكو في الاعتبار. وأضاف:"لهذا نجد أنفسنا مضطرين لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التقليل من قدرات الردع النووية الروسية"، لافتاً إلى أن الأنظمة الصاروخية الروسية قادرة على تجاوز الدرع الصاروخي الذي ستنشئه أميركا حتى عام 2020. جاء ذلك فيما قال سولوفتسوف إن القوات الإستراتيجية الروسية ستجري تجارب إطلاق أربعة صواريخ عابرة للقارات قبل نهاية العام الحالي. وقال:"تماشياً مع البرنامج المعدل لإطلاق الصواريخ لعام 2008، سننفذ عمليات إطلاق أربعة صواريخ قبل نهاية العام الحالي بما في ذلك تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز أر أس -24 من قاعدة بليسيتسك". وتم إجراء ثلاث تجارب لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات لغاية اليوم من العام الحالي، بمعدل تجربة واحدة في حزيران يونيو الماضي وتجربتين في آب أغسطس الماضي. وأضاف سولوفتسوف"كانت التجارب الثلاث السابقة ناجحة". وقال الناطق باسم الخارجية الروسية أندريه نيستيرينكو إن بلاده"لم تر حتى الآن أي استعداد فعلي لمراعاة القلق الروسي، وبحث إجراءات الثقة الجدية من شأنه أن يقنعنا بعدم استهداف هذه الخطط لروسيا". وأضاف:"نتيجة لذلك، لا يبقى أمام روسيا خيار غير اتخاذ خطوات جوابية مناسبة حيال المنشآت العسكرية الأميركية في أراضي بولندا". اتفاق ميدفيديف - ساركوزي وتزامن التصعيد مع تعقيدات جديدة دخلتها جهود التسوية في القوقاز الذي يبذلها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بصفته رئيساً للاتحاد الأوروبي. واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زعماء الاتحاد الأوروبي بتشويه اتفاق على نحو غير أخلاقي بين روسيا والاتحاد في شأن نشر مراقبين دوليين لوقف إطلاق النار في جورجيا. وكانت مصادر جورجية نقلت أن محادثات ساركوزي مع الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي انتهت باتفاق الطرفين على شمل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ضمن مناطق عمل قوات المراقبة الأوروبية المزمع نشرها لتحل محل قوات حفظ السلام الروسية. وأعلن وزير الخارجية الروسيپ سيرغي لافروف أمام الصحافيين، أن روسيا عازمة على مطالبة الاتحاد الأوروبي بتنفيذ التزاماته المتعلقة بالتسوية في القوقاز بحذافيرها. وقال لافروف إن بلاده"تسترشد بالالتزامات التي قطعتها على نفسها أمام أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأمام الاتحاد الأوروبي، وستطالب الاتحاد بتنفيذ التزاماته أمامنا". وأضاف:"ما جرى ونوقش في تبليسي لا يعني شيئاً بالنسبة إلينا. وسنتمسك بالالتزامات التي قطعناها على أنفسنا وفقاً للمعاهدتين بين روسيا وأبخازيا وبين روسيا وأوسيتيا الجنوبية، والالتزامات التي تعهدنا بها خلال المباحثات مع الاتحاد الأوروبي". وأكد لافروف أن روسيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ستتخذ معاً إجراءات كفيلة بالتصدي لأي عدوان من أي دولة أو دول. وشدد على أن المراقبين الدوليين الإضافيين سينشرون حول أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وليس داخل هاتين الجمهوريتين. وقال إن مراقبين من منظمة الأممالمتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا يعملون حالياً في أراضي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بعددهم نفسه قبل السابع من أغسطس أي عندما اندلعت الحرب في القوقاز، مضيفاً أن تواجد مراقبي الأممالمتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية يتطلب موافقة من سوخومي وتسخينفالي. وأعلن الوزير أن جنود حفظ السلام الروس سينسحبون من النقاط الأمنية على خط بوتي- سيناكي في غضون 7 أيام بعد الثامن من سبتمبر على ضوء الضمانات بعدم استخدام القوة ضد أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ولفت إلى أن وضع جنود السلام الروس المنتشرين في مواقع أخرى في المنطقة الأمنية حول أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لن يتغير لأن سحبهم من تلك المواقع يتطلب خطوة من الاتحاد الأوروبي الذي تعهد بنشر 200 مراقب على أقل تقدير قبل الأول من تشرين الأول أكتوبر المقبل. وشن لافروف هجوماً جديداً على واشنطن واتهمها بالكذب والتراجع عن تعهداتها، وذكر أن الولاياتالمتحدة أكدت لموسكو أكثر من مرة في السابق أنها ستقف ضد انضمام جورجيا إلى حلف الناتو في حال قيام تبليسي باستخدام القوة في القوقاز. إلى ذلك قدمت موسكو مشروع قرار إلى مجلس الأمن، ينص على فرض حظر كامل علىپمبيعات الأسلحة والمواد العسكرية إلى جورجيا. ويطالب المشروع كل الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة لعرقلة مبيعات الأسلحة في شكل مباشر أو غير مباشر إلى جورجيا أو بيع أو تسليم هذا البلد أسلحة وتقنيات ومواد عسكرية، وكذلك عدم تقديم مساعدات أو استشارات عسكرية لتبليسي. وكانت جورجيا قد ذكرت في تقرير أعدته لمنظمة الأممالمتحدة أنها حصلت في عام 2007 على الكثير من الأسلحة والتقنيات العسكرية من أوكرانيا وإسرائيل وبلغاريا وبولندا.