الخبراء الأميركيون والمعلقون والباحثون منقسمون مناصفة تقريباً بين الذين يرجحون ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وبين الذين يستبعدونها. ثم هناك فريق ثالث هو عصابة الحرب من دعاة إمبراطورية أميركية ومحافظون جدد ولوبي إسرائيل، وبعضهم ضاق ذرعاً بتلكؤ الإدارة فانقضّ عليها، ومطبوعات المحافظين الجدد المعروفة، مثل"ويكلي ستاندارد"و"ناشونال ريفيو"تنشر تحريضاً مستمراً، كما أن كتابهم يبثون سمومهم في الصحف الكبرى التي تفسح المجال لهم، فنقرأ بذاءات ديفيد بروكس ووليام كريستول في"نيويورك تايمز"، وتشارلز كراوتهامر في"واشنطن بوست"، مع أن الجريدتين ليبراليتان راقيتان، وهؤلاء الكتاب متطرفون دعاة حرب. والتحريض يشمل شبكات تلفزيون يمينية مثل فوكس التي تستضيف أحياناً جون بولتون، وهو عدو لكل العرب والمسلمين. أعضاء عصابة التحريض على إيران هم نفسهم الذين حرضوا على العراق حتى انتهت الولاياتالمتحدة بحرب أسبابها ملفقة بالكامل قتل فيها مئات ألوف العراقيين. والمتطرفون، وكلهم من الاعتذاريين الإسرائيلين المعروفين، يريدون الآن حرباً على إيران تقتل أعداداً أكبر من المسلمين، وتفتح أبواب الجحيم على المنطقة كلها. وزايد المؤرخ الإسرائيلي بني موريس على الجميع وهو يكتب في"نيويورك تايمز"ويجزم بأن إسرائيل ستضرب البرنامج النووي الإيراني خلال أربعة أشهر الى سبعة أشهر، وإلا فإنها ستضطر في المستقبل الى توجيه"ضربة نووية استباقية"، أي إجهاضية، لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية. وترجمة هذا الكلام هي أن على الولاياتالمتحدة أن تدمر المنشآت النووية الإيرانية، حتى تمنع ضربة نووية إسرائيلية، فتكون إدارة بوش، إذا فعلت،"خدمت"إيران بإنقاذها من أتون نووي. ولكن من ينقذنا من إسرائيل؟ هي تملك ترسانة نووية، وتقوم في أراضٍ كلها فلسطينية وتحتل بقية أرضهم، وتقتل النساء والأطفال، وتدمر كل يوم. وفي حين انني لست معجباً بالسياسة الإيرانية، وأعترض على تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد، وأفهم جيداً الأطماع الفارسية القديمة والباقية في الخليج، فإنني مع إيران ضد إسرائيل، ومع امتلاكها سلاحاً نووياً طالما أن إسرائيل تملك هذا السلاح، فالسياسة الوحيدة الصحيحة في الشرق الأوسط هي أن يكون مجرداً من أسلحة الدمار الشامل، وهذا ينطبق على إسرائيل قبل إيران، بالنظر الى تاريخها الإجرامي الذي لن يستطيع بني موريس أو غيره التعتيم عليه. إذا كنت أستبعد الضربة لأن الأميرال مايكل مالن، رئيس الأركان المشتركة الأميركية، يقول إنه يخوض حربين وآخر ما يريد هو حرب ثالثة، وإذا كنت أرجحها فلأن حزب الله دخل عنصراً في التحريض الإسرائيلي على إيران، مع أنه يفترض بعد تبادل الأسرى إنهاء الفصل الأخير من حرب صيف 2006. الصحف الإسرائيلية تتحدث عن حرب جديدة مع حزب الله، لا أجد سبباً لها سوى ضربة لإيران، ينتصر فيها حزب الله لطائفته الشيعية فيهاجم إسرائيل بصواريخه ورجاله. وهذه الصحف تزعم ان الاستخبارات حذرت الإسرائيليين في غرب أفريقيا من هجوم حزب الله عليهم. وهذا لن يحدث. وأقرأ في"معاريف"أن حزب الله يريد رد اعتباره في لبنان بعد أحداث أيار مايو في بيروت، أو يريد الانتقام لعماد مغنية. وأقرأ في"يديعوت أخرونوت"مقالاً يحمل اسم غيورا ايلاند يقول إن إسرائيل هاجمت"العدو الخطأ"عام 2006 فلا يوجد"أشرار"في لبنان هم حزب الله، و"طيبون"هم الحكومة اللبنانية، لأن لبنان يوفر غطاء للحزب، وأحسن ما حصل في الحرب الأخيرة هو التدمير الذي أصاب البنية التحتية للبنان هكذا، والطريقة الوحيدة لمنع حرب أخرى هو أن يفهم حزب الله أن لبنان سيدمر تماماً إذا هاجم إسرائيل. لا سبب أن يهاجم حزب الله إسرائيل إلا إذا كانت الضربة لإيران قادمة كما يؤكد بني موريس. وفؤاد عجمي كتب في"وول ستريت جورنال"التي تستضيف صفحة الرأي فيها محافظين جدداً من أمثاله، ان السيد حسن نصرالله أطلق حرباً مريعة قبل صيفين قتل فيها 1200 لبناني و160 إسرائيلياً وخسر الاقتصاد اللبناني خمسة بلايين دولار. والحقيقة أن حزب الله خطف جنديين وأطلقت إسرائيل حرباً ضد المدنيين قبل المسلّحين، إلا أن ابن ارنون"البار"لا يرى هذا، وإنما يستشهد بأوفير ريغيف في تأبين أخيه إلداد الذي تحدث عن إنسانية إسرائيل وهي تحتل وتقتل، ويقول إن سمير القنطار مجرم، وينسى جنرالات إسرائيل الذين لا يستطيع بعضهم السفر الى الخارج لأنه سيواجه المحاكمة في بلاد مثل بريطانيا وإسبانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب. لا يمكن فصل التحريض على حزب الله عن المواجهة مع إيران واحتمال توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. وأسباب القلق عندي تفوق أسباب الطمأنينة، والجواب خلال أشهر.