قد يعتبر البعض تشبيه الرئيس السوري بشار الأسد للمصالح المشروعة لروسيا في جورجيا، بالمصالح المشروعة لسورية في لبنان، وهي لا تعني تدخلاً، بل مصالح مشروعة، دليلاً الى ان دمشق لم تتخل عن سياسة العودة الى الإمساك بكامل القرار السياسي اللبناني، مثلما كانت تمسك به سابقاً. وقد يعتبره البعض تشبيهاً طبيعياً، في هذه المرحلة الجديدة التي شهدت تكريساً للتحولات في ميزان القوى في المنطقة، في عدد من الميادين، ومنها في لبنان، منذ أيار مايو الماضي حين استخدم"حزب الله"وحلفاء دمشق السلاح لفرض مطالبهم في السلطة السياسية، وهو ما يعني ان لهذا التحول في الموازين مفاعيل ستتواصل على الصعيد السياسي اللبناني، تناحراً وتسويات، صراعاً ومعادلات جديدة... إلا أن هذا التشبيه، يجيء في كل الأحوال في ظروف لا تتناسب مع الأحداث، لأنه يأتي بعد قمة لبنانية ? سورية، تقرر فيها مسار جديد للعلاقة بين سورية ولبنان أولها وأهمها قرار إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتبادل السفارات، ليصبح ركيزة للبحث في المصالح المشتركة وأساساً من اجل صوغ علاقة تبتعد عن فظائع المرحلة السابقة التي يحلو للبنانيين والسوريين أن يسموها"ثغرات وأخطاء"للتخفيف من وقعها وفي محاولة لتهدئة النفوس على المستويين السياسي والإعلامي بين البلدين. لقد رأى الرئيس الأسد في تطور دولي من نوع الحرب الخاطفة التي خاضها"الدب الروسي"في جورجيا رداً على مغامرة الأخيرة تجاه أوسيتيا الجنوبية، تبريراً كاملاً لسياسته في لبنان، في وقت يفترض قرار إقامة العلاقات الديبلوماسية بداية لسياسة جديدة اعتبر الرئيس اللبناني ميشال سليمان ان القمة رسمت مساراً لها على الجانبين مسؤولية كبرى في إنجاحه. فتبادل السفراء بين لبنان وسورية يرمز الى تكريس استقلال لبنان منذ صادرت الإدارة السورية هذا الاستقلال وصولاً الى ذروته بفرض التمديد للرئيس السابق اميل لحود في الرئاسة العام 2004، في وقت كان خصوم دمشق يبدون تفهماً"لمصالحها المشروعة"في لبنان ويطرحون اعادة انتشار قواتها نحو البقاع، لا انسحابها الكامل من البلد. وهذه الذروة أدت الى ما أدت إليه من تدهور في العلاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً الى الانسحاب الكامل للقوات السورية من لبنان، وتصاعد الخصومة بين دمشق وجزء واسع من اللبنانيين، مقابل تضامن جزء آخر معها والتصاقه بسياستها الإقليمية واللبنانية... واللبنانيون لا يختلفون على المصالح المشروعة لسورية في لبنان، لكنهم يتعارضون ويتخاصمون حول طبيعة هذه المصالح وحدودها. لكن التشبيه بين الحالتين، الجورجية بالعلاقة مع روسيا، واللبنانية بالعلاقة مع سورية يدفع، لمناسبة بدء"مسار"جديد للعلاقة بين بيروتودمشق، الى طرح السؤال الآتي: هل ان لبنان هو اوسيتيا التي سعت الى تكريس الاستقلال عن جورجيا، بدعم من روسيا، ام ان لبنان هو جورجيا التي حالت دون استقلال اوسيتيا بالقوة فاستفزت الدب الروسي لأن التصرف الجورجي ينبع من التبعية للمحور الأميركي الذي تسعى واشنطن الى استكمال بنائه في أوروبا الشرقية؟ لقد افترض الكثيرون في لبنان ان قيام حكومة"الوحدة الوطنية"، بعد أحداث ايار الدموية، هو وسيلة لمعالجة الكثير من الأمور، بينها العلاقة اللبنانية ? السورية وبالتالي"تحديد وترسيم"مصالح دمشق المشروعة بالتوافق بين اللبنانيين، وبرعاية عربية مظلتها اتفاق الدوحة في 21 أيار الماضي. وهذا قد يجعل وضع لبنان مختلفاً عن وضع جورجيا او عن وضع اوسيتيا إذا شاء المرء التشبيه بينه وبين هذه أو تلك. لكن الأمر لا يتعلق بالحجج المنطقية هنا بل بالجغرافيا السياسية وموازين القوى. وربما هذا ما قصده الرئيس الأسد الذي رأى ان تحقيق المصالح المشروعة ولو بالوسائل العسكرية ليس تدخلاً. وليس الجانب السوري وحده الذي يسقط مثل ما يحصل في أوروبا الشرقية على لبنان، بل هناك فرقاء لبنانيون يفعلون ذلك فيستعجلون مفاعيل"الحرب الباردة"الدولية، لاستعجال الحرب الباردة تارة والساخنة احياناً أخرى في لبنان فيستبقون التطورات الدولية ورسوها على معادلة جديدة ويواصلون الحرب في لبنان، كأن اتفاق الدوحة لم يحصل وهذا اقصى درجات الخطورة. وأحد مظاهر هذه الحرب الآن الجهود التي تبذل من دمشق وحلفائها و"حزب الله"لإحداث اختراقات وتغييرات في التمثيل السياسي للطائفة السنية في لبنان. وربما كان هذا احد عناصر"المصالح المشروعة"السورية التي تلقى ممانعة شديدة.