أعلنت روسيا بدء انسحاب قواتها من جورجيا، مبقية على خيار الرد "الساحق" على أي عدوان يستهدفها، فيما افاد تقرير صحافي أميركي بأن موسكو نشرت قواعد عدة لإطلاق صواريخ تكتيكية في اوسيتيا الجنوبية، جاعلة تبليسي في مرماها، تزامناً مع نفي جورجيا الانسحاب الروسي. وقال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أمام قدامى المحاربين في كورسك:"سنرد رداً ساحقاً على كل عدوان"، مؤكداً تمتع بلاده بكل الإمكانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية اللازمة لذلك. وأضاف:"روسيا لن تسمح بأن يعتدي أحد على مواطنيها". جاء ذلك بعدما أعلن نائب رئيس هيئة الاركان الروسية الجنرال اناتولي نوغوفتسين، بدء الانسحاب من جورجيا بموجب اتفاق السلام. وقال:"اليوم أمس ووفقاً للخطة، بدأ انسحاب قوات حفظ السلام الروسية". لكن سكرتير مجلس الامن الجورجي الكسندر لومايا اتهم روسيا بعدم سحب قواتها من جورجيا. وتقاطعت قوافل من الشاحنات العسكرية والمساعدات الانسانية على اتجاهي الطريق بين الحدود الروسية وتسخينفالي، عاصمة اوسيتيا الجنوبية، من دون ان يبدو الانسحاب الروسي مكثفاً. الى ذلك، قال المسؤول الروسي في سلطة الحدود الاتحادية سيرغي ليفانتسيف، ان آلاف اللاجئين الذين فروا من اوسيتيا الجنوبية الى روسيا أخيراً بدأوا بالعودة الى الجمهورية الانفصالية. في غضون ذلك، اتهم الجنرال نوغوفيتسين القوات الجورجية بالسعي الى اعادة تشكيل قدراتها وبأنها"مستعدة لاستفزازات ضد اهداف عسكرية ومدنية"، فيما أفادت صحيفة"نيويورك تايمز"بأن روسيا نشرت قواعد عدة لاطلاق صواريخ تكتيكية من طراز"اس اس 21"في اوسيتيا الجنوبية، ما يجعل العاصمة الجورجية تبليسي في مرمى صواريخها. وأفاد مسؤولون اميركيون متخصصون في اجهزة الاستخبارات رفضوا كشف هوياتهم، انه تم تحديد مواقع الاطلاق في شمال تسخينفالي، عاصمة اوسيتيا الجنوبية. ونقلت"نيويورك تايمز"عن مسؤولين غربيين، ان قوات نخبة روسية ستنتشر في المنطقة او تستعد للقيام بذلك. جاء ذلك فيما سيطرت قوات روسية بمركبات مدرعة على نقاط تفتيش على امتداد الطريق الى مدينة غوري الجورجية أمس. وأحصى سكرتير مجلس الامن القومي الجورجي كاخا لومايا 16 نقطة تفتيش روسية على مسافة 130 كيلومتراً من الطريق بين العاصمة تبليسي وبلدة خاشوري الجورجية غرب غوري. ودعا الرئيس الجورجي في خطاب الى"مفاوضات"مع روسيا من اجل"تجنب طلاق نهائي"بين البلدين. وقال:"نطالب بانسحاب قوات الاحتلال الروسية من دون ابطاء". وأضاف:"بعد ذلك نبدأ التفكير والتفاوض في شكل يجنبنا طلاقاً نهائياً بين بلدينا"، متبنياً بذلك للمرة الاولى موقفاً تصالحياً نسبياً مع موسكو. كما تعهد تذليل عواقب الأزمة في أقصر فترة ممكنة. وقال:"سنصمد، ونعوض كل شيء، باستثناء الخسائر البشرية. وسننهض في القريب العاجل ببلدنا الذي لا يقهر". أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا تزامن ذلك مع إقالة رئيس اوسيتيا الجنوبية ادوارد كوكويتي حكومة الجمهورية غير المعترف بها، وأعلن حال الطوارئ مدة شهر، معلناً انه سيطلب من موسكو اقامة قاعدة عسكرية على اراضي الاقليم الانفصالي. ووجه كوكويتي انتقادات حادة خلال جلسة الحكومة أول من أمس، لأداء مجلس الوزراء في ظروف الكارثة الإنسانية. الى ذلك، قال كوكويتي:"سنطلب من القيادة الروسية ان تكون هناك قاعدة عسكرية روسية على اراضي اوسيتيا الجنوبية، لأن مواطنين روساً يقيمون هنا". وأكد انه لن يقبل بوجود مراقبين دوليين في منطقته مرة أخرى. وكان لمنظمة الامن والتعاون في أوروبا مراقبون في المنطقة حتى سحبتهم عندما اندلع القتال. في غضون ذلك، اتهم الناطق باسم دائرة شمال القوقاز العسكرية الروسية، اللفتنانت كولونيل اندريه بوبرون، جورجيا بالتقاعس عن احترام اتفاق لتبادل الاسرى العسكريين، لكن تبليسي نفت وجود اتفاق من هذا القبيل. رايس في اوروبا وتوجهت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الى اوروبا أمس، لإجراء محادثات مع نظرائها في حلف شمال الاطلسي حول الوضع في جورجيا وتوقيع اتفاق اساسي لنشر الدرع الصاروخية الاميركية مع بولندا. وأعلن وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي ان رايس ستوقع في وارسو غداً اتفاق الدرع الصاروخية، مضيفاً ان"رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك ورايس سينشران على الارجح اعلاناً سياسياً وسيوقع الوزيران الاتفاق التقني المتعلق بالموقع". ورفض وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس التهديدات الروسية باستهداف بولندا بضربة عسكرية محتملة بسبب موافقة وارسو على استضافة جزء من الدرع الصاروخية الاميركية، بصفتها"محض خطاب أجوف". الى ذلك، قال الناطق باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان رايس ستلتقي في بروكسيل القادة الاوروبيين"اي وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والممثل الاعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا والمفوضة الاوروبية للعلاقات الخارجية بينيتا فيريرو فالدنر". وأول من أمس، اكدت رايس لتلفزيون"فوكس نيوز":"سنساعد في إعادة إعمار جورجيا لتصبح دولة جورجية قوية". وأضافت ان"الروس فشلوا في جهودهم لتقويض جورجيا وسنرى ما يمكننا ان نفعله مع الدول المحيطة بهذه المنطقة ايضاً". ودعت رايس روسيا الى تنفيذ وعد بسحب قواتها من جورجيا، محذرة روسيا من ان عمليتها في جورجيا اضرت بسمعتها. وانتقد الرئيس التشيخي فاتسلاف كلاوس بشدة جورجيا،"المسؤولة"في رأيه عن اندلاع النزاع في القوقاز. وكتب في صحيفة"دنيس"التشيخية ان"دور الرئيس الجورجي والحكومة والبرلمان الجورجيين في اندلاع الحرب واضح وما هو اوضح هو ان عواقبه جاءت وخيمة جداً". وسيعقد وزراء خارجية دول الحلف الاطلسي اجتماعاً اليوم للتعبير عن دعمهم لجورجيا، لكنهم منقسمون في شأن طريقة التعامل مع موسكو اذ يأمل عدد من القادة الغربيين ألا تتدهور علاقاتهم مع روسيا الغنية بالنفط. أمام ذلك، صرح ممثل روسيا الدائم في حلف شمال الاطلسي ديمتري روغوزين ان موسكو ستعيد النظر في علاقاتها مع الحلف بعد التصريحات"غير المقبولة"التي ادلى بها مسؤولو الحلف حول دور روسيا في النزاع بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية. وجدد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير تمسك حكومته بقرار بوخارست وضع جيورجيا وأوكرانيا على لائحة الانتظار للعودة الى الاطلسي، قائلاً إن لا تغيير فيه. واعتبر شتاينماير أن التدخل العسكري لروسيا في جيورجيا"سيترك أثراً"على العلاقات الألمانية - الروسية بعد أن تجاوزت موسكو حدودها، لكنه استدرك قائلاً إنه لا يمكن حل النزاع إلا إذا استمر التواصل مع روسيا. وكشفت صحيفة"ذي غارديان"أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون سيوفد وزير خارجيته ديفيد ميليباند هذا الأسبوع إلى جورجيا، بعد الزيارة المفاجئة لزعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون تبليسي، للقاء ساكاشفيلي. وأشارت الصحيفة إلى أن الخارجية البريطانية أصرّت على أن الزيارة"لا علاقة لها بزيارة كاميرون، وليست رداً عليها"، لكن القرار جاء بعدما أثار نواب حزب العمال تساؤلات عن أسباب زيارة زعيم المعارضة جورجيا قبل أي وزير من حكومة براون. وأكد الناطق باسم الحكومة الألمانية توماس شتيغ ضرورة التزام روسيا اتفاق الاسلام، وسحب قواتها فوراً من جورجيا، واحترام سيادتها على أراضيها. وعن التنسيق الحاصل بين فرنسا وألمانيا حيال ذلك، قال شتيغ إن المستشارة أنغيلا مركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي"ينتظران بشدة انسحاب القوات الروسية على الفور استناداً إلى اتفاق النقاط الست". ولفت الناطق إلى اعلان ميدفيديف بدء الانسحاب، معرباً عن أمل حكومته في أن ينجز الانسحاب خلال يومين. وقال إن مركل أبلغت الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي خلال اجتماعها به في تبليسي استعداد بلادها لتقديم المزيد من المساعدة الإنسانية والمساهمة في إعمار ما دمرته الحرب. في طهران، أعلن سكرتير المجلس الاعلى الأمن القومي الايراني سعيد جليلي، أن بلاده ستبذل جهدها لتوفير الامن في القوقاز. ونسبت وكالة الأنباء الايرانية الرسمية ارنا الى جليلي قوله خلال لقائه وزير الطاقة الارميني، آرمن موسسيان، إلى ان علاقات ايران مع دول المنطقة"استراتيجية"، وقال إن بلاده"تبذل كل جهودها لتخفيف مشكلات شعوب هذه المنطقة".