تغيير "اللوك" من تصغير الأنف إلى الحقن بالبوتوكس وشفط الدهون وسائر عمليات الجراحة التجميلية، ليست صرعة العصر فحسب بل هي ظاهرة لم تعد وقفاً على نجوم الغناء والرقص ولم تعد في خفايا المجالس وفضائحها، بل تحولت الى ظاهرة مرَضية متفشية في واقع المجتمعات العربية. هذا الواقع أخرجته الفنانة التشكيلية الشابة تغريد دارغوث من غرف العيادات الطبية المغلقة الى العلن، في معرض جريء وجديد من نوعه غاليري"أجيال"، يتضمن 36 لوحة اكريليك، تتناول فيها موضوعاً راهناً وآنياً يشكل هاجس المرأة العصرية التي تصبو الى تحقيق الجمال ولو أدَّى ذلك احياناً الى فقدان خصائص الشخصية ومميزاتها، رغبة في الحفاظ على الشباب الدائم ومحاربة آثار الزمن على الوجه والملامح. ولعل استثنائية هذا المعرض تكمن ليس بالأسلوب الواقعي الذي يميزه بل بلمعان الفكرة أو في ما يندرج في فن الفكرة أو فن المفهوم. تطل علينا وجوه في لوحات من نوع"البورتريه"إما في أحجام كبيرة ثنائيات أو في سلسلة من مربعات صغيرة. لكنها ليست صور وجوه تقليدية. انهن نساء شابات ومراهقات ومسنات يختلفن في الملامح والنظرات والتعابير، يجمعهن شيء واحد هو ذلك الشريط اللاصق على أنوفهن المحاطة أحياناً بضمادات، ما يدل على انهن خرجن لتوهن من عمليات الجراحة التجميلية، وأول ما فعلنه هو الوقوف أمام المرآة. في إمكاننا أن نسمع شهقة الصدمة، وان نتحسس الشعور بالرضا أو اللوعة واحياناً الإعراض عن النظر إلينا. كل ذلك يأتي في ظل الضغط النفسي والمخاوف والقلق. اللوحة بشكلها التربيعي ليست إلا مرآة تعكس الصورة الأمامية للمرأة التي تقف كي تتعرف إلى وجهها في حلته الجديدة أو ملامحها من الوهلة الأولى. لذا فالوجوه التي رسمتها تغريد تظهر في حالٍ من التشنج والإعياء والألم وهي على درجات من الرضوض والتورم وانتفاخ العينين، ما ينعكس على لون اللحم الذي يميل إلى الزرقة بسبب تخثر الدم. وتتراءى درجات التحسن نسبياً في اقتراب اللحم يوماً بعد يوم من لونه الطبيعي. وتعرض الرسامة مراحل ما قبل العملية وبعدها في رسم الوجه من البروفيل. تحدق الوجوه الشاخصة في عيوبها، ومعها تبدو كل الأنوف متشابهة بل متناسخة في حالها وصغرها وإن كان هذا التصغير غير ملائم أحياناً. لكن الهاجس يتمثل في خوض المغامرة والتجربة ربما أكثر من مرة، ما يشير الى عدم رضا المرأة في أيامنا الراهنة عن شكلها وطبيعتها وخلقتها ورفضها آثار الشيخوخة البادية حول عينيها وفي قوامها. ذلك ما تقوله بعض اللوحات التي تسلط الضوء على وجوه تحمل العلامات التي يضعها الطبيب في الأمكنة التي ينبغي ان تخضع للشد أو الحقن، وثمة وجوه تحمل عصبة على العينين لطمس الهوية. وفي لوحات أخرى تركز الرسامة على الشفاه المنتفخة من جراء حقن البوتوكس، وكأنها بعدسة مكبّرة. فالشفاه المطلية بالأحمر تبدو معوجّة في ابتسامة جوفاء مصطنعة مجردة من الجمال والإغراء المطلوبين. وللنهود والأرداف نصيب من اللوحات، كلها أعضاء خاضعة لعمل مشرط الطبيب. ثم تأتي النتائج للمقارنة على نحو ما قبل العملية وبعدها. فالتخلص من البدانة والترهل هو موضوع لوحة جدارية تصور قوام امرأة بلا رأس قد تكون أي امرأة تظهر مفتوحة الذراعين، وعلى أماكن من جسدها ثمة عبارات مكتوبة على هيئة تقرير طبي تشير بالخطوط إلى أماكن تواجد السمنة وحال العضلات المترهلة تحت البطن وما سوى ذلك. هكذا أضحى الجسم مجرد نموذج نمطي في انكشاف مفضوح ولكنه غير محدد الهوية. في ما مضى كان الجسم بيت الروح يتمتع بفضيلة الحياء. الآن لم يعد الجسم عورة، بل أصبح لحماً رخيصاً وحقل اختبار لإظهار تفوق الطب التجميلي في إحداث تغييرات غير متوقعة، في ظل الإغراءات التي تتيحها حالياً البنوك في إعطائها قروضاً ميسرة لعمليات التجميل. ما الجمال؟ هل بتنا نحتاج الى تعريف جديد للجمال؟ المعرض بواقعيته الفذة يخترق"التابو"ويقدم تلك الظاهرة او يفضحها بتجرد، لكنّ الجواب يبقى معلقاً.