المستشفى الذي دخلته أمينة، في هيرات، قبل عدة أيام، هو من أفضل مستشفيات أفغانستان. فهو شُيّد من أموال هبات دوليّة، وتدرب طاقمه في الخارج، ومجهّز بمعدات حديثة. وعلى رغم أن أمينة تتلقى أفضل رعاية ممكنة في بلدها، ففرص نجاتها من الموت، جراء إضرامها النيران في نفسها، ضئيلة. ولا يظهر من وجهها المحترق والمضمد سوى جزء صغير، في حين أن جسدها كله مغطى بالضمادات. وعدد الرجال والأطفال المصابين بحوادث مماثلة لحادثة أمينة قليل، ولا يتعدى أصابع اليد الواحدة، في حين أن نصف مرضى المستشفى هم من النساء اللواتي أقدمن على إحراق أنفسهن. وعلى رغم حداثة المستشفى وجودة تجهيزاته، يقتصر عمل الأطباء، في قسم الحروق الخطيرة، على تخفيف آلام المصابات بالمسكنات في انتظار الموت. ويقول محمد حريف جلالي، الطبيب في المستشفى، أن الحروق التي تصيب 80 في المئة، أو 90 في المئة من جسد المصابة هي حروق مفتعلة ومتعمدة. ويرفض جلالي تناول ظروف إصابة النساء بالحروق. وقصة الشابة غورلان تكاد تختصر قصص غيرها من الشابات. ويقول جلالي أن زوجة والد غورلان أساءت معاملتها. ولم تتحمل غورلان أن يتخذ والدها زوجة ثانية، وأن يجمعها بهذه الزوجة سقف واحد. وتجهل نساء كثر ما يترتب على الحروق المتعمدة من أهوال وآلام واحتضار أليم وبطيء. فالأفلام الإيرانية الواسعة الانتشار، والذائعة الصيت في هيرات الواقعة على الحدود مع إيران، تضلل الشابات الأفغانيات. فهي تروّج لتضحية النساء بأنفسهن. فتحسب الفتيات ان بلّ أنفسهن بالبنزين، وإضرام النار بأنفسهن، ينهي المشكلة في ثوان قليلة. ويرى عدد من الخبراء أن توّفر السوائل القابلة للاشتعال في المنازل الأفغانية يسهم في رواج إحراق المرأة نفسها عمداً. وتحجم بعض المنظمات النسائية عن دعم حملات التوعية. وتخشى أن تستوحي الأفغانيات أفكاراً عن وسائل قتل النفس بالنار جراء حملات التوعية نفسها. ولا شك في أن إحصاءات الانتحار حرقاً غير دقيقة، وضعيفة الصلة بالواقع. فبحسب إحصاءات برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، أقدمت 106 أفغانيات على إحراق أنفسهن، في 2006 . ويرى شارلمان غوميز، محرر تقرير صدر في العام الماضي عن الجمعية الخيرية النسائية الألمانية"ميديكا مونديال"، ان معدل الحوادث هذه يفوق الارقام السائدة. فغالباً ما تمتنع الأسر عن نقل المصابة الى المستشفى مخافة من كلام الناس، ومن وصمة العار. وعندما تفارق النساء المصابات بحروق الحياة في منازلهن، لا يبلغ خبر موتهن، وظروفه وأسبابه، الدوائر الرسمية أو الصحية أو المنظمات غير الحكومية، ويبقى طي الكتمان في الأسر. ومعظم النساء المنتحرات حرقاً هن من الشابات اللواتي في سن 16 و19 سنة. وزواج فتاة في ال 18 من العمر برجل في العقد التاسع أمر شائع. وغالباً ما يضرب الزوج زوجته الفتية، وتسيء زوجته الأولى وأبناؤه معاملتها، ويحظر عليها التواصل مع عائلتها. وتنقسم الآراء في سبب ارتفاع حوادث قتل النساء أنفسهن حرقاً في منطقة هيرات، قياساً، على مناطق الجنوب او العاصمة كابول. وثمة من يلاحظ أن المرأة في هيرات تتمتع بمستوى أعلى من التعليم قياساً على المناطق الأخرى، وأن بين المستوى التعليمي المرتفع، الى حد ما وقتل النساء انفسهن، خيطاً. وكأن الشابات المتعلمات أقل قدرة على تحمل قسوة الحياة الزوجية القسرية التي ُفرضت عليهن. وتعزو السيدة غوميز ارتفاع معدلات انتحار النساء حرقاً بهيرات الى ارتفاع معدلات الإبلاغ عن حادثة الحرق في هذه المنطقة. عن جون بون،"فاينانشل تايمز"البريطانية، 5/8/2008