لماذا يمضي سعر النفط على الارتفاع بينما الاقتصاد العالمي يوشك على التباطؤ؟ ولماذا يحسب محللون كثر وحكومات كثيرة أن الولاياتالمتحدة، أو إسرائيل، أو البلدين معاً، قد يبادران إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني؟ والحق أن الجواب عن السؤالين هو ما يربط بينهما، أو بين الظاهرتين، ظاهرة زيادة سعر النفط وتوقع تدمير البرنامج النووي. وجلي أن تعليل مضي سعر النفط على الزيادة، وتجاوزه ال140 دولاراً، بعامل واحد، غير دقيق ولا صحيح. ولعل التعليل بمراهنة تجار الطاقة، والمستهلكين الفعليين وأصحاب المصافي والشركات والحكومات، على عمل عسكري أميركي ? إسرائيلي قريب يؤدي إلى إفلات أسعار النفط من عقالها، تعليل معقول. ولكن المراهنة هذه تلازم وجهاً آخر من المشكلة. فالأميركيون والإسرائيليون والأوروبيون جميعاً ينتهجون سياسة تميل الى زيادة العقوبات على إيران. وقد يكون النهج الأجدى لأجل قطع طريق إيران الى السلاح النووي. ولكن بعض"الجمهور"النفطي، والمضاربون جزء منه، قد يصدق فعلاً وهو يصدق ان تهديد بوش وحلفائه بضرب ايران لا بد من ان يؤدي الى شن الحرب عليها. فيستبق المضاربون الحرب المفترضة، ويتهافتون على شراء النفط بأسعاره المتعاظمة. ولكن ما يتوقع ان يحصل إذا انفجرت الحرب؟ فما لا شك فيه هو تعليق ايران مبيعاتها، وهي نحو مليوني برميل في اليوم من عرض عالمي يبلغ 85 مليوناً. ويرجح ان يقتفي حليفها هوغو تشافيز الفينزويلي خطوها. وتبلغ حصة فينزويلا 1.5 مليون برميل، وهي تزعم توزيع كمية أكبر بكثير وليس يسيراً في عالم اليوم معرفة الحصص على وجه الدقة. وقد يقدم مصدرون آخرون على مجاراة إيران وفنزويلا ظاهراً وتزلفاً، فيحجب الموقف هذا عن السوق العالمية نحو مليون برميل في اليوم. وآنذاك يرجح ان تقفز الأسعار فوق ال200 دولار لقاء برميل من النفط، وتتخطاها كثيراً. وقد لا تختلف الحال عن تلك التي مر بها العالم في 1973، غداة حرب تشرين اكتوبر، وزيادة سعر النفط 4 أضعاف. وتملك طهران وكاراكاس احتياطاً مالياً يمكنهما من إدامة المقاطعة بعض الوقت. وهما قد تلجآن الى الغش، والبيع في السوق، تهريباً، جزءاً من إنتاجهما بأسعار عالية. وعلى رغم ان دوام الحال هذه محدود، فلا شك في ان الجمهوريين لا يرغبون في ابتداء الحملة الانتخابية بينما سعر غالون البنزين 6 دولارات، أي 50 في المئة فوق السعر الحالي والمرتفع. وليست فرصة المبادرة الى عمل عسكري ضد إيران سانحة الى الأبد. ومع انقضاء الوقت، تصبح طهران أقرب الى إنتاج قنبلة نووية، وأكثر قدرة على نقلها الى جيرانها. وغير مرجح ان يباشر أوباما ولايته بقصف إيران، أو ان تتولى إسرائيل وحدها القصف من غير موافقة أميركية. ولعل هذا هو تعليل بث التوقعات المضللة التي تعيث في سوق النفط فساداً، ولا تعف عن مجال المتوسط الجوي على شاكلة ما قيل في مناورة إسرائيل"السرية"في سماء المتوسط، ولا عن المبادلات التكنولوجية والمالية والتجارية بين إيران وبين العالم. وثمة مصادر تجزم بأن البرنامج النووي الإيراني أقل تقدماً من مزاعم رائجة، جراء أعمال تجسس وتخريب واغتيالات طاولت بعض المسؤولين العلميين والأمنيين، وتعويق الشحنات والمشتريات وبث الفرقة في صفوف القيادة الإيرانية، وبينها وبين حلفائها والمفاوضات الإسرائيلية ? السورية جزء من المناورات هذه. وربما حالت الإجراءات هذه بين إيران وبين إنتاج سلاحها النووي. ولكن شرط هذا الثابت هو إيقانها بأن الخيار العسكري جائز وغير مستبعد. وإذا أيقن القادة الإيرانيون هذا، شاركهم تجار الطاقة يقينهم واعتقادهم، وارتفعت أسعار الطاقة. عن خورخي كاستانييدا وزير خارجية المكسيك سابقاً، "نيوزويك" الأميركية، 8/7/2008