الى وقت قريب، امتنعت أريادنا مونتييل، طالبة مكسيكية سابقة في الهندسة، عن لبس التنانير أو الاثواب في أثناء استخدامها وسائل النقل المشترك، شأن مكسيكيات كثيرات. وتقول أريادنا:"فرضت دراستي عليّ حمل عدة الرسم وألواحه ولوحاته. وفي مثل هذه الحال، أي انشغال يدي بحمل عدة الهندسة، أعجز عن رد تحرش أحدهم بي في الباص، وعبثه. ولذا، قررت ترك ارتداء التنانير". ومنذ نحو عام، تدير مونتييل شركة النقل المكسيكية. وهي قبل نحو سبعة أشهر، وقعت على وسيلة تمكنها من تفادي تحرشات الرجال"الذكوريين"بالنساء. فخصت النساء ب65 باصاً، أو حافلة نقل، يحظر على الرجال استقلالها. وعلى رغم نجاح التجربة وإقبال النساء الكبير على حافلاتهن، تبلغ حصة هذا الضرب من الباصات من شبكة النقل العام 5 في المئة. وينتظر الركاب مرور الباص بين محطة وأخرى نحو نصف ساعة. وهذا وقت طويل. وتنوي ادارة النقل العام تدريب نحو خمسين امرأة على قيادة الباصات ليتولين قيادتها الموقوفة على النساء، عوض السائقين الذكور، البالغ عددهم 4500 سائق. والطعن في التفريق بين الجنسين في الباصات والفصل بينهما، مشروع. ولكن الخطوة، أي الفصل بين الإناث والذكور، تلقى الترحيب في مجتمع لا ينكر التحرش الجنسي، ويكاد يرفعه الى مرتبة الرياضة الوطنية. وقبل نحو عشرة أعوام، خصت النساء والاطفال بمقطورات في شبكة المترو، في أوقات ذروة الازدحام. ففي العاصمة المكسيكية، مكسيكو، وعدد سكانها 22 مليون نسمة، ينتهز الرجال لحظة كبح السائق الفرامل للالتصاق بالسيدة الواقفة في جوارهم، أو لمس أجزاء من جسدها، في الباص المكتظ. وتنظر النساء بعين الرضا الى تخصيصهن بباصات، ويرين انه إجراء في مصلحتهن، ويخفف عنهن وطأة الحذر والخوف من التحرش. وتقول ليليا سواريز، المحاسبة في العقد الخامس من العمر:"انتفت حاجتي الى التيقظ الدائم في الباص. وفي وسعي الاسترخاء في باص النساء، والانصراف الى القراءة، أو التبرج، أو اخذ قيلولة صغيرة، أو النظر الى الشارع". والتحرش الجنسي شائع ومتفش في المكسيك. فهو متأصل في عادات ذكورية قديمة. ولا يدين المسكيكيون التحرش الجنسي، ويرون أنه أمر واقع، شأن تلوث الهواء أو ارتفاع أسعار السلع. ولا يتستر الرجال المكسيكيون على التحرش. وفي وسع المكسيك الفوز بالمرتبة الاولى في سباق الاعتداءات الجنسية، وسوء معاملة النساء، على ما تقول مارتا لاما، الناشطة النسوية الباحثة في الإناسة. ففي المكسيك، شأن غيره من بلدان اميركا اللاتينية، يتحدر عدد كبير من السكان من اصل هندي. وتلتقي الذكورية اللاتينية بالعادات الهندية المحافظة وتتحالفان. وتسهم العادات الهندية المحافظة، وهي تقيد حرية المرأة، والميل الذكوري المناوئ للنساء وحقوقهن، في شيوع ضرب الازواج زوجاتهم، وفي معاداة المثليين، وانتشار الميول العنصرية. والسعي في كبح هذه التجاوزات أمر عسير، حين ينفي خطاب المجتمع المكسيكي وقوعها، ويرفض اعتبارها تجاوزات. فانتهاك حقوق النساء أمر شائع في الحياة اليومية المكسيكية. وبعض أصحاب العمل يطلب من السيدة الباحثة عن عمل أن ترفق سيرتها الذاتية المهنية ال"سي في" بفحص طبي، هو فحص الحبل. ومن شروط التوظيف أن تكون نتيجة الفحص سلبية. والفرق بين رواتب النساء والرجال كبير. ويكاد ترقي المرأة في سلم المهن أن يكون مستحيلاً. فشرطه هو قبول المرأة العاملة بعلاقة حميمة بصاحب العمل. وبحسب مارتا لاما، تقسم القيم الذكورية النساء قسمين، النساء"اللائقات"، أي ربات المنزل، والعاهرات. ويهزأ كارلوس مونسيفايس، الكاتب المكسيكي، بقيم مجتمعه، ويقول ان المجتمع يطلب من المرأة المستحيل، أي أن تكون تمثالاً رخامياً بارداً وجامداً. وهذا الجماد هو شرط اكتساب المرأة احترام المجتمع. وقيم المجتمع مزدوجة، منها ما يقيد المرأة بقيود ثقيلة، ومنها ما يرحب بخروج الرجل على القيم هذه. وثمة عبارة شائعة تزعم أن المكسيكي يمضي نهار الجمعة في بيت بغاء، والسبت في صحبة الأصدقاء، والأحد في العائلة. وفي بعض المقاطعات المكسيكية، سنت قوانين تتساهل مع العنف الزوجي. وفي مقاطعة أوكساكا، عقوبة سرقة بقرة أقسى من عقوبة ضرب الزوج زوجته. وفي مقاطعتي سينالوا وكيتارو، لا تزيد عقوبة الاتجار بالنساء عن ستة أشهر. وفي معظم المقاطعات المكسيكية، وعددها 31 مقاطعة، يطلق سراح المُغتصب إذا عقد على ضحيته. وتغرد مقاطعة مكسيكو خارج سرب المقاطعات المكسيكية الاخرى. ففي العقد المنصرم، توالى على حكمها ثلاثة حكام من"حزب الثورة الديموقراطية"اليساري. وسعى هؤلاء في تحديث قوانين المقاطعة، وتعزيز انفتاحها على حداثة القرن الواحد والعشرين، وإرساء المساواة بين الجنسين، وفي خفض العنف الزوجي. وبحسب احصاءات نشرت في 2006، تتعرض 43 في المئة من المكسيكيات للعنف الزوجي. وحصة نساء مكسيكو راجحة في هذه النسبة، وتبلغ 53 في المئة. ويرفض العاملون في دوائر العدل المكسيكية، ومعظمهم من الرجال، تسجيل شكاوى النساء على عنف الأزواج، أو يثنون النساء المعنفات عن الادعاء على الزوج. عن أكسيل جيلدن،"لكسبريس"الفرنسية، 17/7/2008