سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكد في افتتاح مؤتمر مدريد مخاطر "التطرف" و"الفراغ الروحي" وأن لا مخرج إلا بحوار بين الحضارات . خادم الحرمين يشدد على القواسم "المشتركة" بين أتباع الأديان وإعلاء قيمة "الحوار"
أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحضور ملك إسبانيا خوان كارلوس، وعدد كبير من رجالات الدين والفكر من مختلف دول العالم، فعاليات المؤتمر العالمي للحوار، وذلك خلال الحفلة الخطابية التي اقيمت أمس في قصر الباردو في مدريد. وتقدم راعي الحفلة بشكره للحضور على تلبية الدعوة، وأكد في كلمة القاها بهذه المناسبة أن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية". ولخص الملك عبدالله سبب دعوته إلى التحاور بين الأديان في كون"البشرية اليوم تعاني من ضياع القيم والتباس المفاهيم وتمر بفترة حرجة تشهد تفشي الجرائم وتنامي الإرهاب وتفكك الأسرة وانتهاك المخدرات لعقول الشباب واستغلال الأقوياء الضعفاء والنزاعات العنصرية البغيضة". وأوضح العاهل السعودي أن كل ذلك نتج من الفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس بعد أن نسوا الله فأنساهم انفسهم، وأكد أن"لا مخرج لنا إلا بالالتقاء على كلمة سواء عبر الحوار بين الأديان والحضارات". وأضاف في كلمته للحضور"لقد فشلت معظم الحوارات في الماضي لأنها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا مجهود عقيم يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها، أو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة التقريب بينها وهذا بدوره مجهود عقيم فأصحاب كل دين مقتنعون بعقيدتهم ولا يقبلون عنها بديلاً، وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية التي تمثل جوهر الديانات". وطالب راعي الدعوة وهو يخاطب الحضور بالأصدقاء، بأن"يكون الحوار مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية". وأعرب الملك خوان كارلوس، عن أمله في نجاح المؤتمر الذي يوليه الملك عبدالله اهتمامه الخاص، وقال في كلمة ألقاها في الحفلة، إن إسبانيا لديها معرفة كبيرة وثرية بهذا المفترق من الطرق والثقافات والديانات، وإنها بلد بنى ديموقراطيته على التسامح والتعايش والاحترام المتبادل". وأكد دعم إسبانيا الدائم والمستمر لمسيرة السلام في الشرق الأوسط ولمسيرة الحوار في البحر الأبيض المتوسط، والتعمق في شؤون السلام والحوار والتعاون على الصعيد الدولي. وتطلع إلى أن يدعم المؤتمر العالمي للحوار، احترام الهويات والمعتقدات والقيم والأخلاق التي تمثل القواسم المشتركة بين الأديان السماوية والثقافات والحضارات المختلفة، ويؤدي إلى التفاهم المتبادل والتعايش السلمي بين البشر، متمنياً عالماً يسوده السلام والعدل والإنصاف ويسمح للأجيال الحاضرة والمستقبلية بأن تنمو في عز وكرامة، مشدداً على ضرورة بذل الجهود من أجل القضاء على الجوع والفقر في شتى أنحاء العالم، وأن يحافظ الإنسان على البيئة. ورفع الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، شكره وتقديره الى خادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر وحرصه الشديد والمتتابع على تعزيز نهج الحوار الهادف، وذلك انطلاقاً من رؤيته الثاقبة لما تعانيه البشرية من مشكلات. وأكد أن هذه الدعوة تعبّر عن رغبة عميقة وصادقة في حسن التعايش والتعاون بين أمم العالم وشعوبه وحضاراته تتبناها القيادة السعودية وتنتهجها في سياستها الداخلية والخارجية، وهو دليل على أن الخلفية الثقافية والحضارية التي تنطلق منها المملكة تتسم بالانفتاح والمرونة وحب الخير للبشرية جمعاء. وشكر الدكتور التركي الملك خوان كارلوس والحكومة الإسبانية ورئيس وزرائها خوسيه لويس رودريغيز على إتاحة الفرصة لعقد هذا المؤتمر على أرض إسبانيا، التي شهدت تعايشاً وتعاوناً بين أتباع الديانات والثقافات أسهم في الحضارة الإنسانية. وقال إن مجرد عقد هذا اللقاء يعد نجاحاً وانتصاراً لصوت الاعتدال والسلام في العالم، وخطوة إيجابية على طريق التعاون في خدمة الأسرة الإنسانية، وإن الناس وإن اختلفوا في الدين أو المنطلقات الفكرية والحضارية، فإن القيم النبيلة من العدل والخير والفضيلة، التي ترتكز في الجذور الإنسانية الفطرية وتؤكدها أصول الرسالات الإلهية، تبقى على الدوام أصلاً مشتركاً ثابتاً وإطاراً جامعاً تنبع منه الأفكار النيِّرة الوضاءة والأطروحات الرشيدة البناءة في معالجة القضايا المشتركة للمجتمع البشري. وذكر أن الحوار من أفضل الوسائل لنقل تلك القواسم وتوسيع نطاق التفاهم عليها، لأنه يعتمد على مخاطبة الكيان الفطري والعقلي، فتستجيب له القلوب والعقول، وإن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد أخيراً في مكةالمكرمة يعتبر خطوة إسلامية جامعة في التجاوب مع هذه الدعوة الكريمة، وهو مؤتمر إسلامي عالمي حضره عدد كبير من الشخصيات الإسلامية، اتفقت على أسس وآليات تكفل النجاح للحوار. وأفاد بأن رابطة العالم الإسلامي وضعت في أولويات أعمالها الثقافية والإعلامية الاهتمام بقضايا الحوار، وسبل تعزيزه في مواجهة أطروحة حتمية الصدام بين الحضارات، مبيناً أن من أهم أهداف الحوار التباحث في سبل مواجهة الترويج للفوضى والانحلال في الأخلاق والتفكك الأسري، إلى حد مشاكسة الفطرة وتجاهل الفروق التكوينية بين الجنسين. وبين الأمين العام للرابطة أن اللقاءات المباشرة بين القيادات الدينية والفكرية والفلسفية في العالم مناسبة ثمينة لإشاعة أجواء التفاهم وتصحيح المعلومات المغلوطة، والتقليل من أسباب التوتر والتطرف في الأحكام والمواقف والرؤى. وأشار الى أن الإسلام ينظر إلى أفراد الجنس البشري نظرة مساواة، باعتبار أن أصلهم واحد، فاختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم وأوطانهم لا يقتضي أي تفاوت بينهم في أصل التكريم والقيمة الإنسانية. وقال إن من مقومات الحضارة الإسلامية الانفتاح على الآخرين، والتكامل معهم، ويشهد لهذه الحقيقة تعدد الأقليات الدينية والاثنية في العالم الإسلامي على مر التاريخ، ورعاية حقوقها كافة ومحافظتها على خصائصها، وعلى تراثها الديني، وعلى ثقافتها الخاصة بها، وذلك يعود إلى سماحة الإسلام وإلى جوهر الشريعة الإسلامية التي يستمد منها المسلمون نهجهم وثقافتهم وحضارتهم. ودعا الدكتور التركي مختلف القيادات الدينية والحضارية والثقافية العالمية وغيرها من محبي الخير للأسرة الإنسانية، للتحاور حواراً مثمراً، تتوافر فيه شروط النجاح، من الجدية وصدق الرغبة في التعاون على برامج ومشاريع مشتركة، تسهم في إسعاد الإنسان ومعالجة المشكلات التي تؤرقه، وتخفف أسباب التوتر بين فئاته، كالظلم والعدوان ومصادرة حقوق الشعوب في العيش الحر الكريم، مؤملاً أن يتحول هذا الجهد المشكور والنافع إلى مشاريع عمل، تستثمر في مسيرة الحوار العملي وتوظف للخير ونفع بني البشر، وتتبناها الجهة المنظمة للمؤتمر وتتابع تنفيذها. سيكون الطريق للآخر من خلال القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية، والتي أنزلت من الرب - عز وجل - لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، تلك القيم التي تنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل، وتعزز مفاهيم وقيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها التي جار عليها هذا العصر وتفككت روابطها، وابتعد الإنسان فيه عن ربه وتعاليم دينه. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نص كلمة الملك عبدالله بسم الله الرحمن الرحيم ... والحمد لله القائل في محكم كتابه : "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى كافة الأنبياء والمرسلين. جلالة الصديق الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا: أيها الأصدقاء الكرام: أحييكم وأشكر لكم تلبية دعوتنا هذه للحوار، وأقدر لكم ما تبذلونه من جهد في خدمة الإنسانية، متوجهاً بالامتنان العميق لصديقنا جلالة الملك خوان كارلوس، ومملكة إسبانيا وشعبها الصديق، على الترحيب بعقد هذا المؤتمر على أرضهم التي حملت ميراثاً تاريخياً وحضارياً بين أتباع الديانات، وشهدت تعايشاً بين البشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم، وشاركت مع بقية الحضارات الأخرىپ في تطور الحياة الإنسانية. أيها الأصدقاء: پجئتكم من مهوى قلوب المسلمين، من بلاد الحرمين الشريفين حاملاً معي رسالة من الأمة الإسلامية، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخراً في رحاب بيت الله الحرام، رسالة تعلن أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان، رسالة تبشّر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع. أيها الأصدقاء: إننا جميعاً نؤمن برب واحد، بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة، واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم، ولو شاء لجمع البشر على دين واحد، ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون وسيلة لسعادتهم. لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع، ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية. إن البشرية اليوم تعاني من ضياع القيم والتباس المفاهيم، وتمرّ بفترة حرجة تشهد بالرغم من كل التقدم العلمي تفشي الجرائم، وتنامي الإرهاب وتفكك الأسرة، وانتهاك المخدرات لعقول الشباب، واستغلال الأقوياء للفقراء، والنزعات العنصرية البغيضة، وهذه كلها نتائج للفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس بعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولا مخرج لنا إلا بالالتقاء على كلمة سواء، عبر الحوار بين الأديان والحضارات. أيها الأصدقاء: لقد فشلت معظم الحوارات في الماضي لأنها تحوّلت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا مجهود عقيم يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها،پأو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة التقريب بينها وهذا بدوره مجهود عقيم، فأصحاب كل دين مقتنعون بعقيدتهم ولا يقبلون عنها بديلاً، وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله، والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية التي تمثل جوهر الديانات. أيها الأصدقاء: إن الإنسان قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب بكل ما فيه، وهو قادر أيضاً على جعله واحة سلام واطمئنان يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات، ويتعاون الناس فيه مع بعضهم بعضاً باحترام، ويواجهون المشاكل بالحوار لا بالعنف. إن هذا الإنسان قادر بعون الله على أن يهزم الكراهية بالمحبة، والتعصّب بالتسامح، وأن يجعل جميع البشر يتمتعون بالكرامة التي هي تكريم من الرب - جلّ شأنه - پلبني آدم أجمعين. أيها الأصدقاء: ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية. هذا وبالله بدأنا، وبه نستعين. ولكم مني خالص التحية والتقدير. شكراً لكم والسلام عليكم.