فتحت ردود أفعال شخصيات قبطية على حوادث استهدفت مسيحيين في الأسابيع الماضية جدلاً كبيراً في المجتمع المصري حول دور الكنيسة التي اتهمها إسلاميون بأنها تسعى إلى تشكيل"دولة موازية". وأثارت هذه الحوادث، خصوصاً حادث دير أبو فانا، حفيظة شخصيات قبطية قريبة من بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية شنودة الثالث. لكن هناك من رأى أن تصريحات تلك الشخصيات"تساعد في اشعال الفتنة وتقسم المصريين". وكانت ثلاث حوادث وقعت في أقل من أسبوعين أثارت تململاً وسط الأقباط الذين تظاهروا للإعراب عن رفضهم لما اعتبروه"استهدافاً"لهم. ووقعت الحادثة الأولى في منطقة"الزيتون"حيث قُتل أربعة أقباط حين هاجم مسلحان محلاً للمجوهرات في القاهرة. ووقعت الثانية في محافظة المنياجنوب مصر ولقي خلالها مواطن مسلم مصرعه وأصيب أربعة أقباط بينهم راهبان في دير أبو فانا، بسبب"خلاف قديم على قطعة أرض"، بحسب ما أعلنت السلطات. وأخيراً عثر على شاب قبطي وهو على قيد الحياة في أحد الطرق المهجورة في مدينة سمالوط في محافظة المنيا مصاباً بطعنات عدة، لكنه فارق الحياة في أثناء نقله إلى المستشفى. ونفت السلطات في شكل قاطع أن يكون أي من هذه الحوادث له"أبعاد طائفية". إلا أن بعض المنابر يُصر على اعتبار أن"اضطهاداً"يمارس ضد الأقباط، حتى أن بعض الأوساط القبطية طالب بإقالة مسؤولين بسبب مزاعم أنهم"منحازون للمسلمين". ورفضت الكنيسة عقد"جلسة صلح"لمناقشة حادث دير أبو فانا وأصدرت بياناً شرحت فيه رؤيتها للحل في ما أصطلح على تسميته إعلامياً ببيان"الشروط الستة". وفي بيان شديد اللهجة، هاجمت"الجماعة الإسلامية"في مصر الكنيسة واتهمتها ب"الترويج للبعد الطائفي"والإصرار"على لعب دور مواز لدور الدولة ... وهو ما يفسر عزوف الأقباط عن اللجوء إلى أجهزة الدولة لحل مشاكلهم بصفتهم مواطنين مصريين ولجوئهم إلى الكنيسة واحتمائهم بجدرانها يعلنون من خلفها عصيانهم للدولة وتمردهم عليها، كما حدث في مواقف عدة". إلا أن المستشار القانوني لبابا الأقباط نجيب جبرائيل يرى أن"الكنيسة تتدخل من منطلق المواطنة وليس من منطلق طائفي". ويقول جبرائيل ل"الحياة"إن"القول بأن حادث دير أبو فانا كان يمكن أن يحدث بين أقباط وأقباط أو مسلمين ومسلمين قول مغلوط، فهو حادث له أبعاد طائفية، والاعتداء على الدير تكرر أكثر من مرة من دون أن تتدخل الدولة". ويطالب جبرائيل بإجراءات رادعة من الدولة وتشريعات قوية حاسمة"لا يستشف منها استعلاء الأغلبية على الأقلية واستباحة الأغلبية هيبة الدولة". ويضيف"لو أن هذه التشريعات موجودة والدولة تمارس دورها لما تدخلت الكنيسة". غير أن قيادياً في الحركة الإسلامية في مصر، فضل عدم ذكر اسمه أو انتمائه لحساسية الأمر، يرفض حديث جبرائيل عن تهاون الدولة في حقوق الأقباط. ويقول إن"الإسلام بداية لا يقبل الظلم لأي إنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العقائدي، والأقباط في مصر يحصلون على حقوق متزايدة إلا أنهم يستغلون الظرف الإقليمي والدولي من أجل تحقيق المزيد من المكاسب". ويشير إلى أن"شيخ الأزهر يُعيّن أما البابا فينتخب بعيداً عن تدخل أي من هيئات الدولة. الشيخ في المسجد يُحاسب على خطبه، أما القس فيقول ما يشاء وقتما يشاء .. كذلك موازنة الكنيسة لا تعلم عنها الدولة شيئاً". ويستغرب أن تصدر في تظاهرات نظّمها الأقباط دعوات للغرب إلى التدخل صراحة من أجل حمايتهم، ويرى أن"الأقباط يستغلون أحداث عادية من أجل تعظيم مكاسبهم داخل الدولة معتمدين على الاستقواء بالخارج". وفي هذا السياق كتب رئيس تحرير جريدة"الجمهورية"القومية محمد علي إبراهيم مقالة أمس رأى فيها أن تصريحات شخصيات قريبة من الكنيسة"تساعد على اشتعال الفتنة وتذهب إلى تقسيم المصريين إلى دولتين". وعقّب الكاتب على تصريحات لجبرائيل قائلاً:"إنه يهدد الدولة والحكومة بأنه سيضغط عليها ليدافع عن مصالح الأقباط ... وهذا الضغط لن يكون له إلا مجال واحد هو الاستعداء الخارجي والاستعانة بالدول الأجنبية والمنظمات العالمية لإنقاذ الأقباط في مصر". وتساءل الكاتب المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في مصر:"لماذا بدأت الكنيسة تتصرف على أنها دولة ولها رعايا ... هل الأقباط رعايا الكنيسة والمسلمون رعايا الأزهر ... هل الأقباط تحولوا إلى مواطنين سوبر لا يمكن أن يدخلوا في خلاف". غير أن نجيب جبرائيل يؤكد أنه"لا يمكن عمل دولة داخل الدولة"، ويرى أن هناك من يحاول"الزج بالكنيسة في صدام مع الدولة، والبابا موقفه واضح والكنيسة لا تملي شروطاً وتتحدث عن مفهوم المواطنة ولن تصطدم بالدولة".