أربعون عاماً على ثورة الطلاب في فرنسا أيار/ مايو 1968. ثورة على المفاهيم السياسية والعائلية والتعليمية الجامدة. تجاوزت فرنسا الى سائر العالم. رفع الطلاب شعارات تطالب بتغيير المناهج وضمان مستقبلهم. اختلطوا بالعمال الذين طالبوا برفع أجورهم. ورفعوا شعار"أجور ضعيفة مقابل دبابات ثقيلة". بعضهم احتل المصانع لإدارتها ذاتياً. وبعض الطلاب احتل إدارات الجامعات. لم يقتصر التحرك على المطالب. اختلطت السياسة بالإيديولوجيا. كانت التظاهرات العارمة في أميركا ضد حرب فييتنام تغذي انتفاضة باريس. اصطدم المتظاهرون بقوات الأمن. سال بعض الدماء. نزل مئات الآلاف الى الشوارع. اضطروا الحكومة الى تحديد موعد للانتخابات انتصر فيها الديغوليون. لكن ديغول استقال. في أميركا اضطرت الإدارة الى التراجع عن غطرستها. أعلن الرئيس ليندون جونسون، تحت ضغط الشارع، القبول بإجراء مفاوضات مع قادة فييتنام الشمالية. في أيار 1968 نزلت الفلسفة الى الشارع في باريس. اختلط جان بول سارتر ورولان بارت وميشال فوكو ولوي ألتوسير وليفي شتراوس بالطلاب والعمال. وقف الجميع ضد المؤسسات المحافظة، بما فيها مؤسسة الحزب الشيوعي التي اتخذت موقفاً مناهضاً للتحرك الطلابي، مؤيدة الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا. اعتبر الحزب رجعياً. همّه الوصول الى السلطة، من خلال اللعبة الديموقراطية التقليدية. الفلسفة بدورها شهدت ثورة أسفرت عن ظهور الفلاسفة الجدد. أبرزهم جاك دريدا وبرنار هنري ليفي. انتقل كبار الفلاسفة الى الولاياتالمتحدة، ما أحدث تأثيراً كبيراً في الجامعات الأميركية، نلمس بعضه في أعمال إدوارد سعيد، خصوصاً في النقد الأدبي. في بلادنا العربية، انتفض الطلاب ايضاً، خصوصاً في بيروت والقاهرة العام 1968 ولم يكن مضى أكثر من سنة على هزيمة حزيران يونيو. لم تكن انتفاضة الطلاب لأسباب مطلبية. لم تقدم أي جماعة منهم منهجاً أكاديمياً مختلفاً. لم تكن ضد التقاليد الجامعية، فليس لدينا مثل هذه التقاليد حتى الآن. كانت سياسية. احتجاجاً على الهزيمة. القمع كان أشد من مثيله في فرنسا. تحول الطلاب الى قبائل: قبيلة اليمين ضد قبيلة اليسار. الصدامات بين القبيلتين كانت روتينية. أغاني الشيخ إمام وشعر أحمد فؤاد نجم. كانت ذروة التفكير الفلسفي الثوري. بعضُ من استعار شعارات الطلاب الفرنسيين كان يبدو متغرباً أكثر من اللزوم... اختصاراً هُزم الطلاب وهُزمت الجامعات وتراجعت مستوياتها. لم ينتبه أحد في تلك المرحلة الى ان ثورة مضادة كانت تنمو بدعم رسمي، ظهر تأثيرها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وما زالت فاعلة حتى الآن. ثورة أعادت المفاهيم الغيبية والعشائرية والمذهبية الى الجامعات. في فرنسا انتجت انتفاضة الطلاب فلسفة جديدة. في بلادنا هربت الفلسفة. عادت صنواً للهرطقة. واختفى الفلاسفة لتخلو المدرجات لابن لادن والظواهري والزرقاوي والأحزاب الدينية والطائفية. لكن ماذا عن طلاب 1968 اليوم؟ بعد أربعين عاماً، أصبح شباب الأمس شيوخاً. بعضهم أصبح في مركز المسؤولية السياسية. أو في إدارة الجامعة التي ثار عليها وعلى أنظمتها التعليمية. بعضهم الآخر، وهؤلاء كثر في بلادنا، تحول من أقصى اليسار الى أقصى اليمين. من التنظير لأطروحات ماو تسي تونغ وتشي غيفارا والثورة الدائمة الى تأييد بوش في حروبه الاستباقية. هؤلاء دخلوا في العتمة لينظروا ضد الظلام والظلامية. منذ أربعين سنة نزلت الفلسفة من الجامعات الى الشارع، في فرنسا، لتخلق افكاراً جديدة. عندنا نزلت الأفكار السامية الى الجامعات لتحوِّلها الى شوارع متخلِّفة.