كما كان لقرار الرئيس المصري حسني مبارك مضاعفة نسبة "العلاوة الاجتماعية" من 15 إلى 30 في المئة وقع المفاجأة على المصريين، لم تكن القرارات الاقتصادية التي أقرها البرلمان في 6 أيار مايو الجاري وتم بمقتضاها رفع أسعار بعض السلع متوقعة. وانتظر كثير من المصريين خطاب الرئيس مبارك لمناسبة عيد العمال لسماع"الأخبار السارة"التي ظل الوزراء يمنون المواطنين بها، وجاءت بالفعل سارة، إذ أعلن الرئيس أنه أمر الحكومة بزيادة نسبة العلاوة الاجتماعية من 15 في المئة كما حددتها في الموازنة العامة التي أحالتها الى البرلمان إلى 30 في المئة لمواجهة ارتفاع الأسعار وجبهها بتدبير"موارد إضافية لتمويل هذه الزيادة". وعكف الموظفون والعمال على حساب حجم الزيادة في رواتبهم وسط مخاوف من أن يرفع التجار أسعار السلع ما قد يتسبب في التهام العلاوة. وناشد وزراء وإعلاميون المواطنين عدم الرضوخ"لجشع بعض التجار"، غير أن الحكومة فاجأت الجميع بقرارات اقتصادية جديدة لتمويل العلاوة الاجتماعية وبنود أخرى، إذ ان زيادة العلاوة ستكلف الموازنة حوالى 6.2 بليون جنيه سنوياً وزيادة الحد الأدنى لحوافز العاملين في المحليات من 25 إلى 75 في المئة تكلّف الموازنة حوالى ثلاثة بلايين جنيه، وإجمالي الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية سيكلف حوالى 5.2 بليون جنيه. وقضت القرارات الاقتصادية الأخيرة بفتح اعتماد إضافي بقيمة 19 بليوناً و669 ومليوناً و800 ألف جنيه، على أن تتم زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة بهذا المبلغ الذي يوزع بواقع 9 بلايين و834 مليوناً و900 ألف جنيه من الضرائب، والبقية من إيرادات أخرى. وحددت سبعة مصادر رئيسة للتمويل، هي: زيادة حصيلة الضرائب من المناطق الحرة، رفع أسعار الغاز الطبيعي للصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، فرض رسم تنمية موارد على الطَفْلة مادة خام تُستخدم في صناعة الاسمنت المستخرجة من المحاجر، زيادة رسم تنمية موارد على رخص تسيير السيارات وفقاً لهيكل متدرج، زيادة ضريبة المبيعات على السجائر بنسب متفاوتة ترتفع إلى نحو 33 في المئة على السجائر المستوردة، إلغاء الإعفاء الذي تتمتع به المنشآت التعليمية الخاصة وعائد أذون الخزانة من الضريبة على الدخل، وأخيراً زيادة ضريبة المبيعات على البنزين والسولار والكيروسين على ألا يتم المساس بالأسعار المدعومة والسائدة حالياً للبنزين 80 أوكتان وكذلك بالنسبة الى البوتوغاز المخصص للاستهلاك المنزلي تزيد ضريبة المبيعات على البنزين 90 أوكتان بحوالى 45 قرشاً و95 أوكتان بواقع جنيه واحد ليصل سعر الاول الى 175 قرشاً لليتر الواحد والثاني الى 2.75 جنيه، وزيادة ليتر السولار من 75 قرشاً إلى 1.10 جنيه والكيروسين من 75 قرشاً إلى 1.10 جنيه والغاز الطبيعي للصناعات الكثيفة الطاقة من 36 قرشاً إلى 57 قرشاً، علماً أن الدولار يعادل خمسة جنيهات ونيف. وبررت الحكومة قراراتها"بالأخذ من الغني لإعطاء الفقير"، ورأت أنه لا غضاضة في أن يتحمل أصحاب السيارات الفارهة نفقات متزايدة من أجل تجديد تراخيصها أو تزويدها بالوقود، كما أن أصحاب المدارس الخاصة والمصانع ليسوا في حاجة لإعفاء ضريبي أو دعم للطاقة، ومن ثم فإن قراراتها تحقق"العدالة الاجتماعية". وبعد شهر على تطبيق الأسعار الجديدة بدا أنها حمّلت"الطبقة المتوسطة"أعباء جديدة في وقت يواجه منتسبو هذه الطبقة عناء الحفاظ على مستوى معيشتهم في ظل ارتفاع معدل التضخم إلى 61.4 في المئة خلال نيسان أبريل الماضي وهي النسبة الأعلى منذ 3 سنوات، وبلغت الزيادة في تكلفة الطعام والشراب 22 في المئة مقارنة بشهر آذار مارس. ويقول مهندس الاتصالات محمد حافظ إنه اضطر إلى عدم الاعتماد على سيارته الخاصة، إذ بات يذهب إلى مقر عمله في وسط القاهرة مستقلاً المواصلات العامة، ويوضح حافظ أن موازنة تموين السيارة في الشهر كانت في حدود 400 جنيه وبعد القرارات الجديدة باتت في حدود 600 جنيه فضلاً على ارتفاع أجور الصيانة وسعر زيت السيارات وكل السلع المرتبطة بها. ويشير حافظ إلى أن مع قانون المرور الجديد وما يتضمنه من تشديد للعقوبات المادية بات من المستحيل عليه أن يكون"من أصحاب السيارات"، مضيفاً:"عملت لسنوات كي اشتري سيارة وأرفع من مستوى معيشتي، غير أنني بعد هذه السنوات وما تكبدته من عناء أقساط السيارة عدت لأتنقل أنا وزوجتي في المواصلات العامة كما لو أننا لم نفعل شيئاً في السنوات الماضية". ولم يفت حافظ أن يؤكد أنه لم يتمتع بمزايا العلاوة الاجتماعية الجديدة، إذ ان دخله ظل ثابتاً، في حين أن الأسعار الجديدة طبقت عليه، ويقول:"أنا لست غنياً كي أعطي الفقير ... أنا أكافح من أجل تحسين مستوى معيشة أسرتي وأشعر أن جهدي ذهب هباءً". وإذا كان الفقراء لا يملكون سيارات خاصة لكنهم قطعاً يستخدمون المواصلات التي ارتفعت أجرتها أيضاً بعد هذه القرارات، ففي القاهرة زاد سعر التعرفة 52 قرشاً للمسافة التي تقل عن 52 كيلومتراً، و04 قرشاً لأكثر من 52 كيلومتراً، كما شهدت تعرفة ركوب مواطني الأقاليم زيادات متباينة. كما أن ارتفاع كلفة نقل البضائع والسلع تسبب في ارتفاع أسعار هذه السلع، وفور تطبيق الأسعار الجديدة ارتفعت أسعار الألبان ومنتجاته والفاكهة ومنتجات اللحوم بنسب متفاوتة أضيفت إلى الارتفاعات السابقة. وصحيح أن الحكومة سعت جاهدة للسيطرة على التجار في محاولة منها لتحميلهم الجزء الأكبر من ارتفاع تكاليف المنتجات، إلا أن محاولتها لم تنجح كلية، والدليل على ذلك السجائر المستوردة التي رفعت الدولة الضرائب المحصّلة عليها والمنتج حمّل هذه الضريبة كاملة للمستهلك وتدخلت الدولة وألزمت المنتجين تحمّل الجزء الأكبر من الضريبة فانخفضت أسعار السجائر مرة أخرى، غير أن المنتجين عمدوا إلى سحب منتجهم من الأسواق! وهناك جانب آخر للقرارات الاقتصادية الجديدة يتهدد الطبقة المتوسطة، هو ارتفاع نفقات التعليم. فبعد رفع الإعفاء الضريبي الذي كان يتمتع به التعليم الخاص بات شبه مؤكد أن المدارس الخاصة سترفع اقساطها مع بدء العام الدراسي الجديد. ويقول صاحب مدرسة خاصة رفض ذكر اسمه:"الحكومة فرضت علينا كادر المعلمين، ما تطلب رفع أجورهم ثم علاوة ال30 في المئة وأخيراً رفع الإعفاء الضريبي وزيادة أسعار الوقود ما يزيد كلفة نفقات نقل الطلاب، ومع ذلك تطالبنا بتثبيت المصروفات ... هذا أمر غير منطقي"، وأوضح أن التعليم الخاص سترتفع نفقاته بعد القرارات الجديدة. وفي دولة يصل متوسط الكثافة في فصول مدارسها الحكومية إلى نحو 60 تلميذاً في بعضها وترتفع إلى 100 تلميذ في أخرى، تجد غالبية"الأسر الميسورة"ضالتها في التعليم الخاص الذي تصل نسبة القيد فيه من إجمالي الطلاب إلى نحو 7 في المئة. ويقول طبيب الأسنان إبراهيم حسن إن نفقات تعليم ابنه وابنته في مرحلة التعليم الأساسي في مدرسة خاصة ليست من الدرجة الأولى تصل إلى نحو 16 ألف جنيه سنوياً، مشيراً إلى أن هذه المصروفات ارتفعت كثيراً في العامين الآخرين وأنه قد لا يستطيع تحمل نفقات التعليم الخاص لنجليه لو ارتفعت المصروفات مرة أخرى وأنه قد يضطر إلى تحويل مسار أحدهما إلى التعليم الحكومي الذي"لا يرى فيه نفعاً". وما بين حافظ الذي اختار مجبراً الاستغناء عن سيارته الخاصة وحسن الذي يفاضل بين نجليه لإلحاق أحدهما بالتعليم الحكومي ترشيداً للنفقات، بات واضحاً في مصر أن الطبقة المتوسطة تضررت كثيراً في العامين الماضيين، فهي تتحرك الى أسفل لتقترب من الفقراء وتزداد اتساعاً الفجوة بينها وبين الأغنياء، وتعزز الأنباء المتواترة عن زيادة معدلات التضخم بين 18 و25 في المئة فضلاً عن ارتفاعات جديدة في الأسعار من مخاوف"ميسوري الحال"في مصر. وتلك الحقيقة لمسها نقيب الصحافيين في مصر مكرم محمد أحمد في مقال كتبه في صحيفة"الأهرام"في 24 أيار جاء فيه:"لست أعرف لماذا يسعى وزير المال إلى إغضاب فئات عدة من الطبقة الوسطى تمثل رمانة الميزان في حساب استقرار مصر، في هذا التوقيت الحرج والصعب بعد أن أهدر قيمة علاوة ال30 في المئة بإصراره على رفع أسعار المازوت بعد أيام محدودة من قرار العلاوة الذي أشعل أسعار نقل الأفراد والبضائع وأضاع الأثر الفوري الذي أحدثته العلاوة وتسبب في موجة جديدة من ارتفاع أسعار الكثير من السلع يعاني منها معظم فئات المجتمع?، وبصراحة شديدة فإنني لا أعرف ما الذي يمكن أن يحصده الحكم من وراء سلسلة من القرارات المتتابعة أظهرت الحكومة وكأنها مجرد سلطة جباية في ظروف صعبة تتطلب تحصين روابط الوحدة بين فئات المجتمع وتعطيل الآليات الفاسدة التي أدت الى حال من الاستقطاب الشديد داخل المجتمع المصري زادت من الفوارق بين قمة الهرم الاقتصادي في مصر وبقية فئات المجتمع وبينها كل شرائح الطبقة الوسطي في مصر". ويضيف مكرم في معرض انتقاده لقانون الضرائب العقارية المقرر أن يصدر قريباً:"لو أن شرائح الطبقة الوسطى في مصر تحصل على خدمات لائقة تعوض ما تدفع من رسوم وضرائب لهان الأمر وصفق الجميع لمشروع القانون الجديد، على رغم أنه يأتي في توقيت غير صحيح نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي رفعت أسعار السلع والدواء والخدمات وزادت من أزمة كل فئات الطبقة الوسطى التي تتضاءل معدلات ادخارها في مصر بدرجة عالية بسبب التوازن المفقود بين الدخول والنفقات".