كشف خبراء ومسؤولون ماليون ألمان أخيراً، في مقدمهم رئيس المصرف المركزي الألماني أكسل فيبر، أن الأزمة المالية الدولية الناتجة من أزمة الرهن العقاري الأميركي والمستمرة منذ تسعة شهور،"كبَّدت القطاع المصرفي الألماني ودافعي الضرائب الألمان نحو 30 بليون يورو حتى الآن، بينها 17 بليوناً خسائر ترتّبت على عدد من المصارف والمؤسسات المالية المملوكة من الدولة وحكومات الولايات الألمانية". وكان وزير المال الألماني بيير شتاينبروك سارع صيف العام الماضي للتأكيد أن الأزمة التي ضربت بقوة مصرف IKB الألماني"حالة فردية"في البلاد، لكنه اضطر إلى التراجع بعد تعرض مصارف أخرى لاحقاً لتداعيات أزمة الرهن العقاري. وتملك الدولة الألمانية قسماً كبيراً من أسهم هذا المصرف من طريق المؤسسة المالية العامة"قروض لإعادة البناء"KfW. ورسمت النشرة الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية ? الألمانية، صورة شاملة عن الضرر اللاحق بالقطاع المالي في ألمانيا، وتناولت المصارف الأكثر تضرراً، وهي خمسة حتى الآن يُضاف إليها مصارف أخرى أقل تضرراً. ويُعتبر مصرف IKB الخاص بتأمين القروض المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة، من أهم المصارف الألمانية الخمسة المتضررة، فضلاً عن كونه المصرف الألماني الأول الذي تعرض إلى نكسة مالية نتيجة أزمة العقارات الأميركية، بعد الكشف بسرعة عن مدى انغماسه في صفقات الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة. وتعرض المصرف منذ الصيف الماضي غير مرة لخطر الإفلاس. لكن الدولة الألمانية ومؤسستها المالية"قروض لإعادة البناء"، سارعت مع القطاع المصرفي الخاص والعام في الولايات، أكثر من مرة إلى إنقاذه، بحجة أن انعكاسات تعويمه هي أقل ضرراً من إفلاسه. وتسعى KfW التي تملك القسم الأكبر من أسهمه، منذ فترة إلى بيع المصرف من دون جدوى، وفي انتظار توافر الشاري سيكون عليها تحمل كل خسائره البالغة 9.3 بليون يورو نهاية نيسان أبريل الماضي. أما المصرف الثاني West LB الذي تملكه حكومة ولاية شمال الراين ووستفاليا، فيمثل أحد أكثر المصارف العامة المثيرة للقلق الآن في الولايات ال16 وثالث أكبر مصرف فيها. وأُصيب العام الماضي مجدداً بكبوة عرّضته بدوره لخطر الإفلاس بعد خسارته بليوني يورو، فسارعت حكومة الولاية إلى إنقاذه بالتعاون مع المصارف المحلية والبلديات، فضمنت استدانته خمسة بلايين يورو ووضعت سنداته المالية العالية الخطورة في عهدة مؤسسة مالية إيرلندية. وبعد تأمين تعويم المصرف، توقع خبراء أن"تبقى الخسائر المالية التي يمكن أن يتكبَّدها مستقبلاً محدودة". والمصرف الثالث هو Sachsen LB، الذي تملكه ولاية ساكسن الشرقية، ويمكن اعتباره إلى جانب IKB ضحية نموذجية لأزمة الرهن العقاري الأميركي، بعدما تورّط فيها واشترى ائتمانات عقارية بقيمة 17.5 بليون دولار، على رغم أن رأس ماله لا يتجاوز 1.5 بليون يورو. وكادت هيئة الرقابة الألمانية أن تقفل المصرف وتشهر إفلاسه لو لم يسارع مصرف حكومة ولاية بادن - فورتمبيرغ LBBW إلى شرائه بثمن بخس بلغ 300 مليون يورو، شرط أن تتحمل حكومة ساكسن القسم الأكبر من الخسائر التي يمكن أن تنتج لاحقاً عن صفقات الرهن العقاري المنفذة. ووصلت الخسائر حتى الآن إلى بليوني يورو تقريباً، ما دفع برئيس حكومة الولاية غيورغ ميلبرادت، إلى إعلان استقالته من كل مناصبه نهاية أيار مايو الجاري لأنه كان وراء تأسيس المصرف وتوجيهه. أما مصرف LBBW القوي الذي تملكه ولاية بادن - فورتمبيرغ، وقد اعتقد الخبراء في البداية أنه سيكون الرابح الأكبر من أزمة الرهن العقاري الأميركي بعد شرائه مصرف ولاية ساكسن بسعر بخس، وتخطيطه أيضاً لشراء مصرف ولاية شمال الراين ووستفاليا، فهو الرابع الذي وقع في شباك أزمة الرهن العقاري وتكبَّد خسائر بلغت 1.5 بليون يورو. وتقلصت أرباحه العام الماضي إلى أدنى مستوى يسجله في تاريخه والبالغ 311 مليون يورو. وعلى رغم ذلك، رأى الخبراء أن LBBW المتين هو المصرف الألماني الأخير في القطاع العام الذي يمكن أن يثير قلقاً في شأن وضعه المالي. وتعرض بنك HSH Nordbank الذي تملكه ولايتي هامبورغ وشليسفيغ - هولشتاين إلى شبه زعزعة بسبب تداعيات الأزمة المالية الدولية، وتكبد خسائر وصلت إلى 1.3 بليون يورو العام الماضي، ما دفعه إلى الإحجام عن تنفيذ خطة دخوله في سوق البورصة المالية. وكشف مجلس إدارة المصرف الخاص"دويتشه بنك"أخيراً، أن أزمة الرهن العقاري الأميركي كلّفته 2.5 بليون يورو جديدة تضاف إلى خسارة 2.2 بليون يورو العام الماضي، أي ما مجموعه 4.7 بليون يورو. واعترف بأن الشروط القائمة الآن في الأسواق المالية"ساءت إلى حد كبير". وفيما أعلن مصرف"دريسدنر بنك"خسارة 900 مليون يورو بسبب الأزمة الدولية، أفادت شركة Allianz الضخمة للتأمين بأن أرباحها في الربع الأول من العام الجاري تراجعت من 3.2 بليون يورو في الفترة ذاتها من العام الماضي إلى 1.1 بليون يورو. ونقلت صحيفة"فايننشال تايمز دويتشلاند"الألمانية الاقتصادية عن مصدر في وزارة المال، أن الأزمة الدولية ستعرِّض الخزينة الألمانية والولايات إلى خسارة نحو 10 بلايين يورو من الضرائب كان يتوقع أن تحصّلها. وللمرة الأولى منذ بدء الأزمة، أعلن بنك ألماني صغير هو Weserbank في بريمرهافن إفلاسه، ولا يُعزى السبب إلى مشاركته في صفقات الرهن العقاري الأميركي، بل إلى النتائج المترتبة عن الأزمة المالية الدولية. وأكدت هيئة الرقابة المالية BaFin التي أقفلت المصرف، أن ودائع الزبائن مضمونة إلى حد كبير.