المربع الجديد يعرض تطورات قطاع الضيافة خلال قمة مستقبل الضيافة    تطوير الشرقية تطلق الدليل الإرشادي للتصميم العمراني على الشريط الساحلي بحاضرة الدمام    إطلاق «المنتج التأميني» لتغطية مستحقات العمالة الوافدة بالقطاع الخاص عند تعثر المنشآت    وزير التعليم يرعى الاحتفاء باليوم العالمي للمعلم    مكتب التربية العربي لدول الخليج يعقد ندوة دولية بمناسبة اليوم العالمي للمعلم    الهلال يجذب أنظار العالم بعد الفوز على الأهلي    «اعتدال» و«تليغرام» يزيلان 129 مليون محتوى متطرف    قيادات تعليم مكة تحتفي بالمعلمين والمعلمات في يومهم العالمي    البديوي: نجدد الدعوة للمجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته والتحرك الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي الخطير على قطاع غزة    إدارة الترجمة تشارك ضمن جناح "الداخلية"في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    غموض يكتنف مصيره ..مصدر إيراني: لا صحة لإصابة قائد فيلق القدس    مجموعة فقيه للرعاية الصحية توقع اتفاقية لإنشاء مركز طبي جديد في جدة    أرقام جيسوس الاستثنائية من دون توقف في الهلال    قرار من جيسوس عقب الفوز على الأهلي    وسائل إعلام عالمية تشير لنجاح معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    اختتام المعرض التفاعلي الأول للتصلب المتعدد    نائب أمير الشرقية يلتقي بالأعضاء المعينين والمجدد لهم الثقة الملكية في مجلس الشورى    وزير البلديات: توظيف التقنية الذكية لاستدامة العمل البلدي    "هيئة العقار" تعلن قرب انتهاء التسجيل العيني في حي قرطبة بمدينة بريدة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مصر العربية بذكرى يوم العبور لبلاده    غارة جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت    إعلان ولاية فلوريدا الأمريكية حالة الطوارئ تحسبًا للعاصفة "ميلتون"    بدء تطبيق المقابلات المالية للخدمات الجمركية    د. ال هيازع : خادم الحرمين قائد فريد في حكمته وعطائه ورؤيته الثاقبة    الطقس: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية على 4 مناطق    جمعية التنمية الأسرية ببريدة تطلق مبادرة ( سنة أولى زواج )    التوسع في زراعة بدون تربة    جمعية التنمية الاجتماعية الأهلية في عوالي المدينة المنورة تقيم برنامج "خباز البريوش والباريستا"    القضاء في العهد الزاهر.. استقلال ومؤسسية وعدالة ناجزة    عقوبات مشددة على التمييز ضد ذوي الإعاقة    ذكرى البيعة    خطوات متسارعة لتحقيق مستهدفات رؤية المستقبل    تبوك: عروض جوية بمناسبة اليوم الوطني    الميثاق العمراني للملك سلمان يؤصل للعمق التاريخي والهوية    22094 مخالفاً ضبطوا في 7 أيام    جامعة الطائف تقيم معرض «اسأل صيدلي»    احموا أطفالكم.. لا تعطوهم الجوال    5 معادن «تُحصّن» جسمك من عدوى الفايروسات    ابن مبارك يشيد بمشاريع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن    خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»    محبو العلوم    الاختراق    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ الاستعداد لمواجهتي اليابان والبحرين    بحث مع الوزير الفرنسي المستجدات .. وزير الخارجية ونظيره المصري يؤكدان التضامن مع الشعب اللبناني    دورة الألعاب السعودية والآمال    مركز الملك سلمان يكثف مساعداته الإغاثية.. المملكة تواصل جهودها الإنسانية الرائدة في العالم    امرأة تعطس لمدة أسبوعين بلا توقف    سياسيون مصريون ل«عكاظ»: السعودية قوة سياسية إقليمية وعالمية    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    حفل لندن.. باهر ولكن !    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    حكمة ملك وازدهار وطن    ذكرى غالية ومجيدة    المدبر هو الله.. لا تقلق    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون ونقاشات ما بعد المشاركة السياسية
نشر في الحياة يوم 22 - 05 - 2008

لمشاركة حركات المعارضة في الحياة السياسية العربية كلفة عالية ومردود محدود. حقيقة تكشف اليوم عن نفسها بجلاء شديد للعديد من التيارات الإسلامية المعتدلة وتضعها في مواجهة تحديات وتساؤلات جديدة. فحصاد مشاركة الإسلاميين، وبغض النظر عن تباين خصائص وإطارات المشاركة من تجربة حزب"العدالة والتنمية"في المغرب مروراً بجماعة"الإخوان"في مصر والأردن إلى الحركة الإسلامية الدستورية الكويتية وجمعية"الوفاق"البحرينية واختلاف مداها الزمني طولاً أو قصراً، هذا الحصاد لم يرق ابداً إلى مستوى توقعات قيادات هذه التيارات وقواعدها الشعبية الممتدة.
أراد الإسلاميون توظيف المشاركة لتخطي حدود التعددية السياسية المقيدة باتجاه إصلاح حقيقي يعيد توزيع السلطة بين النخب الحاكمة والمعارضات فأخفقوا. أرادوا الدفع نحو تعديلات دستورية وقانونية تزيد من صلاحيات المؤسسات التشريعية في مواجهة الأجهزة التنفيذية وتستحدث أدوات فعالة للرقابة والتوازن بين السلطات وفشلوا في ذلك أيضاً. وفي حين أراد بعضهم تجاوز تاريخ الصراع مع النخب والتأسيس لتحالفات مرنة مع حركات المعارضة غير الدينية ولم ينجحوا، بقي البعض الآخر أسير القراءة الايديولوجية للسياسة واستسلم لثنائيات المع والضد الحدية. أراد الإسلاميون توسيع مساحة الالتزام الديني في المجال العام والربط العضوي بين عمليات الأسلمة المجتمعية وممارسة السياسة، فترتب على ذلك إما سعي النخب الى القضاء على الوجود الدعوي والخيري للإسلاميين، وهو عماد دورهم المجتمعي ومورد قواعدهم الشعبية وناخبيهم، أو تعرضهم لمزايدات قوى إسلامية غير مسيسة سلفية بالأساس رمتهم بالبراغماتية كمرادف للخروج عن صحيح الدين وتجاهل شريعته. وواقع الأمر أن ضعف حصاد مشاركة الإسلاميين المعتدلين في السياسة العربية، وهو ما لم يعد بالإمكان تجاهله بعد الخسائر الانتخابية لبعض تياراتهم الأردن 2007 والكويت 2008 والتردي المستمر لوضعية آخرين صراع"الإخوان"مع النخبة في مصر ومحاولات تهميش وإضعاف"العدالة والتنمية"في المغرب، إنما يفرض عليهم التعاطي مع ثلاثة تحديات كبرى بدأت إرهاصات النقاش حولها بالتبلور بالفعل وغالب الظن أن مساراتها المستقبلية ستحدد صيرورة تطور التيارات الإسلامية.
1- أضحى الإسلاميون بحاجة ماسة الى صوغ مقولات جديدة تبرر تمسكهم بالمشاركة السياسية وتعمل إزاء الكلفة العالية والمردود المحدود على إقناع القواعد الشعبية برجاحتها كخيار استراتيجي لا بديل له. هنا يدلل تحليل بيانات وأحاديث الآونة الأخيرة لقيادات التيارات الإسلامية على حضور مجموعتين متميزتين من المقولات التبريرية، تركز إحداهما على فوائد الحد الأدنى المتمثلة في توظيف المشاركة وآلياتها، خاصة تلك المرتبطة بالمؤسسات التشريعية والعمل البرلماني لدفع قمع النخب الحاكمة وأجهزتها الأمنية والحفاظ على تماسك القواعد من خلال التعبير العلني عن مطالبها وإعطائها زخماً ليس له أن يتحقق بعيداً عن دينامية السياسة. أما المجموعة الأخرى فتتمحور حول ما يمكن وصفه بدوافع الحد الأقصى المحملة برغبة الإسلاميين في الظهور كفاعلين سياسيين مسؤولين ملتزمين بالمشاركة لا المغالبة تحت أي ظرف وساعين دوماً وعلى الرغم من الانتكاسات المتتالية الى دفع عجلة التغيير السلمي والإصلاح التدرجي، ومن ثم التشكيك بصدقية نقد النخب والمعارضات غير الدينية لهم كتيارات تهدد السلم المجتمعي ولا يؤتمن لعواقب ممارساتها. الثابت، أيضاً، هو أن ثمة علاقة طردية تربط تعويل الإسلاميين المتصاعد على مقولات الحد الأدنى بلحظات الصراع مع النخب كما توضح الخبرة الراهنة لجماعة"الإخوان"المصرية، بينما يبدو صوغ الدوافع القصوى للمشاركة أقرب الى التحقق خلال مراحل الاسترخاء النسبي في علاقة النخب مع الإسلاميين كحال الحركة الدستورية في الكويت و"الوفاق"في البحرين.
2- تواجه التيارات الإسلامية مجدداً تحدي البحث عن توازن قابل للاستقرار وصالح للتطبيق العملي بين متطلبات المشاركة ومقتضيات الالتزام الايديولوجي. استراتيجياً وحركياً، تستدعي السياسة العربية بتعدديتها المقيدة وبهيمنة النخب الحاكمة عليها من الإسلاميين تبنّي مواقف وسطية إزاء قضايا المجتمع الرئيسية، تتفاوت بالقطع مضامينها من خبرة إلى أخرى، وتضغط عليهم لتطوير توافقات براغماتية مع النخب والمعارضات غير الدينية إن أرادوا تجاوز محدودية مردود مشاركتهم الراهنة. بالمقابل، ترتب القناعات الايديولوجية للإسلاميين، ومن ورائها خشية حقيقية من فقدان تميز خطابات وبرامج تياراتهم وكذلك من خطر إبعاد قطاعات واسعة مؤثرة بقواعدهم الشعبية يجيرها الالتزام الديني، التركيز على المرجعية الإسلامية للمتبنى من مواقف والمدعوم من سياسات حتى وإن تعارض ذلك مع أولوية بناء التوافق. ولا شك أن مهمة البحث عن توازن بين البراغماتية والالتزام الأيديولوجي تزداد صعوبةً، بل قد تتعثر عندما يفقد خيار المشاركة السياسية وهجه وطاقته الإقناعية لدى بعض قيادات الإسلاميين وقواعدهم الشعبية على خلفية حصاده الضعيف. والنتيجة هي إما إقدام المرجعية والشريعة على ارتدادات حركية عن سابق مواقف وسطية، كما شاهدنا على سبيل المثال في دعوة مسودة برنامج حزب جماعة"الإخوان"المصرية إلى استحداث هيئة دينية ذات وظائف تشريعية واستبعادها المبرر فقهياً للأقباط والنساء من رئاسة الدولة، أو الشروع، كحال حزب"العدالة والتنمية"في المغرب وجمعية"الوفاق"في البحرين، في جدل مستفيض لا نهاية سريعة له حول الجوهر المؤسس للفعل السياسي للتيارات الإسلامية والأوزان النسبية للبراغماتي والأيديولوجي ومن ثم حول أولويات المشاركة يفرض، على الرغم من إبهاره للباحث المراقب، حالة من الغموض الاستراتيجي عالية الكلفة.
3- تفتح وضعية التيارات الإسلامية المعتدلة الباب على مصراعيه لإعادة التفكير في مضامين العلاقة بين المكون الدعوي والمكون السياسي والشكل الأمثل لتنظيمها وتأطيرها مؤسسياً. فإذا كانت الفرص المتاحة امام المشاركة السياسية خلال العقود الماضية قد أسفرت من جهة عن إنجاز بعض الإسلاميين لفصل وظيفي بين الدعوة والسياسة تجسد في نشوء أحزاب وجبهات وجمعيات استقلت مؤسسياً عن التيار الأم وتخصصت في العمل السياسي وبلورت من جهة أخرى نزوعاً حقيقياً بين الإسلاميين نحو تعظيم أهمية السياسة كمدخل رئيسي الى التغيير والإصلاح، فإن انسداد أفق المشاركة ومحدوديتها الراهنة والممارسات القمعية المستمرة للنخب تضع مجتمعة العديد من علامات الاستفهام حول رجاحة الاختيارين. فبينما سهّلت ثنائية جماعة"الإخوان"وجبهة العمل كثيراً من مهمة نخبة الحكم الأردنية في استهداف شبكة العمل الدعوي والخيري للجماعة بدايةً ثم تحجيم التمثيل السياسي للجبهة، تأكد ل"الإخوان"في مصر أن غياب الفصل الوظيفي بين الجماعة الدعوية والتنظيم السياسي في حالتهم شكل أحد العوامل الأساسية التي مكنتهم من الحفاظ على تماسكهم التنظيمي في ظل ضربات مؤثرة وملاحقات متتالية من الأجهزة الأمنية طالت مراكز صنع القرار والتمويل. ثم يتواكب التفكير النقدي في مغزى الفصل بين الدعوة والسياسة داخل التيارات الإسلامية وتراجع أهمية الحوافز الدافعة إليه مع تطور آخر بالغ الأهمية يتمثل في تعالي أصداء دعوة قديمة تتجدد اليوم بزخم شديد لهجر السياسة ولتمثل البدايات "إخوان"حسن البنا في 1928 بالعودة إلى العمل الدعوي ومحاولة إصلاح المجتمع من أسفل الفرد والأسرة إلى أعلى. بعبارة بديلة، تحيي إخفاقات السياسة نقاش الإسلاميين المبدئي حول المناهج والأدوات الأمثل للتغيير وتثير، وهنا مكمن الخطر، الشكوك حول صدقية مقولة الإصلاح التدرجي من خلال المشاركة السياسية، وتلك رتبت التزاماً راسخاً لدى الإسلاميين المعتدلين بالعمل السلمي ونبذ العنف.
* أكاديمي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.