نائب أمير المنطقة الشرقية يرفع الشكر لسمو ولي العهد على تبرعه السخي ل "جود الإسكان"    هيئة الربط ومعهد أبحاث الطاقة الكهربائية ينظمان ورشة عمل    وزير الخارجية يجري مباحثات مع نظيره العُماني    وزير الإعلام: 2024 عام الأرقام القياسية    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي لمراكز التميز لمكافحة الإرهاب    الداخلية تعلن عقوبات بحق مخالفي تصاريح الحج ومن يساعدهم    الشورى يطالب توحيد الجهود وتطوير تصنيف موحد للإعاقة    حافلات المدينة.. 15 مسار مطلع مايو    جمعية الخدمات الصحية في بريدة تفوز بجائزة ضمان    القبض على مواطن بتبوك لترويجه مادة الحشيش المخدر    تقديرًا لإمكانياته القيادية ودوره في خدمة القطاع الصحي بالمملكة: "مانع المانع" الرئيس التنفيذي لمستشفيات المانع يحصد جائزة "الشاب القائد للعام" من مجلس الضمان الصحي    أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    استثمر في حائل.. أرض الفرص الواعدة    محافظ تيماء يرأس الجلسه الأولى من الدورة السادسة للمجلس المحلي    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية خدمة ضيوف الرحمن بالمنطقة    خيسوس يؤكّد جاهزية الهلال لنصف نهائي كأس أبطال آسيا للنخبة أمام الأهلي    بلدية مركز شري تُفعّل مبادرة "امش 30" لتعزيز ثقافة المشي    جيسوس: إصابة كانسيلو الجانب السلبي الوحيد    الراشد : حققنا أهدافنا ..وهذا سر دعم زوجتي لجائزة السيدات    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة ال 46 من جامعة الملك فيصل    "البحر الأحمر الدولية" تكشف عن مستعمرة مرجانية عمرها 800 عام    استشهاد 18 فلسطينيًا    الصين تطلق بنجاح قمرًا اصطناعيًا جديدًا لنقل البيانات    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    هنأت رؤساء توغو وسيراليون وجنوب أفريقيا.. القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا الانفجار    "الانضباط" تجدد رفض احتجاج الوحدة ضد النصر    للمرة ال 20 في تاريخه.. ليفربول يتوج بالدوري الإنجليزي بجدارة    اكسر حواجز الواقع و اصفع الفشل بالإصرار    محادثات القاهرة تتعثر.. ولا ضوء في نهاية النفق.. الاحتلال يصعد في غزة ويطارد حماس عبر «مناطق عازلة»    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    صقر في القفص الذهبي    أبناء زين العابدين يكرمون كشافة شباب مكة    دمشق ل"قسد": وحدة سوريا خط أحمر    تنفذها الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية.. أمير الرياض: الحملة الوطنية.. "الولاء والانتماء" تعزز الأمن وتحصن الشباب    معرض"ذاكرة الطين" للتشكيلية فاطمة النمر    تعاون بين هيئة الصحفيين و"ثقافة وفنون جدة"    المملكة.. طموح لا يعرف المستحيل    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    أكدت أنه يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا.." كبار العلماء": لا يجوز الذهاب للحج دون أخذ تصريح    أمير القصيم: الخريجون ثروة الوطن الحقيقية لتحقيق التنمية    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    «هيئة الشورى» تعقد اجتماعها الثامن    جلوي بن مساعد يهنئ جامعة نجران    صناعة الحوار    تشكيليات يرسمن أصالة الأحساء    ليلة استثنائية    حل 40 ألف قضية أسرية قبل وصولها للمحاكم    وفاة عميد أسرة آل أبوهليل    أخضر الشابات يترقب قرعة تصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    «جمعية تجهيز» تُخصص رقماً مجانياً للتواصل    Adobe تطلق نموذج Al للصور    مقتل شخصين في ضربات أميركية على صنعاء    محمد بن ناصر: رياضة المشي لها دورها في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة    طلاء سحري يقتل البكتيريا والفيروسات    ارتفاع حرارة الأطفال بلا سبب    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنماط مشاركة الحركات الإسلامية في السياسة العربية
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2007

تحمل اللحظة الراهنة للحركات الإسلامية التي اختارت في عدد من الدول العربية المشاركة في الحياة السياسية الرسمية تساؤلات كبرى يدور جلها حول مضامين وتداعيات خيار المشاركة ومدى جهوزية الإسلاميين للحكم وتسيير الشأن العام حين تأتي بهم الآليات التعددية، وأهمها الانتخابات التشريعية، إلى مواقع الأغلبية إن انفراداً أو ائتلافاً. هنا تقتضي القراءة التحليلية لتنوع خطوط إدراك واختلاف مناهج تعامل الإسلاميين مع هذه التساؤلات من جهة الابتعاد عن إنتاج أو إعادة إنتاج مقولات تعميمية تستند إن الى انحيازات أيديولوجية مسبقة أو خبرات ماضية انتقائية هي بحكم التعريف لا تصلح للإلمام بصيرورة اللحظة الراهنة بما تحويه من تعقيدات ومستجدات. من جهة أخرى، تعجز أيضاً النظرة الاختزالية للحركات الإسلامية الذاهبة لاعتبارها كيانات أيديولوجية يكفي تحليل خطاباتها المعلنة حول المجتمع والسياسة لمعرفة منطق فعلها وكذلك تلك المعالجات التي ترى في الإسلاميين وبحكم حداثة مشاركتهم في الحياة السياسية، فاعلين استثنائيين لا تنطبق عليهم معايير تقييم تجارب التيارات الليبرالية واليسارية والعروبية الأسبق وجوداً عن صياغة إطارات تفسيرية مقنعة. فالدفع المتواتر في بعض دوائر الإسلاميين على سبيل المثال بأن التساؤل حول إمكاناتهم في تسيير الشأن العام أو المشاركة بفاعلية في السلطة هو بمثابة طرح لأمور سابقة لأوانها أو مستبعدة واقعياً حين تؤخذ في الاعتبار توازنات القوة بين نخب الحكم والإسلاميين إنما ينبني على منطق تسويفي خطير يطلب من الناخب أن يستثمر صوته اليوم في حركات لا يستطيع التنبؤ بالكيفية التي ستتعامل بها مع تحديات المستقبل وتنتفي بالتبعية قدرته على التقييم والمفاضلة بينها وبين غيرها.
في هذا السياق، يمكن في عالمنا العربي التمييز بين ثلاثة أنماط رئيسية تؤطر بصور متنوعة لمشاركة الإسلاميين وتتبلور معها الخصائص الحاكمة لفعلهم السياسي. يرتبط النمط الأول بالحالات العراقية واللبنانية والفلسطينية وفيها جميعاً يتواكب وجود مساحات من الحرية التنظيمية والتعددية الحزبية إن مع ظرف الاحتلال المرتب لانهيار شبه كامل لمؤسسة الدولة وأجهزة حفظ النظام العام أو مع استمرار أزمة مستحكمة تغيّب التوافق الوطني وتحد كثيراً من الفاعلية الوظيفية لمؤسسة الدولة على نحو يحول دون استقرار الحياة السياسية ويشجع على هيمنة مقاربات استئثارية - إقصائية تتناقض في التحليل الأخير مع مضامين المشاركة السلمية وآلياتها. تتسم الحركات الإسلامية في العراق ولبنان وفلسطين، وبغض النظر عن ثنائية الهوية الشيعية في مقابل الهوية السنية وتنويعات المقاومين - المستسلمين، بعسكرة بناها الداخلية وباحتفاظها بأدوات للفعل العنفي خارج ساحة المشاركة وبنزوعها نحو استخدام أو التلويح باستخدام تلك الأدوات لحسم صراعاتها. هنا، ومع التسليم باختلاف جوهر الفعل المعني وتفاوت تفاصيل السياقات المحلية، تكاد التداعيات السياسية لاختراق ميليشيات إسلامية شيعية لمؤسسة الدولة وأجهزة الأمن في العراق تتماهى مع توظيف"حزب الله"لحربه مع إسرائيل في صيف 2006 لصياغة رأسمال سياسي يغير معادلات الداخل اللبناني وحسم"حماس"لصراعها مع"فتح"في قطاع غزة باستخدام آلة العنف العسكري.
يصبح التساؤل الأساسي إذاً هو ما إذا كان دمج مثل هذه الحركات الإسلامية في حياة سياسية تعددية، وهي لم تطور التزاماً استراتيجياً بالمشاركة السلمية بل لا تعدو الأخيرة سوى أن تكون إحدى أدوات الفعل في منظومة أعم، يقلل من - بل ربما يقضي على - فرص الدفع بالتعددية خطوات إلى الأمام من بوابة التحول الديموقراطي، أم أنه، أي الدمج، قد يحفز"إسلاميي الدول المنهارة والفاشلة"تدريجياً على الحد من عسكرة حركاتهم وإعادة النظر في أدواتهم بصورة تعظم من مركزية خيار المشاركة؟ واقع الأمر أن الخبرة الراهنة في العراق ولبنان وفلسطين تدلل بجلاء على هامشية الاحتمال الثاني والحدود اللانهائية لتصعيد الاحتمال الأول من دون أن يعني ذلك الانعدام التام لمساحات محدودة من التغيير داخل الحركات الإسلامية قد تفتح المجال مستقبلاً لصراعات بين متشددين ومعتدلين أو أن في استطاعة المجتمعات المعنية استبعاد الإسلاميين من المعادلة السياسية وهم على ما هم عليه من شعبية تتنوع مصادرها من جماهيرية الخطاب الأيديولوجي مروراً باحتكار حق التمثيل السياسي لهويات طائفية بعينها وانتهاء بشرعية مقاومة العدو المحتل أو العدو المتصور. وأغلب الظن أن المجال الوحيد للخروج من مثل هذه الوضعية يتمثل، على الأقل نظرياً، في تبلور إرادات سياسية جمعية تعيد بناء مؤسسة الدولة وتستعيد مدنيتها وحياديتها تجاه المكونات المختلفة للخريطة المجتمعية وتحول دون انفراد قوى إقصائية دينية أو غير دينية بتسيير الشأن العام.
على خلاف حالات إسلاميي الدول المنهارة والفاشلة يستند النمط الثاني لفعل الحركات الإسلامية في الحياة السياسية العربية إلى اعتماد نهج المشاركة السلمية كخيار إستراتيجي وحيد لا بديل عنه للحفاظ على مساحات وآليات التعددية المتاحة وتعميقها تدريجياً من خلال صناعة توافق حول الخطوات المستقبلية لعملية التحول الديموقراطي مع نخب الحكم وتيارات المعارضة الليبرالية واليسارية. يتسم"إسلاميو خيار المشاركة أولاً"، وهم حاضرون بوضوح في المغرب والجزائر والكويت والبحرين، بتأطير فعلهم السياسي في أبنية تنظيمية حزبية كما في حالتي حزب"العدالة والتنمية"المغربي وحركة"مجتمع من أجل السلم"الجزائرية أو شبه حزبية كما هو الحال في الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت وجمعية الوفاق الشيعية في البحرين ذات صبغة مدنية - بمعنى غير معسكرة - واضحة. وفي حين تشارك حركة"مجتمع من أجل السلم"والحركة الدستورية كأطراف صغيرة في الحكومات في الجزائر والكويت، يقبع إسلاميو"العدالة"في المغرب والوفاقيون في البحرين في مواقع المعارضة. كذلك يتميز بعض هذه الحركات ك"العدالة والتنمية"والحركة الدستورية بتمكنه من إنجاز فصل وظيفي بين الدعوي والسياسي تحولت معه إلى تنظيمات سياسية ذات مرجعيات دينية تدار من جانب سياسيين محترفين بعيدين عن سياقات الحركية الدعوية المتمثلة في حالة"العدالة والتنمية"في حركة الإصلاح والتوحيد وفي حالة الحركة الدستورية في جماعة"الإخوان المسلمين"الكويتية، في مقابل التباس الدعوي والسياسي في جمعية الوفاق البحرينية نظراً للقرب الشديد بين مستوياتها القيادية وأطرها التنظيمية وبين تلك الخاصة بالهيئة الدينية الشيعية المجلس العلمائي.
على الرغم من هذه الاختلافات النوعية بين حركاتهم، إلا أن إسلاميي"المشاركة أولاً"يلتقون على ثلاث خصائص أساسية: احترام شرعية الدولة المعنية ومؤسساتها وإطار المواطنة التي تستند إليها دون انتقاص، وقبول الطبيعة التعددية والتنافسية للحياة السياسية بما يرتبه من تراجع نسبي للخطابات والرؤى الإقصائية تجاه نخب الحكم وكذلك قوى المعارضة الليبرالية واليسارية، والابتعاد التدريجي عن النقاشات الايديولوجية وخطابات المظلومية لصالح تنامي الاهتمام بوضع برامج انتخابية عملية والتأثير في السياسات العامة إن كشركاء صغار في الحكم أو من مواقع المعارضة. والحال أن خبرة الإسلاميين في المغرب والجزائر والكويت والبحرين تظهر بوضوح وجود علاقة طردية بين استقرار مساحات المشاركة المتاحة لهم وعزوف نخب الحكم عن التعويل المطلق على المقاربة الأمنية - القمعية في التعاطي معهم وبين التماسك السريع نسبياً لهذه الخصائص وتبلور رؤى توافقية حول تسيير الشأن العام تتجاوز منطق المعادلات الصفرية بين الحكم والإسلاميين. أخيراً، يظل جوهر التحدي المطروح على إسلاميي"المشاركة أولاً"هو، من جهة، حسم موقفهم من قضية المرجعية النهائية للسياسة والحكم على نحو يبرهن على التزامهم غير المشروط بآليات التعددية حتى وإن أنتجت سياسات عامة لا تنسجم والمنطلقات الدينية، ومن جهة أخرى الاستمرار في إقناع قواعدهم الشعبية بفاعلية المشاركة السلمية في لحظة تتأهب بها في السياقات المحلية المعنية قوى دينية إقصائية تراهن على فشل خيار المشاركة للدفع باتجاه بدائل أخرى وفي ظل هيمنة نخب حكم سلطوية لم تتخلص تماماً من نظرة الريبة للإسلاميين ولم تعتد بعد على النهج التوافقي.
أما النمط الثالث فتبدو معالمه في الحالات المصرية والسودانية والأردنية واليمنية، وهي تعكس في المجمل، وبالرغم من اختلافاتها البينية الجوهرية، استمرارية وجود الحركات الإسلامية في الحياة السياسية مع غياب يكاد يكون شبه تام للاستقرار إن في مساحات مشاركتها ودورها أو في مضامين علاقتها مع نخب الحكم. ففي حين تراوح الخبرة المصرية والأردنية بين السماح النسبي لجماعات"الإخوان المسلمين"بالمشاركة في مساحات التعددية المقيدة المتاحة إن على مستوى السلطات التشريعية أو العمل النقابي والمدني وبين الانقلاب المتواتر على مشاركتها المحدودة هذه باعتماد المقاربة الأمنية - القمعية، تظهر تجربة الحركة الإسلامية في السودان ووضعية حزب الإصلاح اليمني خطورة انضواء الإسلاميين في سياق تحالفات غير ديموقراطية مع نخب حكم تجمع بين الطابع شبه العسكرتاري وشبه التكنوقراطي على صيرورة الحياة السياسية وعلى الدينامية الذاتية للإسلاميين.
ربما طور"إسلاميو المشاركة حتى إشعار آخر"التزاماً استراتيجياً بخيار المشاركة السلمية، إلا أن التقلب الدائم في حدود دورهم في الحياة السياسية في مصر والأردن أو اختلاف مواقعهم من مشاركين في صيغ حكم سلطوية إلى أشباه معارضات كما هو الحال في اليمن وجزئياً في السودان، يدفع قياداتهم التنظيمية وقواعدهم الشعبية إما إلى الحوم بصورة لانهائية حول الدوائر الايديولوجية وسرديات المجتمع والسياسة الكبرى دور الدين، الشريعة، الفرد والجماعة والأمة ويحول بالتبعية دون تبلور اهتمام حقيقي بآليات صناعة التوافق والتأثير في السياسات العامة أو يرتب اضطراب نظرة الإسلاميين لهويتهم الحركية وعجزهم عن التعامل بإيجابية مع خيار المشاركة. لا خروج إذاً لإسلاميي المشاركة حتى إشعار آخر من إشكاليات اللحظة الراهنة سوى بالتطور التدريجي لمساحات ومضامين مستقرة نسبياً لدورهم في الحياة السياسية وذاك أمر تنفرد النخب الحاكمة بامتلاك مفاتيحه السحرية.
من دون إدراك لعمق الفوارق الفاصلة بين الأنماط الثلاثة لمشاركة الحركات الإسلامية في السياسة العربية سنظل نحن، مهتمين وباحثين، نراوح في ذات المواقع من دون أن نقترب من النقلات النوعية المطلوبة معرفياً وسياسياً للتعامل بواقعية مع الظاهرة الإسلامية والتحديات التي تطرحها على مجتمعاتنا.
* باحث مصري في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي - واشنطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.