سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مؤتمر في القاهرة رعته الأمم المتحدة عبر منظمة "ويبو". حماية الملكية الفكرية تساهم في التنمية العربية والدول النامية تتخوف من ضياع التراث والتنوع الحيوي
كيف يمكن تعزيز مفهوم الملكية الفكرية عربياً؟ وكيف تُنَمّى مهارات التفاوض لدى الباحث العربي للحصول على تراخيص براءات الاختراع؟ وما هي السبل للربط بين الملكية الفكرية والتنمية الاقتصادية؟ وما هي الفرص المتاحة عربياً للاستفادة من اتفاقات حماية تلك الملكية؟ نقاش وتدريب وتفاوض في مؤتمر احتضنته القاهرة أخيراً، نوقشت هذه الاسئلة وغيرها من مجموعة من الباحثين العاملين في"أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا"و"مكتب براءات الاختراع"و"مدينة مبارك للبحوث العلمية والتطبيقات التكنولوجية"في مصر، إلى جانب نظرائهم في المملكة العربية سعودية وتحديداً من"الإدارة العامة للملكية الصناعية"، والكويت من إدارة براءات الاختراع، في ظل رعاية"المنظمة العالمية للملكية الفكرية World Intellectual Property Organization، التي تُعرف باسمها المختصر"ويبو"WIPO . وتضمن المؤتمر تدريباً عملياً على مهارات التفاوض في مواضيع التكنولوجيا الحيوية والطاقة والمعلوماتية. وشدّد التدريب المُتّصل بعقود التراخيص على كونها وسيلة فاعلة لنقل التكنولوجيا. ولاحظ المؤتمرون في توصياتهم، أن تعزيز حقوق الملكية الفكرية عربياً"يساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية وحماية التراث حقاً إبداعياً وفكرياً، ويحقّق عوائد اقتصادية من خلال الحقوق المادية في مقابل الاختراعات والاكتشافات واستخدام براءات الاختراع في الصناعة وغيرها". ولفتوا الى أن الحصول على براءة الاختراع"يعتبر خطوة أولى لتوظيفها في الإنتاج". ولاحظوا أيضاً أن الدول العربية تتجه راهناً إلى الربط بين البحث العلمي والاقتصاد، مشيرين إلى أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية في تشجيع المبدعين والمبتكرين العرب. ونوّه المؤتمرون بحقيقة أن حقوق الملكية الفكرية"أضحت محوراً أساساً في الاقتصاد العالمي وحركة البحث العلمي والتكنولوجي، ما يوجب تنبيه العالم العربي لأهميتها، وكذلك تجدر ملاحظة أن التراث الثقافي الطبيعي والأصول الوراثية للتنوّع الحيوي، تقع في إطار الحقوق الفكرية، وهي من الثروات التي لا تقدر بثمن". يذكر أن"المنظمة العالمية للملكية الفكرية"، التي أُسّست عام 1974، تشرف على أكثر من عشرين اتفاقية عالمية في اطار تخصصها، وترعى أيضاً أنظمة لتسجيل العلامات والبراءات والنماذج الصناعية، إضافة إلى تقديم المشورة الفنية والتدريب. ومن المعلوم أن"اتفاقية باريس لحقوق الملكية الصناعية"وپ"اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية"هما حجر الأساس في حماية حقوق الملكية الفكرية. وسلطت الأضواء على هذه الحقوق في سياق المفاوضات حول إنشاء"منظمة التجارة العالمية"، خصوصاً جولة أوروغواي التي شهدت ولادة"الاتفاقية بصدد حقوق الملكية الفكرية"Trade Related Aspects of Intellectual Property Rights التي تعرف باسمها المختصر"تربس"TRIPS 1995. وواكب ذلك صدور تشريعات وطنية في هذا المجال. وأشار شريف سعد الله المدير التنفيذي في"ويبو"وأحد المشرفين على هذه الورشة، إلى"ان اتفاقات التجارة العالمية جعلت الملكية الفكرية جزءاً لا يتجزأ منها، ما أعطاها دوراً كبيراً في التجارة والاقتصاد العالميين. في المقابل، هناك مخاوف حقيقية في الدول النامية. وأعتقد أنه بعد سنوات من عمل"ويبو"مع السياسيين، بدأت الدول النامية تدرك أن الموضوع ليس مجرد مخاوف، وأنه أمر لا يخلو من مكاسب أيضاً. فالمسألة لا تتعلق ببراءات الاختراع وحدها، بل هناك جزء رئيس يتعلق بالحقوق الأدبية والفنية كصناعة السينما والكتاب والنشر والإذاعة والموسيقى. وأعتقد أننا في عالمنا العربي لا بد من أن ننتبه إلى ما يعرف بالصناعات الثقافية... لدينا مخزون ثقافي وتراثي مهم ولدينا فرص لإنتاج ثقافي متميز مستقبلاً، فلماذا لا نسعى الى تقديمه إلى العالم في أحسن صورة... ليس لمجرد أسباب الربح لكن أيضاً من أجل حماية ثقافتنا... فهذه الحماية تتطلب منا بذل الجهود العلمية لتوثيق هذا التراث ودراسته وتصنيفه. ومن المهم تعاون الدول العربية مع بعضها البعض في هذا المجال". صناعة الثقافة وضرورة الدواء تحدّث سعد الله أيضاً عن حماية الفولكلور والتراث الشعبي والأصول الوراثية للنباتات قائلاً:"ثمة فراغ قانوني في هذه المجالات... وتعمل"ويبو"منذ أكثر من عشر سنوات على إعداد اتفاقية دولية لحماية التراث الوطني والفولكلور بصفة خاصة... هناك معوقات قانونية حول فترة الحماية وهناك دول تعترض على وجود تقنين لهذا الموضوع... وهناك الآن محاولات جادة من الدول العربية والأفريقية لإيجاد آلية أو اتفاقية. ومن المهم أن تقوم الدول العربية بتوثيق هذا التراث ووضع خطط حماية له". وتناول علاقة حقوق الملكية الفكرية بصناعة الدواء خصوصاً بالنسبة الى الدول التي لا تملك القدرة على تصنيعه، كحال معظم الدول النامية. ورأى أن هذا التخوّف لا بد من أن يزول اذ إن معظم الأدوية المستخدمة الآن موجودة في المُلك العام ولا يوجد أي نوع من الحماية عليها. وبحسب إحصاءات"منظمة الصحة العالمية"، فإن 7 إلى 8 في المئة من الأدوية الأساسية محمية ببراءات الاختراع. وقال سعدالله:"عندما يتعلق الأمر بحال الأوبئة والأمراض الخطيرة، تصبح المسائل خاضعة للمفاوضات... تستطيع الدولة أن تطلب من الشركة المنتجة إعطاءها الدواء بأسعار مخفضة أو تطلب الدواء من دولة قادرة على تصنيعه على ألا يباع في أسواق أخرى". وأوضح عمرو عبدالعزيز مستشار"مكتب التنمية الاقتصادية للبلدان العربية"في"ويبو"، ان"عمل هذا المكتب يتركز على تفعيل التعاون بين"ويبو"والدول العربية وأيضاً بين الدول العربية. وكذلك يقدم المكتب المشورة الفنية لتلك الدول لتحديث تشريعاتها في مجال الملكية الفكرية ومعرفة حقوقها والتزاماتها ومساعدتها على التواءم مع التطور الكبير في هذا المجال. ولاحظ عبدالعزيز حصول تطور كبير في العالم العربي في ما يتعلق بالتشريعات خلال السنوات القليلة الماضية، موضحاً ان"ثقافة الملكية الفكرية بدأت تنتشر، ولابد من تعاون عربي كامل في هذا المجال من أجل وضع تصور عربي مشترك للتعامل مع موضوعات الملكية الفكرية على مستوى عالمي... ولا بد من التنسيق مع جامعة الدول العربية من خلال وحدة متخصصة للملكية الفكرية في الجامعة. وهناك مؤشرات إيجابية كثيرة، ولدى العالم العربي ثروات فكرية وثقافية، وهناك جهود علمية عربية أيضاً تحتاج الى التعاون في ما بينها، الأمر الذي يؤدي الى إنجازات اقتصادية. ولا بد من توجيه اهتمام أكبر من المسؤولين في الحكومات العربية لتشجيع الابتكار والاختراع والبحث العلمي". وفي الإطار نفسه، أكّد الدكتور محمد السعدني رئيس"مدينة مبارك للبحوث العلمية والتطبيقات التكنولوجية"ضرورة التعاون العربي -العربي في مجال البحث العلمي، وكذلك ربطه بالتنمية الاقتصادية. وترفع"مدينة مبارك"شعار"لقاء العلم والصناعة". وقد أصبحت مركزا بحثياً له مساهماته العلمية التي تحظى باحترام دولي. وحصلت أيضاً على رمزها ضمن شيفرة المدن العلمية، ما يعتبر اعتماداً دولياً من"الهيئة الدولية للمدن التكنولوجية"ومنظمة"يونسكو". وقال:"مصر تهتم بهذه المدينة اهتماماً كبيراً، وقد جُهزّت على المستوى العالمي، وتتجه معظم البحوث العلمية فيها إلى التطبيق، فيربط البحث بالتنمية الاقتصادية... العالم يعمل الآن في إطار اقتصاد المعرفة إذ يشكل الابتكار والإبداع قيمة مضافة. وعليه لا بد من وجود حاضنات تكنولوجية لأفكار الباحثين يمكن تطبيقها وكنموذج للصناعة... والمدينة تساعد المبتكرين على تطوير بحوثهم واختراعاتهم كما تساعدهم أيضاً على تسويق هذه البحوث. وكذلك تعمل لرفع مستوى المهارة عند الخريجين، إضافة الى رعاية الصناعات الصغيرة والمتوسطة. ولدينا الآن خطة خمسية وأخرى استراتيجية متكاملة بين المدينة ومختلف المراكز البحثية في مصر... كما تفتح المدينة ذراعيها للتعاون العربي". وحظيت التجربة المصرية في"مكتب براءات الاختراع"باهتمام المؤتمر. وعرض المكتب"مشروع الشبكة الإلكترونية لنقاط الاتصال"المرتبطة به. وفي هذا الصدّد، بيّنت المهندسة نادية عبد الله مديرة المكتب"ان أول نقطة اتصال بدأت في المركز القومي للبحوث عام 2003 والآن وصلت إلى ثلاث وعشرين نقطة اتصال في 11 محافظة. وتُعدّ هذه النقاط مكاتب استقبال مصغرة لتساعد الباحثين على معرفة طريقة استيفاء نماذج طلب براءة الاختراع وبالتالي نوفر عليهم عناء الانتقال جغرافياً". وأوضحت أن المدة التي تلزم للحصول على براءة اختراع تراوح بين 32 و34 شهراً وهو قريب من المعدل العالمي الذي يراوح بين 30 إلى 36 شهراً. وتحدثت عن طُرُق تحديد مدى استحقاق عمل ما لبراءة الاختراع موضحة"ان مكتب البراءات يجري عمليات البحث والفحص من خلال قواعد بيانات ذكية وبالتعاون مع"المنظمة العالمية للملكية الفكرية"للتوصّل إلى تقويم العمل المقدم من جوانبه كلها... ولا بد أن يكون العمل جديداً ومبدعاً وقابلاً للتطبيق". وتناولت عبدالله عمل المكتب في إطار مساعدة الباحثين في الوصول الى مرحلة التطبيق، مبيّنة"ان ذلك أصبح من محاور عمل المكتب الأساسية، ننظّم المعارض والندوات، وندعو المخترعين لاجتماعات مع وكلاء البراءات والمستثمرين... وإذا كانت براءات الاختراع ترقى الى كونها مشروعاً متكاملاً، نحيلها على قطاع المشروعات في"أكاديمية البحث العلمي"حيث يمكن أن يحصل المخترع على التمويل الذي يحتاجه... ونهتم أيضاً بدراسات الجدوى التسويقية. ونتعاون في هذا الإطار مع جهاز تحديث الصناعة". وفي سياق متصل، تناولت عبد الله التعديلات المقترحة لبعض بنود القانون رقم 82 لعام 2002 المتعلق ببراءات الاختراع وحماية حقوق الملكية الفكرية. وأعربت عن اعتقادها بأن"هذا القانون له طابع متكامل، وقد اقترحنا بعض التعديلات بعد أن واجهتنا مشكلات في التطبيق، وهي في غالبيتها تنشأ من اختلاف التأويل لبعض ألفاظ القانون". ورأت ضرورة"اعطاء الأولوية للأعمال التي تتناول الآلات الميكانيكية... وكذلك يجب التركيز على أن الفئة العمرية تتراوح بين أربعين وخمسين سنة، ولكن في السنوات الأخيرة زاد نشاط النساء والشباب وأصبحت هناك مجالات جديدة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصال وجراحات العظام والكسور والمكننة الزراعية كما زادت نسبة البراءات المقدمة من المراكز البحثية وهذا العام لدينا رقم قياسي، حتى الآن 300 براءة اختراع". وعرضت عبدالله دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي قائلة"ان المستثمر يخاف دائماً من المجازفة برأس ماله. ولو بدأت المراكز البحثية في ما يسمى"الإنتاج النصفي"أي الإنتاج على نطاق صغير، فلربما يكون هذا حافزاً للمستثمر على تبني الاختراعات". ويُذكر أن المؤتمر القاهري عرض بعض تجارب التعاون بين القطاع الخاص و"المركز القومي للبحوث"في مجال تطبيق بعض براءات الاختراع الخاصة بالإنتاج الصناعي.