القاسم المشترك بين رسالة وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني من منبر الدوحة في قطر، وبين لقاءات الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بقادة"حماس"في رام اللهوالقاهرةودمشق، هو أن الجانبين يسعيان وراء تقويض"السلطة الفلسطينية"وخيار التفاوض على إنهاء احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية لعام 1967 للتوصل الى سلام. ادعاء ليفني بأنها شريك في محور الاعتدال العربي يقارب النفاق لأن السياسات والممارسات التي تتبناها تتعمد تكراراً تفريغ الاعتدال من الذخيرة التي يحتاجها لمواجهة محور التطرف ولحشد الدعم الشعبي لصالحه. وإصرار كارتر على احتضان وتقبيل قيادات"حماس"يأتي كافراز للتفوق والعناد اللذين يميزان عقلية كارتر في سنّه المتقدم ويخلّفان جهلاً وتهوراً على حساب الفلسطينيين تحت الاحتلال وعلى حساب محور الاعتدال العربي. فكارتر، كما ليفني، يشجع محور التطرف ويمده بالذخيرة عملياً، بغض النظر إن كان ذلك سهواً أو عمداً. الاجراءات الاسرائيلية المستمرة بالاستيطان وبالاحتلال هي التي تحوّل العملية السلمية الى قافلة أوهام. وقد حان وقت قطع الطريق على تلك القافلة. انما هذا لا يعني أبداً أن من حق كارتر أو غيره من أصحاب"موضة"احتضان"حماس"في الساحة الأميركية، واليهودية بالذات، أن يوحوا للفلسطينيين بأوهام بديلة. فواقع"حماس"هو أنها ترفض خيار التفاوض انما لا تملك خيار المقاومة، ولذلك تزعم تزاوج الخيارين وترفض تلبية شروط"اللجنة الرباعية"- التي تضم الولاياتالمتحدةوروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي - باحترام الاتفاقات السابقة بين"السلطة الفلسطينية"واسرائيل. فلا ضرورة لهدر جهود كارتر لإقناع الحركة الاسلامية بتغيير عقائدها السياسية وعقيدتها الايديولوجية. ان مهماته الأخلاقية تتطلب منه الرأفة بالفلسطينيين الذين تتجاذبهم أوهام العملية السلمية وأوهام المقاومة الوهمية ومهماته السياسية تتطلب منه عدم إضعاف"السلطة الفلسطينية"وهي في خضم التفاوض مع اسرائيل. المحطة المقبلة لقافلة أوهام العملية السلمية قد تكون موسكو، حيث تريد روسيا استضافة مؤتمر دولي هو استطراد لمؤتمر أنابوليس ولمسيرة"اللجنة الرباعية"التي تزحف زحفاً الى السلام المنشود بين الفلسطينيين واسرائيل، وبين اسرائيل وسورية. أمام القيادة الروسية فرصة مهمة إما لإنقاذ"العملية السلمية"أو لتعريتها وفضح قصور عملية أنابوليس التي قادتها الإدارة الأميركية من دون الزخم الضروري لإنجاحها. فالكل يعرف ما تتطلبه العملية السلمية انما ليس واضحاً إن كان الرئيس جورج دبليو بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في صدد الضغط على اسرائيل لتسلم بما تقتضيه العملية السلمية والمفصّل بما فيه الكفاية في"خريطة الطريق"الى رؤية قيام دولة فلسطين وهدفه بجانب دولة اسرائيل. العرقلة أمام العملية السلمية ليست أبداً نتيجة عدم انخراط"حماس"فيها، كما يقول اصحاب"موضة"احتضان"حماس"والدعوة لجعلها شريكاً في المفاوضات التي ترفضها هذه الحركة. العرقلة هي في السياسات الاسرائيلية الماضية في بناء المستوطنات وتشييد الجدار العازل ومنع"السلطة الفلسطينية"من الاشراف على المعابر الى غزة كي لا يبقى القطاع معزولاً تحت الحصار. الذين يحوّلون الأنظار عن هذا الواقع تحت ستار وشعار إشراك"حماس"في الحديث عن الحلول السلمية انما يقدمون، عمداً أو سهواً خدمة كبرى لاسرائيل، أولاً، بتحويل الحديث بعيداً عن تجاوزاتها، وثانياً، بإضعاف الموقف التفاوضي للسلطة الفلسطينية وشرذمة الأوراق التفاوضية الفلسطينية من خلال التشكيك بصلاحية الشريك الفلسطيني في المفاوضات مع اسرائيل. التشكيك بالشريك الفلسطيني بدعة قديمة، انما من يسوّقها اليوم هم من يمكن لربما تسميتهم ب"اليساريين الجدد"الذين يتمتعون بتمزيق المفاوض الفلسطيني ويضعفونه أمام اسرائيل وهم يتوهمون أنهم مع الفلسطينيين. يتجاهلون العلاقة المتينة بين تطرف"حماس"وتطرف اسرائيل وشراكتهما في العمل على التقويض المنهجي للسلطة الفلسطينية. كلاهما في حاجة الى استمرار النزاع والتملص تكراراً من استحقاقات السلام. وهما في خندق واحد في معارضتهما العملية لإنشاء الدولة الفلسطينية. وبالتالي ان المروّجين للعناق مع"حماس"انما يتمترسون في القلعة الاسرائيلية التي تمد حبال شنق كل شريك فلسطيني جدي في التفاوض تهرباً وتملصاً من تحقيق إنشاء الدولة الفلسطينية مكان الاحتلال. كارتر يفعل ذلك لا سيما عندما يتوجه الى معانقة خالد مشعل في دمشق. فهو اتخذ قرار لقاء زعيم"حماس"في العاصمة السورية قبل اتخاذ السلطات الاسرائيلية قرارها الغبي والمهين بمنعه من زيارة قطاع غزة، ولا علاقة بين القرارين. والأرجح أن وراء اتخاذ قيادة"حماس"في غزة قرار التوجه الى القاهرة لضمان لقاء بين كارتر وبين رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية والقيادي في الحركة محمود الزهار شبح صورة تجمع كارتر ومشعل في دمشق. فالتنافسات داخل"حماس"هي أمر آخر وموضع آخر دمشق أدرى به وكذلك دول عربية أخرى من بينها قطر. قطر التي اتخذت قرار دعوة وزيرة خارجية اسرائيل للتحدث أمام"منتدى الديموقراطية"في الدوحة لا تخفي علاقاتها التجارية مع اسرائيل ولا اللقاءات السابقة بين المسؤولين القطريين والاسرائيليين. كما لم تخف دعمها ل"حماس"في الوقت الذي كان الحليف الأميركي - الذي تستضيفه قطر في أكبر قاعدة أميركية في المنطقة - يطالب بوقف الدعم لحركة"حماس"بالذات في أعقاب انقلابها على"السلطة الفلسطينية". في الآونة الأخيرة، تسربت معلومات عن تغيير طرأ على العلاقات القطرية - السورية ونقل العلاقة الى خانة الفتور. هكذا تسرب. قد لا يكون التسريب دقيقاً، انما قد يكون فيه ما يكفي من معلومات تدل على جديد في تلك العلاقة. قد يكون الجديد عابراً، وقد يكون تكتيكياً، وقد يكون تحولاً جذرياً لأسباب غير مكشوفة. وقد يكون ملف لبنان ووضوح اللاعودة عن المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري سبباً من أسباب الفتور المزعوم بين الدوحةودمشق. مهما كانت العلاقة السورية - القطرية عليه اليوم من حرارة أو فتور، فالعلاقة بين قطر واسرائيل تزداد صلابة لدرجة أتاحت استضافة تسيبي ليفني في مؤتمر علني في الدوحة حيث التقت علناً وللمرة الاولى وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية وزارت مقر محطة"الجزيرة"الفضائية. لا بأس ولا مانع في نقل العلاقة القطرية - الاسرائيلية الى المزيد من العلنية. لقطر الحق السيادي في اختيار علاقاتها الثنائية بما تجد فيه مصلحة لها. وفي هذا الاطار، الأمر عائد الى قطر لتتبادل الآراء في مشاريع مستقبلية في مجال الغاز مع اسرائيل لتعزيز التعاون التجاري. المآخذ على قطر ليست بسبب خياراتها الثنائية وانما بسبب دورها في الملفات الاقليمية. فهي تبدو اليوم وكأنها تلبس قناع الاعتدال فقط في مسائل محدودة ومحصورة بالداخل والعلاقات مع خارج البيئة الاقليمية. فالتطرف يميّز توجهات قطر في السياسات الاقليمية لدرجة جعلتها أقرب الى المحور الذي يضم ايران وسورية و"حماس"و"حزب الله"في لبنان مما هي الى محور الاعتدال الذي يضم المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الامارات. لذلك، عندما تتمايل تسيبي ليفني في الدوحة وهي تتحدث عن محور الاعتدال وكأنها جزء منه، فإنها في الواقع تتمايل وهي تتسلق محور الاعتدال العربي. فلو كانت حقاً مؤمنة بالاعتدال لكانت أعلنت من منبر الدوحة اجراءات عملية فعلية تقوي صفوف الاعتدال لا سيما"السلطة الفلسطينية"، بدلاً من القاء محاضرة أحرجت المعتدلين من الحضور. لو كانت جدية في اختيار الاعتدال لكانت تحدثت عن التزام اسرائيل بأسس العملية السلمية ولتوجهت من منبر الدوحة الى العالم العربي مرحبة بمبادرة السلام العربية الجاهزة للتطبيع الكامل مع اسرائيل مقابل انسحابها الى حدود 1967 لإنهاء الاحتلال وإنشاء الدولة الفلسطينية. تسيبي ليفني قدمت للتطرف هدية أخرى بتسلقها محور الاعتدال للتظاهر انها جزء منه وبدت وكأنها تتجنب الموضوع الرئيس الذي يعنيها كوزيرة خارجية اسرائيل: إنهاء الاحتلال ووضع أسس التطبيع على هذا الأساس. مثل هذا الأسلوب قد يكون ذا فائدة عابرة لكنه، في نهاية المطاف، قد يؤدي الى اضطرار صفوف الاعتدال غير الحكومية الى مقاومة مشاريع استخدام الاعتدال والعملية السلمية للتخدير والإلهاء عبر الانسحاب من الاعتدال. وهذا ليس في مصلحة اسرائيل مهما وصلت اليه شطارة ليفني، ولا هو في المصلحة العربية مهما تطورت ألاعيب العزف على أوتار التطرف لا سيما من الجوقة التي تدعي الاعتدال.