-1- على مهلها - في الشوارع - تمضي الجنائز، والناسُ تركض خائفةً منهُ تخطو على حذرٍ بيد أني أحبك يا أيها الموت أعرف أنك قاسٍ وأن يديك ملطختان وغارقتان - بلا ندمٍ - بدماء البراءة ما زال نصلك يقطر منهمراً من دماء أخي بيد أنك أيقظته من سبات الزمان وأغمضت عينيه كي لا يرى في الحياة المزيد من القبح والانكسار، جميل هو الموت حين تكون الحياة أمرَّ من الموت حين تكون الخطيئةُ تاجاً وتغدو العدالة عاراً وحين تدان الفراشات تسلبها الافتراءاتُ ألوانهَا ونقاءَ مناديلها ويُثَابُ الغراب. فكم أنت يا قاتلي مرعبٌ وجميل. -2- ذهبتُ إلى مصلاّهُ وكان محاصراً بالموت لم يدركْ وجودي كان مشغولاً يرتّل من كتاب الله آياتٍ على سجادةٍ للموت قلت له: أتسبقني وتتركني وحيد الظل للأحزان تذبحني وللأحداث تنهشني؟ وكنا في طفولتنا وفجر شبابنا أخويَن منذورين للأحلام يأخذنا هوى الأنشودة الكبرى ننادي الشام واليمنا "بلاد العرب أوطاني" وصرنا في كهولتنا نناديها بلاد العرب أحزاني؟! فلا دينٌ يوحّدنا ولا لغة تقربنا كأن الموت غايةُ أمةٍ كانتْ حديثَ الأرض كانت راية للشمس أين أخي وأين الشمس والأمّة؟! -3- حين شاهدته وهو يذبل يعتصر الموت قامتَهُ وأصابعَهُ، تتدحرج عيناه في رحلةٍ للممات تذكرت أيام كان له نايُهُ الخشبيُّ وآخرُ من قصبٍ وبكيتُ عليّ بحثت عن الشمس كانت إلى قبل ثانيةٍ تتألق تضفي على الكائنات بياضاً وتوسعها ببريقِ نَدَىً يشبه الماء هل ذَبُلت مثل رضوان أدركها موتُهُ فانطوتْ، هطلت ظلمةً وسواداً. بكيت عليها على الشارع المتوثب للحزن والمتهيِّئِ مثلي ومثل القصيدة قبل ارتداء السوادْ. -4- كأني نائمٌ وكأنني في نعشهِ في قبرهِ وقصيدتي ما بيننا في دهشةٍ تتأمل الأشياء تَصْعدُ بينَ غيمٍ فاتحٍ ومجرّةٍ مغمورةٍ بالصحو ناصعةٍ، مياهٌ عذبةٌ مطرٌ يهرول خلفنا يمشي على مهلٍ كأن بحيرةً نَبتتْ هنا في القبر صار لها من الأزهار أسوارٌ/من الأشجار حُراسٌ من الأشعار موسيقى جميلٌ يا أخي هذا الرفيقُ الموت كيف أعادنا لطفولةٍ كالبحر صافيةٍ وأيقظنا وكنا نائمَيْن ومغمضي العينينْ. -5- ما أقول له وهو مضطجعٌ فوق سجادةِ الموت؟ حزني عليك كبيرٌ، كبيرٌ كما الأرض، لكنه لا حدودَ له ينتهي عندها مثلما الأرض أطلقتُ للكلمات العنانَ لكي لا تقاسمني بعضَ ما يحمل القلب من حزنهِ، كي تقول له: حسناً فعل الموت ماذا تبقّى لنا في زمان هو الموت في أمةٍ تتساقط كالجسد المتهالك عضواً فعضواً وحلماً فحلماً وعاصمةً بعد أخرى ومن أول البندقية سرنا إلى آخر الكلمات ولا جمع يلهمنا أو شتاتْ! -6- أيسبقني إلى ما تشتهي روحي إلى ما يشتهي جسدي يباغتني برحلتهِ ورؤيته بلاداً لم يكن قد زارها من قبل كيف اسطاع؟ يعصيني ويسبقني بلا إذنٍ ويأبى أن يودعني وأسأل مرة أخرى أيسبقني وتعبر روحه للضفّة الأخرى؟! وفي بطءٍ أناخ الحزنُ مدّ ظلالَه السوداء فوق البيت فوق الشارع المسكون بالأوجاع رمَّد في عيون الخلق كل قصيدةٍ وحديقةٍ وامتدّ من جهةٍ إلى جهةٍ.. خواءٌ كل هذي الأرض ما عادت لنا مأوى وليس لنا بها ما نشتهي تَعِبتْ وشاخ جمالُها وتعبتُ من إقبالِها حيناً ومن إدبارها حيناً ولو أسطيع كنت قفزت مثل أخي من الدنيا بقارب خيبتي للضفّة الأخرى! شاعر يمني