في مثل هذا اليوم، 13 نيسان ابريل، وقبل 33 عاماً اندلعت الحرب الأهلية في لبنان. انفجر القتال بين الأطراف المحلية عندما اصطدمت مطالب المشاركة، الإسلامية السُنية خصوصا، بواقع التمسك المسيحي بمقاليد القرار في البلد. وشّكل الوجود المسلح للمقاومة الفلسطينية المحرك والرافعة لهذا الاصطدام. في العام 1975، لم يكن السلام الفلسطيني - الاسرائيلي مطروحاً في أي عملية سياسية. ولم يكن يتوافر للمقاومة الفلسطينية، على امتداد المنطقة العربية، سوى في لبنان إمكان التعبير عن التطلعات السياسية للفلسطينيين. والحفاظ على هذا المنفذ اقتضى إضعاف التركيبة القائمة آنذاك للسلطة. فتطابقت مصلحة مطالب المشاركة في الحكم مع لبنان"الساحة الفلسطينية". وعندما توصل اللبنانيون الى"اتفاق الطائف"، في المملكة العربية السعودية في ايلول سبتمبر 1989، وافق المسيحيون، خصوصا"المارونية السياسية"، على تنازلات تحقق مطالب المشاركة، جرى التعبير الدستوري عنها بزيادة صلاحيات رئيس الوزراء السُني ومجلس الوزراء على حساب رئيس الجمهورية الماروني. وهذه الموافقة التي كلفت لبنان الكثير من الخسائر البشرية والمادية لم تكن ممكنة الا بعدما جرى تحييد سلاح المقاومة الفلسطينية مع الغزو الاسرائيلي في 1982، وما تلاه من قتال مع القوات السورية، أخرجه عمليا من لبنان، ومعادلته الداخلية. فقدم الطرف المقاتل في المارونية السياسية التنازل للمسلمين في ادارة شؤون الحكم، تحقيقاً للمشاركة، ما دام هذا التنازل يوقف الحرب، وينقذ الوطن. رغم تحوّل اتفاق الطائف، التعبير الدستوري عن المشاركة، حرباً مسيحية - مسيحية بفعل عدم استيعاب المسؤول الدستوري الاول في لبنان، رئيس الحكومة الانتقالية وقائد الجيش حينذاك الجنرال ميشال عون، معنى هذه المشاركة وأهميتها، بما هي نتيجة موضوعية للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديموغرافي في لبنان. فحاول منعها عبر"إلغاء"الطرف المسيحي المقاتل الممثل ب"القوات اللبنانية"، بهدف جعل هذه المشاركة غير ذي قيمة بعد ان يكون المسيحيون رفضوها. على أي حال، مثّلت المقاومة الفلسطينية، اي قوة السلاح الفلسطيني المُفترض ان تكون اسرائيل وجهته، القاطرة التي أدت الى المشاركة التي كانت موضع نزاع قبل اندلاع الحرب. وجاء اتفاق الطائف ليضعها موضع التنفيذ، في ظل تركيبة وتوازن جديدين للسلطة والحكم. وبرعاية عربية ودولية كان الوجود العسكري السوري المباشر في لبنان هو التعبير عنها. ومنذ اتفاق الطائف، وفي ظل الدستور الجديد، راح المسلمون، خصوصاً السُنة، يلتصقون اكثر فأكثر بنهائية الكيان والوطن، ما طمأن المسيحيين اكثر الى صحة"التنازل - المشاركة". وربما هذا الاتجاه الذي راحت إشاراته تظهر مع رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، هو الذي بُني عليه بعد اغتياله لتشكيل النواة الاسلامية الصلبة ل"قوى 14 آذار"وحركتها"الاستقلالية". اليوم، تكاد عناوين النزاع تتكرر، وإن تغيّر اللاعبون. مطالب مشاركة تشكل الشيعية السياسية نواتها الصلبة، وتشكل المقاومة سلاح"حزب الله" رافعتها. وهذه المطالب اصطدمت بالتمسك بالدستور المنبثق عن اتفاق الطائف، ووصلت الازمة الى حافة الانفجار، في ظل تأزم لا سابق له. فتعطلت المؤسسات وحصل الفراغ الرئاسي. وتعقدت التسويات. في العام 1975، اندلعت الحرب الاهلية، فيما تراجعت التكهنات باحتمال تجددها حاليا في المدى المنظور على الاقل. لكن في موازاة هذا التراجع، تكثر التوقعات بانفجار اقليمي. وربما ينتظر اللاعبون مجريات هذا الانفجار ونتائجه، قبل ان تتحول رافعة المشاركة، اي سلاح"المقاومة"، الى عنصر في الحسم الداخلي. لكن الجديد في الازمة الحالية هو الارتباط الحاصل بين التوازن الاقليمي ومصير المشاركة. اذ تلخص تعبيراتها طموحات هذه المشاركة بنقل لبنان، سياسيا، من محور الى آخر. من محور الاعتدال العربي الى محور الممانعة، ونواته الصلبة إيران. اي ان موضوعة المشاركة، حاليا، لا تقتصر على اعادة النظر بتوزيع السلطات بين القوى المحلية فحسب، كما حصل مع اتفاق الطائف، وانما إدخال تغيير بنيوي على طبيعة"الوطن". ليصبح صاحب وظيفة جديدة، هي التصدي والممانعة، والتي باتت منظومة ايديولوجية متكاملة في السياسة الايرانية. اي ان وظيفة المشاركة انتقلت من تصحيح لوضع السلطة الى الانخراط في النزاع الاقليمي الكبير. وهو المأزق الذي تواجهه الأزمة حالياً.