لا يمكن للزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للعراق، ان تمر من دون تداعيات ستترك آثارها على المرحلة المقبلة من العلاقات الإيرانية - الأميركية، والعلاقات الإيرانية - العربية من جهة ثانية. وليس غريباً ان يحظى الحدث، وسط التعقيدات والتناقضات التي تعيشها المنطقة، بالكثير من التحليل والتدقيق حول أبعاده وخلفياته واستهدافاته. وليس من قبيل"التهمة"لإيران القول إن الزيارة في ظروفها وتوقيتها تحمل مفارقة أساسية هي ان الرئيس الإيراني حط في العراق تحت ما يمكن وصفه الحراسة الأميركية وفي ظل الاحتلال الأميركي للعراق، وانتقل الى المنطقة الخضراء، التي هي منطقة الأمن الأميركي الخالص، ونزل حيث يقيم الرئيس العراقي جلال طالباني. لم يعد في الأمر تهمة لطهران التي تدين الاحتلال الأميركي للعراق صباحاً ومساء، فضلاً عن خصومتها وعدائها مع واشنطن حول برنامجها النووي، ونفوذها الإقليمي ودعمها القوى الفلسطينية واللبنانية المقاومة عسكرياً لإسرائيل. فالقيادة الإيرانية لا تخفي أنها استفادت من خطوتي الولاياتالمتحدة الأميركية إسقاط نظام"طالبان"في افغانستان، وإسقاط نظام صدام حسين في بغداد، في شكل أعاد نفوذها، المتفاوت الحجم في كل من البلدين، وفقاً للقوى السياسية والمذهبية المتعاونة معها، الى حجم لم يكن لها ان تتصوره من دون الاحتلال الأميركي لهما. كما ان القيادة الإيرانية لم تخف ايضاً بحكم براغماتيتها، أنها مع تقاطع المصالح الذي برز بينها وبين ما أنجزته الإدارة الأميركية في أفغانستانوالعراق، فإن هذا جعل قوات الدولة العظمى تحت رحمة القرب الجغرافي منها، وفي متناول ضربات مناصريها في العراق إذا ما تفاقم النزاع معها حول مواضيع الصراع الشائكة الأخرى، تحت عنواني امتلاك طهران القدرة النووية، وتقدم نفوذها الإقليمي وأوراقها العربية في العراق وفلسطين وسورية ولبنان ودول أخرى، حيث لها أذرع متفاوتة التأثير. لكن الأهم في دلالات الزيارة ان العراق هو أرضية التفاوض والتسويات بين القوتين النافذتين فيه. وليس مصادفة ان يكون ميدان الحوار بين الإيرانيين والأميركيين حول أمن العراق. وبهذا المعنى يبدو العراق ارض المساومة الرئيسة: إذا كانت واشنطن ستنسحب، لأن الانسحاب يبقى ورقة كبرى في يد هذه الإدارة لاستلحاق ما خسرته وللاحتفاظ بأدوارها في ميادين أخرى في المنطقة، فإنها تريد ضمان عراق تتقاسم السلطة والنفوذ فيه قوى غير معادية لها مع قوى حليفة وصديقة. وإيران يهمها ان تحافظ على حصتها في البلد الغني والاستراتيجي لمصالحها، في ظل معادلة فيها حد أدنى من الاستقرار، كي لا يضيع ما أنجزته من نفوذ في آتون استمرار الصراع على السلطة، إذا حصل الانسحاب الأميركي من دون تفاهم مسبق. وهو انسحاب لا يستبعده الكثير من الدوائر كخيار قد تلجأ إليه حتى الإدارة الأميركية الحالية قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما الدلالة الأبرز للزيارة مع كل رمزيتها فهي ان عرض القوة الإيراني في بغداد يتم في غياب خطة عربية موحدة لبلاد الرافدين. فالدول العربية منشغلة بما دبّره ويدبّره لها الإيرانيون من جهة والأميركيون من جهة ثانية، في كل دولة، وفي كل ميدان سواء بحجة نشر الديموقراطية أو بحجة حقوق الإنسان، وصولاً الى الصراع المرير والدموي الإسرائيلي ? الفلسطيني. والمفارقة ايضاً، ان الحوار الإيراني ? الأميركي، على أرض العراق والذي تقول دوائر عدة، بما فيها دوائر عربية، إنه يشمل المعادلة الإقليمية برمتها، وليس العراق وحده، أتى في وقت ناقش وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية الأخرى المخاوف والمعطيات التي لديهم من سيطرة إيرانية على لبنان غداة زيارة نجاد الى العراق. لكن الدول العربية المعنية لا تملك تصوراً واضحاً، للحؤول دون هذه السيطرة، نتيجة اختلاف نظرتها الى الوضع الإقليمي وعلاقات طهران مع المعادلة الإقليمية. وبعض هذه الدول يتكل على القدر... كما حصل في العراق.