أعلنت السلطة الفلسطينية في رام الله عن بدء تزويد محافظة أريحا في الضفة الغربية بالكهرباء من محطات توليد أردنية، وذلك في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي مع الأردن. جاء الإعلان عن هذه الخطوة الإيجابية متزامناً مع نشاط جماهيري حاشد في قطاع غزة، بتشكيل سلسلة بشرية من الأطفال والنساء، واصلين بين معبر رفح المغلق جنوباً، ومعبر بيت حانون"ايريز"المغلق شمالاً، للمطالبة برفع الحصار عن غزة التي لا تزال تعاني من عتمة الليل، وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة تقليص الاحتلال إمدادات الطاقة في شكل مستمر ومضطرد يوماً بعد يوم. أمام هذا الواقع المرير الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، وخصوصاً في مجال الحاجات الإنسانية والخدمات، وإن في شكل متفاوت، أسوأه وأقساه في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من ثمانية أشهر، يثور في النفس السؤال التالي: لماذا يعتبر - بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب تزويد الضفة الغربية محافظة أريحا بالكهرباء من الأردن، شكلاً من أشكال التعاون الاقتصادي بين الأشقاء في فلسطينوالأردن، بينما يعتبرون تزويد قطاع غزة بالكهرباء والطاقة من مصر شكلاً من أشكال الفصل والانقسام والتهديد لوحدة المصير والمسار بين الضفة والقطاع؟ ويعتبرون ذلك أيضاً خطوة ستعفي الاحتلال من المسؤولية السياسية والقانونية، بعد إلقائها على كاهل مصر الشقيقة، ويعتبرونه أيضاً خطوة تهدد"اتفاقات السلام"الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخصوصاً اتفاق باريس الاقتصادي بروتوكول باريس 1994، واتفاق معبر رفح المنتهي الصلاحية منذ أيار مايو 2007؟! ومع عدم تأييدنا وعدم إيماننا بما يساق من ذرائع مسيّسة، فإننا نتساءل أيضاً: لماذا ما أمكن توفيره لمحافظة أريحا من إمدادات بالطاقة، لا يمكن توفيره لغزة التي يدّعي الاحتلال بأنه انسحب منها كسلطة احتلال؟ أليست الضفة وغزة وجهين لعملة فلسطينية واحدة؟ أم انها ازدواجية التعامل السياسي، والتفريق بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا؟ أم انها سياسة تسعى لتوظيف حاجات الشعب الفلسطيني الإنسانية، لإرغام حركة"حماس"على التسليم بشروط الرباعية الاعتراف بالاحتلال - الاعتراف بالاتفاقات الموقعة - نبذ المقاومة، بدلاً عن الشراكة والوحدة الوطنية؟ إنها لجريمة، أن يُسكت عن الحصار الذي أوصل الفقر في قطاع غزة لنحو 80 في المئة. عندما تحول ما يقارب 1.2 مليون فلسطيني من أصل 1.5 مليون إلى متلقين للمساعدات الغذائية الدولية، والذي أدى إلى وفاة أكثر من 100 فلسطيني مريض منعوا من العلاج. إننا نقف أمام صمت عربي - فلسطيني رسمي مريب حول ما يجري من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، صمت يثير الكثير من علامات الاستفهام والريبة. لأن المنطق يقودنا إلى أنه طالما المفاوضات غير ذي جدوى، وأن الاحتلال يوظفها لكسب مزيد من الوقت لفرض مزيد من الوقائع الاستيطانية على الأرض وخصوصاً في القدس، - وهذا بالمناسبة ما عبر عنه أكثر من مسؤول فلسطيني محمود عباس، سلام فياض، أحمد قريع، فإنه أصبح لزاماً على المفاوض الفلسطيني والرئيس عباس أن يتحلى بالمسؤولية بالإعلان عن وقف المفاوضات، والعودة إلى خيار المقاومة بكل أشكالها السلمية وغير السلمية، لإجبار الاحتلال على الانصياع للإرادة الفلسطينية الساعية إلى التحرر. أما إذا كان الرئيس عباس لا يؤمن بجدوى المقاومة، فله أن يعلن عن حلّ السلطة، وحينها يجدي القول بأن على الاحتلال أن يتحمل كامل المسؤولية. أما أن نبقى ندور في حلقة مفرغة من المفاوضات العبثية واللامتناهية، مع تمسكنا باتفاقات خانقة لشعبنا، ومدمرة له ولإمكاناته الاقتصادية والمعيشية كالتمسك باتفاقة معبر رفح المنتهية الصلاحية، والتي تجعل من المعبر بوابة لسجن كبير مفتاحه بيد الاحتلال، فضلاً عن التمسك ببروتوكول باريس الذي يجعل من الاقتصاد الفلسطيني الهش رهينة وتابعاً للاحتلال. فهذا أمر لا يقبله عقل ولا يطيقه بشر، وهو بذاته الذي سيؤسس لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني التي انطلقت شرارتها في 23 كانون الثاني يناير 2008، عندما انتفض الشعب الفلسطيني في غزة ضد الحصار، وأعلن عن إرادته في الحياة عبر اجتياز الحدود مع مصر الشقيقة التي احتضنته بعمقها العربي والإنساني. وهذا ما قد يتكرر مرات وفي أكثر من اتجاه إذا استمر الحصار. أحمد الحيلة - بريد إلكتروني