"أرحب بكم أصدق ترحيب باسمي وباسم الشعب العربي السوري في بلدكم سورية الذي يستقبلكم بكل الحب والتقدير والأمل في أن يكون هذا اللقاء بين الأشقاء لقاء خير للأمة العربية التي يتطلع أبناؤها لتحقيق التضامن والكرامة والازدهار في فترة صعبة من تاريخها الحديث. إن انعقاد هذه القمة العربية في سورية في هذه المرحلة الحرجة هو شرف ومسؤولية كبرى نعتز بها انطلاقاً من إيماننا بأهمية العمل العربي المشترك وحيويته لأمتنا العربية المتطلعة لأخذ مكانها اللائق في عالم اليوم. ولقد عملنا بكل إمكاناتنا على تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح هذه القمة وسعينا لتجاوز الكثير من العقبات التي تعترض سبيلها ولاسيما أننا ندرك جميعاً صعوبة المرحلة ودقة التطورات التي تشهدها منطقتنا بحيث لا نغالي إذا قلنا إننا لم نعد على حافة الخطر بل في قلبه ونلمس آثاره المباشرة على أقطارنا وشعوبنا. وكل يوم يمر من دون اتخاذ قرار حاسم يخدم مصلحتنا القومية يجعل تفادي النتائج الكارثية أمراً بعيد المنال. ومهما تكن آراؤنا حول طبيعة هذه الأخطار وأسبابها وسبل مواجهتها ومن الطبيعي أن يحمل أبناء الأسرة الواحدة أفكاراً متعددة تجاه القضية الواحدة فإن مما لاشك فيه أننا جميعا في قارب واحد أمام أمواجها العاصفة وأنه لا بديل لنا من التشاور والتضامن والعمل المشترك لتوحيد صفوفنا واستعادة حقوقنا وإنجاز التنمية لبلداننا. فنحن نعيش اليوم في عالم يشهد تحولات بالغة الأهمية ترسم اتجاهاتها القوى الدولية الكبرى ما دفع العديد من دول العالم لتشكيل تجمعات إقليمية تدعم قوتها وتعزز مصالحها، حتى ولو لم يكن هناك أي جامع آخر فيما بينها، فحري بنا أن نجتمع ونتعاون ونحن نشكل تجمعاً قومياً طبيعياً يمتلك كل عوامل النجاح التي تتجاوز ما يمكن أن يملكه أي تجمع آخر في العالم. خاصة أننا نعيش جملة من التحديات التي تهدد تماسك بنياننا الداخلي وتجعل من بعض أقطارنا العربية ساحات مفتوحة لصراع الآخرين عبر الصراع بين أبنائه، أو هدفا للعدوان والقتل والتدمير من قبل أعدائنا. ولا شك أن هناك عقبات تواجه رغباتنا وتطلعاتنا إلى تحقيق ما نريد ذلك أنه، وعلى رغم اتفاقنا في معظم الأحيان حول الأهداف، فإن ثمة تقديرات متباينة في الرؤية وطريقة المعالجة. وهذا ليس مشكلة عندما يتوفر الحوار الصادق، فحوارنا وعمق قناعتنا بضرورة المبادرة إلى اتخاذ مواقف فاعلة ستزودنا بالقدرة على تجاوز الصعاب من خلال معالجتها بواقعية وصراحة أخوية وبتطلع صادق نحو المصلحة العربية العليا. أيها الأخوة الأعزاء، عقدت قمم عديدة خلال العقود الماضية، البعض منها أتى في مراحل مفصلية، نجحنا في مواقع ومراحل ولم ننجح تماماً في أخرى. وإذا كان الوضع العربي غير مرض لنا فهذا لايرتبط بالقمم بحد ذاتها، بمقدار ما يرتبط بسياق العلاقات العربية - العربية والظروف التي أحاطت بها في الماضي والحاضر والتي انعكست نتائجها على القمم العربية. ومع ذلك تمكنا في محطات عديدة من تبني مواقف تعبر عن مصالح الأمة العربية عندما توفرت الإرادة لذلك. وإذا كانت الحروب والاحتلالات هي من أخطر القضايا التي واجهتنا خلال العقود الماضية فإن معركة السلام لم تكن أقل أهمية منها. ولقد أدركنا جميعا أهمية السلام منذ سنين طويلة وعبرنا عن ذلك بكل الأوقات وبطرق مختلفة، ابتداء من إعلاننا منذ أكثر من ثلاثة عقود إيماننا بالسلام العادل والشامل واستعدادنا لإنجازه، مروراً بمؤتمر مدريد عام 1991 وصولاً إلى مبادرة السلام العربية عام 2002 والتي شكلت تعبيراً واضحاً لا لبس فيه عن نيتنا كدول عربية مجتمعة لتحقيق السلام إذا ما أبدت إسرائيل استعدادها الفعلي لذلك. وعلى رغم مما قمنا به، وإذا وضعنا جانباً سلوك إسرائيل العدواني عبر تاريخها فكيف كان الرد الإسرائيلي على هذه المبادرة. مباشرة بعد المبادرة قامت إسرائيل باجتياح الضفة الغربية وحصار شعبنا الفلسطيني وقتل الأطفال والنساء، وكلنا يتذكر مجزرة جنين ومئات الشهداء الذين سقطوا فيها، واستمرت في بناء المزيد من المستوطنات، وأقامت الجدار العنصري العازل، وأتبعت ذلك بالعدوان على سورية ولبنان، وأمعنت في تنفيذ الاغتيالات السياسية، وعملت من دون توقف على دفع الرأي العام الإسرائيلي باتجاه المزيد من التطرف والتزمت تجاه العرب، ورفض الاستجابة لمتطلبات السلام العادل والشامل بما يتوافق مع سياساتها المعادية للسلام. كل ذلك تحت أنظار العالم وعدم قدرته على اتخاذ أي موقف فاعل وحاسم لردعها عن أعمالها، وتحت عنوان ضمان أمن إسرائيل كذريعة تروجها إسرائيل ومن يدعمها لتبرير أعمالها العدوانية. وبمعزل عن طرح مفهوم الأمن من جانب واحد وكأن أمن العرب لا يؤخذ في الحسبان، والذي يثبت النظرة العدوانية تجاه العرب أفرادا ودولاً، فإننا نؤكد بأن الأمن لن يتحقق لأحد إلا من خلال السلام، وليس من خلال العدوان والحروب التي لن تجلب سوى المزيد من الآلام، والسلام لن يأتي إلا من خلال الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق كاملة. وهذا يعني أن الطرح الإسرائيلي للأمن أولاً غير قابل للتحقيق لأن الاحتلال يناقض الأمن والسلام معاً، ولأن الأمن إن لم يكن متبادلاً ويشمل الجانب العربي فهو مجرد وهم لا وجود له، إلا إذا كان أصحاب هذا الطرح يفترضون أو ينتظرون من أصحاب الأرض أن يسلموا بالاحتلال، وأن يقبل الأحرار بالتحول إلى عبيد. ومن استقراء تجارب التاريخ نرى هزيمة هذا المنطق، وإن وجد في بعض اللحظات فهو موقت ومخادع، ولا يليه سوى المزيد من الحروب والدمار والندم. وإذا كنا لم نوفر فرصة إلا وعبرنا فيها على المستوى العربي عن رغبتنا في السلام وآخرها كان من خلال مشاركتنا في مؤتمر أنابوليس، فإن إسرائيل انتهزت كل الفرص أيضاً، لكن لتثبت العكس تماماً. لتثبت غطرستها ورفضها تطبيق القرارات الدولية، ولتبرهن عن تجاهلها لحقوقنا ولكل مبادراتنا من أجل السلام. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نترك عملية السلام والمبادرات رهينة لأهواء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أم نبحث عن خيارات وبدائل من شأنها تحقيق السلام العادل والشامل والكفيل بإعادة الحقوق كاملة من دون نقصان؟ أي هل نقدم مبادرات غير مشروطة يختارون منها ما يشاؤون ومتى شاؤوا؟ هل تتأثر مبادراتنا بالسياسات العدوانية أو بالمجازر الإسرائيلية أم هي طروحات مطلقة غير مرتبطة بتوقيت أو بظرف؟ وإن لم يكن فى هذه الطروحات الآنفة أي دعوة للهروب إلى الأمام من خلال الحروب على الطريقة الاسرائيلية فليس فيها بكل تأكيد أي قبول للهروب إلى الوراء من خلال الخضوع والإذعان للإملاءات الإسرائيلية، بل هي دعوة لمراجعة مضامين خياراتنا الاستراتيجية والبحث عن الموقف المتوازن الذي يوائم ما بين متطلبات السلام العادل والشامل، وما يعنيه من عودة الأراضي المحتلة وضمان الحقوق المشروعة من جانب، وما بين توفير الحد الأدنى من عناصر الصمود والمقاومة، طالما أن إسرائيل ترفض السلام وتستمر في العدوان من جانب آخر. وها نحن اليوم نجتمع ودماء شهداء مجازر إسرائيل، بل محارقها كما هم أطلقوا عليها في غزة، لم تجف بعد أمام صمت العالم وغضب الإنسان العربي وأمام استنكار صاحب كل ضمير حي. وإننا إذ نعبر عن ألمنا وإدانتنا لما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في غزةوالضفة الغربية من قتل وحصار ودمار بفعل آلة القتل الإسرائيلية، وعن حزننا لما آلت إليه الأوضاع على الساحة الفلسطينية من انقسام وفرقة، فإننا نرى أن الأولوية يجب أن تكون للحوار بين الفلسطينيين. ونقول للأخوة الفلسطينيين إن عدوكم سيستغل أي انقسام من أجل تنفيذ المزيد من المجازر بحقكم وبحق أبنائكم وهو لا يفرق بين أي عربي، سواء كان فلسطينياً أو من أي قطر عربي آخر، فلا تقعوا في وهم أن يفرق بين فلسطيني وآخر، أو بين الضفة وغزة، ولا بين منظمة وأخرى. كل هذا يستحق منكم التسامي على أي سبب للخلاف مهما كبر شأنه، فوحدة الموقف العربي وفاعليته بشأن القضية الفلسطينية يتأثر بالضرورة بوحدة موقفكم، فهي ضمانتكم وضمانة شعبكم وقضيتكم، وهي الطريق الوحيدة لاستعادة حقوقكم، وفي مقدمتها استعادة الأرض وعودة اللاجئين. ونعبر هنا عن تقديرنا لجهود الأشقاء في اليمن ودعمنا للمبادرة اليمنية لاستئناف الحوار والتي نراها إطاراً مناسباً للاتفاق بين الأطراف الفلسطينية، كما ندعو للعمل على الكسر الفوري للحصار المفروض على غزة من قبلنا كدول عربية أولا كمقدمة لطلب ذلك من دول العالم. وفي إطار الحديث عن الحقوق فإننا نؤكد في سورية على أن السلام لن يتحقق إلا بعودة الجولان كاملاً حتى خط الرابع من حزيران عام 1967، وإن المماطلة الإسرائيلية لن تجلب لهم شروطاً أفضل ولن تجعلنا قابلين للتنازل عن شبر أو حق. وما لم يتمكنوا من الحصول عليه من تنازلات من قبل سورية سابقاً، لن يحصلوا عليه لاحقاً. أما الرهان على الزمن بهدف انتفاء الحقوق بالتقادم أو بالنسيان، فلقد ثبت عدم جدواه لأن الزمن أنتج أجيالاً أكثر تمسكاً بالأرض والتزاماً بالمقاومة. أما في لبنان فإننا نشعر بالقلق للأوضاع التي يمر بها والانقسام الداخلي الذي يحول حتى الآن دون الاتفاق على قواسم وطنية مشتركة. وعلى الرغم مما يثار حول هذه الأوضاع، فإننا نؤكد حرصنا على استقلال لبنان وسيادته واستقراره. وانطلاقا من الشفافية التي تجمع بيني وبين إخوتي قادة الدول العربية فإنني أرى من الضروري أن أوضح ما أثير حول ما يسمى التدخل السوري في لبنان، والدعوات والبيانات والضغوطات لإيقافه، وأقول لكم بكل صدق بأن ما يحصل على الواقع هو عكس ذلك تماماً. فالضغوط التي مورست وتمارس على سورية منذ أكثر من عام وبشكل أكثر كثافة وتواتراً منذ أشهر عدة، هي من أجل أن تقوم سورية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان. وكان جوابنا واضحاً لكل من طلب منا القيام بأي عمل يصب في هذا الاتجاه، وهو ما سأؤكده أمام هذه القمة، أن مفتاح الحل بيد اللبنانيين أنفسهم، لهم وطنهم ومؤسساتهم ودستورهم ويمتلكون الوعي اللازم للقيام بذلك، وأي دور آخر هو دور مساعد لهم وليس بديلاً عنهم. ونحن في سورية على استعداد تام للتعاون مع أي جهود عربية أو غير عربية في هذا المجال، شريطة أن ترتكز أي مبادرة على أسس الوفاق الوطني اللبناني، فهو الذي يشكل أساس الاستقرار في لبنان وهو هدفنا جميعاً. أما العراق الشقيق الذي يعاني أوضاعاً قاسية فإنه يتطلب منا تضافر الجهود لدعمه ومساعدته في تحقيق سيادته وأمنه واستقراره، على أساس من الوحدة الوطنية التي تضم جميع مكونات الشعب العراقي، نقطة البدء فيها تحقيق المصالحة الوطنية بين أبنائه وصولاً إلى تحقيق الاستقلال الكامل وخروج آخر جندي محتل. ولا شك في أن استقرار العراق يعنينا جميعا فمن غير الممكن أن تستقر منطقتنا العربية بشكل خاص والشرق الأوسط، وربما أبعد بشكل عام، والعراق مضطرب كما هي حاله اليوم، واستقراره مرتبط بوحدته التي ترتبط بدورها بهويته وانتمائه العربيين. وفي هذا الجانب، فإننا نحمل مسؤولية تعزيز الحضور العربي في العراق بالتعاون والتنسيق مع حكومته. إذ على رغم أهمية الدعم الدولي والإقليمي، فكلاهما لا يشكل بديلاً من دورنا في الحفاظ على استقرار العراق وعروبته. ونؤكد على وحدة السودان وسيادته واستقراره، وندعو إلى دعم جهود الحكومة السودانية في معالجة الأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور وتحقيق السلام وإعادة الأمن والاستقرار إليه، بعيداً عن التدخلات الخارجية في شؤون السودان الداخلية، ونرفض أي محاولات لفرض حلول أو توجهات عليه تحت ستار الحالة الإنسانية. كل ما سبق يدفعنا لبناء أفضل العلاقات مع دول الجوار التي تجمعنا بها روابط تاريخية ومصالح مشتركة بهدف تحقيق الاستقرار في منطقتنا وإيجاد الحلول للمشكلات القائمة، ونؤكد على ضرورة حل أي مشكلات تنشأ بينها من خلال الحوار المباشر والتواصل المستمر الكفيلين بإزالة أسباب الخلاف وتبديد القلق تجاه النيّات.