سعت الحكومة الهولندية الى تهدئة غضب المسلمين معربة عن املها بألا تطاول ردود فعلهم مصالحها او مواطنيها في الخارج، بعدما تجاهل نائب هولندي مناشدات امستردام وبث على الانترنت فيلماً يتهم القرآن بالتحريض على العنف، مرفقاً بالرسوم الدنماركية المسيئة للاسلام التي سبق واثارت احتجاجات في العالم. وبث النائب اليميني الهولندي غيرت فيلدرز الفيلم الذي يحمل عنوان"الفتنة"ويعرض صوراً لهجمات 11 ايلول سبتمبر 2001 وتفجيرات اخرى نفذها اسلاميون، مع آيات قرانية. ويحذر الفيلم من ان العدد المتزايد للمسلمين في هولندا وبقية اوروبا يعرض القيم الديموقراطية للخطر. وبعد كلمات"هولندا في المستقبل"يقدم الفيلم صوراً لرجال مثليين يجرى اعدامهم ولأطفال تغطي الدماء وجوههم وامرأة ترجم بالأحجار وصورة لعملية ختان. وينتهي الفيلم بعبارة:"اوقفوا الأسلمة. دافعوا عن حريتكم"وتقديم الرسم الكاريكاتوري الدنماركي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى اثر بث الفيلم، أعرب رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكننده اعن أمله في الا تكون هناك ردود فعل عنيفة. وقال:"نعتقد بأن الفيلم لا يخدم أي هدف سوى انه يسبب اساءة". وأضاف:"لكن الإحساس بالإساءة يجب الا يستخدم ابداً ذريعة للعدوان والتهديدات". وقال ان هولندا على اتصال بالدول الإسلامية والمصدرين الهولنديين وانه شعر براحة لضبط النفس المبدئي من جانب مسلمي هولندا. وترافق الاعلان عن الفيلم مع تظاهرات من افغانستان الى اندونيسيا للتعبير عن الغضب تجاه هولندا، فيما انتقدت حكومتا ايران وباكستان بشدة هذا العمل. كذلك عبر حلف شمال الأطلسي عن قلقه من ان الفيلم قد يتسبب في تفاقم الوضع الأمني للقوات الأجنبية في أفغانستان ومن بينها 1650 جندياً هولندياً. وأشار ابراهيم بورزق الناطق باسم جماعة هولندية مغربية الى فتح المساجد أبوابها امس، ليعبر أئمتها عن وجهات نظرهم في الفيلم للمساعدة في تبديد التوترات. وقال:"هذا ليس فيلماً لكنه دعاية. كل عناصره شوهدت من قبل ولا شيء جديداً فيه". ومن المقرر ان تنظر محكمة في روتردام في دعوى ضد فيلدرز اقامها الاتحاد الإسلامي الهولندي، فيما قال السياسي الهولندي ان فيلمه لا ينتهك أي قوانين. ويخضع فيلدرز لحراسة مشددة بسبب تهديدات بالقتل منذ عام 2004 عندما قتل المخرج السينمائي ثيو فان غوخ الذي انتج فيلماً ينتقد فيه معاملة الإسلام للمرأة. وأثار قتل فان غوخ على يد متشدد هولندي من اصل مغربي موجة اضطرابات في هولندا التي يبلغ عدد المسلمين فيها المليون من اصل سكانها البالغ عددهم 16 مليون نسمة. وتعرضت مساجد وكنائس ومدارس اسلامية لهجمات بقنابل حارقة. وأعرب المصدرون الهولنديون عن مخاوفهم من احتمال مقاطعة العالم الإسلامي لبضائعهم، مع ان تجارتهم مع هذه الدول لا تتعدى بضع نقاط مئوية من مجموع الصادرات. وهناك ايضاً بواعث قلق في شأن 25 الف مواطن هولندي يعيشون في دول إسلامية. ونددت ايران امس، بالفيلم الهولندي ووصفته بأنه"مشين"ودعت الحكومات الأوروبية الى منع عرضه مرة أخرى. وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني:"هذا العمل المشين من جانب نائب هولندي ومؤسسة بريطانية، دلالة على استمرار روح الشر والثأر الدفين الذي يكنه مواطنون غربيون للإسلام والمسلمين". ونقلت وكالة انباء الجمهورية الإسلامية عن حسيني قوله ان الفيلم بث على الإنترنت بمساعدة منظمة تتخذ من بريطانيا مقراً لها. وأصدر موقع"لايف ليك"على الانترنت بياناً جاء فيه انه سمح لفيلدرز ببث فيلمه لان الموقع يؤيد حرية التعبير على رغم ان كثيرين من المشاركين في الموقع رأوا ان بعض الرسائل"مسيئة في شكل شخصي". ولم يشر البيان الى مقر الموقع لكن أرقام الهواتف المتاحة للاتصال كانت أرقاماً في بريطانيا. وفي عمان، أعلنت حملة"رسول الله يوحدنا"التي تضم ما يزيد على 30 مؤسسة إعلامية أردنية عزمها على مقاضاة النائب الهولندي امام محاكم اردنية. وقال زكريا الشيخ رئيس الحملة التي شكلت بعد اعادة نشر الرسوم المسيئة ان"لجنة متابعة وتنسيق الحملة قررت في اجتماع طارئ اتخاذ اجراءات قانونية عاجلة بحق المتطرف المتصهين الهولندي غيرت فيلدرز ومقاضاته". وأضاف ان اللجنة قررت ايضاً"البدء بحملة واسعة لمقاطعة المنتجات الهولندية". وتابع ان القرار جاء بعد"تحدي فيلدرز الصارخ لمشاعر 1.5 بليون مسلم ومسلمة بنشره فيلم"الفتنة"على شبكة الانترنت". واكد الشيخ ان"اسم الفيلم يدل على هدفه الحقيقي بإشاعة الفتنة والصدام بين الحضارات واتباع الديانات السماوية". وأوضح ان"نشر هذا الفيلم المشين بعد التحذيرات العالمية من مسلمين وغيرهم لوقف نشره، لا يمكن فهمه الا في اطار استمرار الحملة الصهيونية الممنهجة في ايصال الامم والشعوب الى نقطة الكراهية والصدام". ودعا"القادة في القمة العربية الى الاضطلاع بمسؤولياتهم والتوحد في موقف رسمي عربي يساند الجهود الشعبية في التصدي لحملات مسعورة تقصد الاساءة الى ديننا واعادة النظر في العلاقات الديبلوماسية مع الدول التي صدرت منها تلك الاساءات خصوصاً هولندا والدنمارك". الفاتيكان على صعيد آخر، سعى الفاتيكان الى الفصل بين البابا بنديكتوس السادس عشر والآراء السياسية لصحافي مسلم عمد الأسبوع الماضي وهو معروف في ايطاليا بهجماته اللاذعة على الإسلام. وحاول الفاتيكان ايضاً تهدئة مخاوف المسلمين من التبشير في مدارس مسيحية بالدول الإسلامية مثل المدرسة التي درس فيها الصحافي المصري المولد مجدي علام. وقال الفاتيكان انه يريد استمرار الحوار وشدد على ان آراء علام لا تعبر عن سياسة الكنيسة.