يتعرض الشباب العرب في بريطانيا الى كثير من الهزات والاضطرابات الآتية في معظم الأحيان من بلدانهم الأم والكافية لجعلهم معزولين فكرياً واجتماعياً وسياسياً عن محيطهم. فعند انتهائك من متابعة أخبار بلدك البعيد على الويب، وهي عملية اطمئنان الى أن البلد لا يزال على قيد الحياة، ترى نفسك بحاجة الى اكثر من الأخبار لربطك بمن تحب من مدن وأشخاص. حينها تهرع الى"غوغل"وتدخل اسماء هؤلاء الناس والمدن وتقرأ يومياتهم وهمومهم. هكذا أمضيت شهراً كاملاً خلال العدوان الاسرائلي الأخير على لبنان. أقرأ لساعات طويلة من لندن ما كتبه مدونون لبنانيون على الشبكة العنكبوتية. الكثير منهم لم أكن أعرفهم لكنني، شعرت أنني أرى ما يرونه وأسمع ما يسمعونه. كانوا يكتبون تحت القصف ما يريدون قوله للعالم. نقلوا مشاهد مرت عليهم خلال النهار وحوادث حصلت لهم أو لعائلاتهم. نقلوا أصواتاً سمعوها وهم يكتبون. كنت أعرف انهم إن لم يكتبوا في ليلة ما، فذلك يعني أن الكهرباء مقطوعة في بيروت، أو أنهم ربما في خطر أو هربوا الى قرى لا تصل اليها الانترنت. وهذه فكرة تخيفني بحد ذاتها، فأنا أدخل الويب من كل زاوية من منزلي ومن خلال هاتفي الخليوي حين أكون خارج المنزل. وهو رابطي الأول ببلدي والعالم كله. والتدوين على الويب يشكل أحد روابط العرب بين بعضهم بعضاً في بريطانيا. ففي مدينة كبيرة مثل لندن لن تستطيع مكالمة كل من تعرفه لتبحث معه في ما يحدث في غزة. وأنت للأسف لن تصادفهم جميعاً في شارع واحد كما يحدث عادة في شارع الحمراء في بيروت. لذا تستضيفهم على صفحة مدونتك حيث يقرأون مقالاتك ويعلقون عليها ويطرحون الأسئلة ويتشاركون الأفكار والأقوال والأحزان. عند رحيل الصديقة العزيزة مي غصوب وجدت الكثير من مدوناتها على الويب التي لم أقرأها من قبل وفي إحداها أتت على ذكري اذ كنت أرسلت لها على الشبكة طبعاً صورة من الحرب على لبنان وأرادت هي التعليق عليها. حزنت لأنه لم يعد باستطاعتي التعليق على مدونتها هذه لكنني شعرت باطمئنان الى أن لدينا أفكاراً منها لا تزال حية وهي في متناول يدنا إلى الأبد على الويب. وفي لندن حيث حرية التعبير من المقدسات يكتب الكثير من العرب ما لا يستطيعون قوله في بلدانهم. فتكثر الآراء السياسية الناقدة للحكومات العربية وللتطرف الديني وللكبت الاجتماعي فباستطاعة امرأة مصرية اعتدي عليها في الشارع في حادثة عيد الفطر منذ سنتين أن تبعث بصور وشهادات لصديق لها في لندن وهو كفيل بتدوينها وإرسالها الى الملايين على الشبكة. هكذا علمنا بتلك الحادثة الشنيعة التي أهملتها الصحافة. وهكذا نعلم بالوضع الانساني الرديء في فلسطين من خلال الناشطين والمتطوعين الذين يدونون شهاداتهم في شكل مفصل ويومي للعالم كله. وهكذا أيضاً عرفنا بقصة راشيل كوري الناشطة الأميركية التي قتلت سحقا بدبابة اسرائيلية وهي في الثالثة والعشرين من العمر. والآن حين يزعم بعض الحكام ووسائل الاعلام أن العراق بخير يكفي البحث عن"بلوغ عراق"على"غوغل"لمعرفة ما يعيشه يومياً العراقيون بعد خمس سنوات من الاحتلال. رامي شاب لندني من أصل لبناني يستطيع أن يعدّ عشرات المدونات لشبان وشابات لبنانيين من مختلف الأحزاب والانتماءات، فهو يقرأ لهم يومياً ويناقشهم وينتقدهم على مدوناتهم. حين تتحدث مع رامي تنسى ان هذا الشاب العشريني في لكنته اللندنية لا يعرف لبنان إلا من خلال زيارتين قام بهما مع أهله منذ سنوات. رامي الآن مطلع على أحداث لبنان السياسية والاجتماعية ويخيل إليك أنه على علم بما يدور في شوارع بيروت ونواصيها على رغم أنه لا يعرف تلك الشوارع. وحسناً فعل رامي فتعرّفه الحقيقي الى وضع لبنان لن يأتي من كتب التاريخ التي تتغنى ب"المير"بشير واستقلال لبنان نافية تاريخنا الحديث الذي ما زال يهددنا حتى الآن. في منطقة ساخنة كمنطقتنا يتبدل التاريخ بسرعة هائلة. وبلادنا كالمراهقين تصارع نفسها والعالم في الوقت نفسه. وان رفض المؤرخون الكتابة والتدوين خوفاً من الفتن كما يقال دائماً، صارت الناس اليوم تهرع إلى المدونات لتكتب وتقرأ من الداخل ومن أصحاب العين الشاهدة. فليعتكف المؤرخون مهما شاؤوا، نحن سنتابع أخبار بلادنا مع الملايين حول العالم على مواقع مثل"الكترونيك انتفاضة"،"الكترونيك لبنان"و"الكترونيك عراق"!