نشر أحمد زين مقالاً في"الحياة"الاثنين 17 آذار/ مارس الجاري عن المعرض الدولي للكتاب في الرياض والوقائع الثقافية التي صاحبته ومشاركتي فيها، وكان العنوان الفرعي"اعتذار الغيطاني"، والمقصود اعتذار عن آراء معروفة لي حول الوهابية والحركات السلفية، وكذلك عن واقعة أخرى تتعلق بغضبي في ندوة جرت في المعرض ولكنه لم يذكر سبب الغضب. كلمة اعتذار غير دقيقة، ويهمني توضيح الإطار الذي تمت فيه الزيارة وما لم يذكر من الوقائع. - بداية، أتابع ما يجري في المملكة العربية السعودية كما أتابعه في مختلف الأقطار العربية انطلاقاً من اهتماماتي كمثقف، وكرئيس تحرير لپ"أخبار الأدب"تنطلق من رؤية شاملة للثقافة العربية، ومنذ صدورها تنشر بانتظام النصوص والمتابعات للأدب السعودي، كما تنشر نصوصاً من الأقطار كافة، ونلاحظ تطوراً ايجابياً وشاملاً يقوده جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وعندما استطلعت الإذاعة البريطانية رأيي في أهم شخصية ثقافية للعام الماضي ذكرت جلالته، وكانت مبرراتي ما أتابعه من خطوات وئيدة لكنها بعيدة التأثير في رأيي، وأذكر على سبيل المثال الجائزة الخاصة بالترجمة التي أُطلقت أخيراً، والموجهة الى المترجمين من وإلى اللغة العربية وحضرت إعلانها من الرياض للمرة الأولى. هذه التطورات التي أشعر بها من خلال المتابعة كانت دافعي الأول لتلبية دعوة وزارة الثقافة والإعلام لحضور انشطة معرض الكتاب في الرياض، وقد شاركت في ثلاث ندوات بالمعرض، والنادي الأدبي بالرياض، والجامعة. - جاء في تقرير أحمد زين انني غضبت وهددت بحمل حقائبي والرحيل في ندوة المركز والأطراف في المعرض، لكنه لم يذكر السبب، وأنبه الى أن إثارة الحساسيات بين شعوب الأقطار العربية أمر بالغ الضرر خلال هذه المرحلة التي تتعرض فيها الكيانات الأساسية للعالم العربي لخطر التهديد والتقسيم وتأجيج الصراعات المذهبية والعرقية، ونموذج العراق أمامنا. لقد تحدث أحد الحضور بما يمس كرامة الشعب المصري كله، وأجبته بما يجب، وهذا مصدر انفعالي. التسجيل بالصوت والصورة موجود ولا أريد الخوض في ما يثير الحساسيات، ويجب القول ان الرجل اعتذر بشجاعة وانتهى الأمر. - في النادي الأدبي سأل أحد الحضور عن آراء لي حول نشاطات الأمير الوليد بن طلال والوهابية، وقلت انني لم أربط قط بين الأمرين، لقد أبديت آراء في المباني التي يشيدها من خلال مشروعاته ولم أتعرض لشخصه، كذلك لم أقل قط ان رؤيتي حول الوهابية مشوشة. لم أستخدم هذا اللفظ اطلاقاً. ولم أعتذر، وكان بين الحضور صديقي العالم المصري الدكتور محمد النشائي، وداعبته قائلاً إنه قدم لي كتباً تثبت ان الحركة الوهابية كانت حركة إصلاحية، وأننا في نقاش دائم حول الأمر. - في جامعة الرياض، أبرز أحد الحضور مقالاً لي حول تراجع مدرسة التلاوة المصرية، امام المدرسة السعودية، وتفضيلي الأذان التركي، ورأى في ذلك تناقضاً حول ما أدافع عنه من وحدة الثقافة العربية وضرورة تماسكها، وأكدت ما ورد في مقالي خلال حديث طويل، تخللته حوارات، وأكدت ان موقفي ليس فيه أي تناقض. لكن محاولة تسييد مدرسة واحدة أو اتجاه واحد أمر ضار، ثم انني حر في الإعجاب بما أشاء، وإعجابي بالأذان التركي من مقام صبا دليل على عدم عنصريتي. ما اريد التأكيد عليه، أن آرائي معلنة، خصوصاً موقفي من التيارات السلفية التي تستهدف حرية الإبداع الفكري والعلمي، سواء كانت وهابية أو من أي تيار آخر، وأن آرائي تلك مبدئية، ولا أبدلها ولا اغيرها. لا تحت ضغط، ولا طبقاً للمكان الذي أوجد فيه أو الزمان الذي أتحدث فيه. إنني حريص على التواصل مع مراكز الثقافة العربية في زمن صعب، بحكم دوري العام، وعلى رغم متابعتي من القاهرة للواقع الثقافي في المملكة إلا ان زيارتي جعلتني أكتشف جيلاً جديداً من المبدعين لا نعرف عنه شيئاً في القصة والشعر والبحث الأدبي، جيلاً ينمو في ظروف صعبة، ولا علاقة له برؤية الغرب التلصصية على المجتمع السعودي من خلال الأدب، ومن واجبي ان أقدم نتاجه وأن أعرف به، هذا ما أقوم به مع زملائي منذ ستة عشر عاماً من دون زيارة المملكة، لكن زيارتي ستدعم جهودنا، لقد وقفت على جهود في المجال العلمي غير معروفة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم، ويكفيني اكتشاف علماء مثل الدكتور محمد السويل، والدكتور صالح العذل، والباحثة المفاجأة الدكتورة فاطمة الوهيبي، وغيرهم. قوبلت بحفاوة حقيقية من اصدقاء قدامى وجدد، وتحمل آخرون ما أبديته من آراء برحابة صدر، اولئك الذين يعرفون انني لا أنطلق من تعصب عنصري أو طائفي أو فكري، وأنني مدرك لتنوع التيارات والاتجاهات في المملكة، وإذا كانت لي آراء سلبية في اتجاه معين فهذا لا يعني موقفاً عاماً من بلد عريق وهام، وأشير الى بعض من أثاروا اللغط حول اسباب الزيارة ? وقد شرحتها ? والبعض الذي يلتقط كلمة أو جملة خلال حديث ليدلل على ان هذا المثقف المختلف جاء تائباً أو معتذراً، وبالطبع هناك معنى كريه كامن يتلخص في ان الزيارة من اجل العطية، والملاحظ ان هذا الأمر تكرر مع أسماء مرموقة. هل أخرج من هذه التجربة بالندم على تلبية دعوة وُجّهت إليّ، والتنبيه الى ما يمكن ان يحدث مع آخرين في المستقبل؟ هل أدخل في جدل رخيص مع بعض الذين استهدفوا الإساءة والتشويه"؟ بالتأكيد لن أقدم على هذا، بل اؤكد سعادتي بتلبية الدعوة، وحرصي على الحوار، وتأدية واجبي كمثقف مشتغل بالعمل العام. * كاتب مصري