ياسر شعبان روائي مصري يريد في روايته "أبناء الخطأ الرومانسي" منشورات الاختلاف/ الدار العربية للعلوم - الجزائر، بيروت - 2008، تجاوز ما اتفق عليه نقاد الرواية العربية الحديثة من شروط فنية، وكأنه بذلك يعبّر عنها ومن خلالها الى ما بعد الحداثة! أي انه جرّدها من السائد الذي عالجته الرواية العربية منذ نشأتها ما بين الشكل والمضمون، مساهمة منها في نقل واقع المجتمع، أو ما يمكن تخيله للبديل الأفضل، أو فضح العيوب، والشوائب التي تحاول هدم الكيان... فتأتي الرواية لتبني بعد الهدم. يتعذَّر عرض رواية ياسر شعبان كما هو السائد في نقد الرواية، أولاً وأخيراً، لأنها جاءت مجازية المعنى في عنوانها، وتجاوزية في الشكل والمحتوى. إنها لعبة فنية - يبدو أن الراوي حاول أن يؤسس لأسلوب جديد في كتابة الرواية، بأسلوب علمي غامض قائم على الرموز، فضاؤها المطلق، تتداخل فيها حركة خفية للزمان والمكان، ليأخذ الحدث فسحته متفَلتاً من شروط العقدة، بعيداً عن الأسماء والتسميات معتمداً على التماهي والإيجاز في سرد متداخل، مركّب، مفكك البنيان النفسي، وإن أخذ الجنس مقامه الأول ليكون العمود الفقري للنكوص النفسي حيث فرويد ورولان بارت وكافكا وآلان روب غرييه وموريس بلانشو هم الخلفية المؤثرة في واقع التحليل، والتحليل النفسي والفصام، والتوحد والاغتصاب بناء على الرموز، لأن الإرهابيين راكنون خلف المتراس لنصر حامد أبو زيد ولليلى مراد وفمها تشبيهاً بفتحة فخذي ابن الرابعة عشرة المراهق الذي يقتحم مغامرة الجنس مع البنت التي قادته الى"الغواصة"ورمزها عند المؤلف الغرفة التي يختليان فيها، وليكون موت السادات عنواناً رومانسياً لمشهد الموت، وموت عبدالحليم حافظ نزفاً مؤلماً لحالمٍ بالحياة معبود الجماهير! رواية فيها المختلف بتجريد مؤلفها من عناء كتابة المقدمة لأنه لا يؤمن - كما يبدو - بكتابة البيانات التي يشرح فيها رؤيته لأدبه، وبذلك حرم القارئ من سهولة فهم لجوهر ما يكتب، وكأنه وضع على عينيه شريطاً أسود ليتركه في عتمة يتخبط وحيداً في تحليله لما يقرأ، أو ليدع للناقد مهمة الشرح لينوب عنه في التوضيح، لأن القارئ العادي ليس كفءاً ليفهم المغازي والغموض والألغاز والكوابيس التي صوّرها بين الهذيان والهذر والهلوسة التي اكتست بها لغة التوابيت وتلك الجمجمة المثقوبة والرصاصة التي انطلقت من فوهة بندقية القناص، من صور هذه السادية وغرابة المشهد لممارسة الجنس بين جسد ميت في تابوته وجسد حي والمكان هو المشرحة والزمان هو الليل! تبدو الرواية - ليس فقط من دون مقدمة - دون أن يهمل الإهداء الذي اكتفى به ليدلل فيه على أكثر من معنى، فالجزء الأول جاء في ثلاثين صفحة، كتمهيد لبشاعة الإنسان وهواجسه، وليكون الجزء الثاني بعنوان"الذي أصبح جثة/"الإنسان يبحث عن مبررات وجوده"ثلاثة أخطاء/ حددها في مدخل لفهم عناصر الفعل الإنساني"بكل ما فيه من علاقة ربطها بپ"للبيدو"تارة وبپ"الغريزة"طوراً، وبپ"المرض النفسي"حيناً وبپ"الفصام"وپ"التوحد"وپ"التواطؤ"أحياناً. في حين أنه ترك للجزء الأخير"الذي أصبح مفلتاً/"الإنسان يحاول أن يتناسى مبررات وجوده"ليدخلنا في عملية التنويم المغناطيسي الذي اعتبره فن"الإيحاء"وپ"الإغواء"وهو على"قدر كبير من التواطؤ"لما فيه من استلاب وتحدٍ للإرادة قاصداً به تدلل المرأة التي لا"تمنح نفسها للذكر ببساطة حتى ولو كانت ترغبه بشدة...". والفكرة هنا خلاصتها"ضعف الإرادة البشرية"وپ"قصور ذاكرة الإنسان"في مظهر الرغبة عند اللمس وپ"حالات الانهيار"في مسار"الكذب"؟ حيث ربط قيمة الجسد بالتفلت ما بين الرجل أو المرأة، كفعل رومانسي وكأن روميو وجولييت هما النموذج لفعل الانتحار كعمل رومانسي! أو كموت السادات تحديداً من المقلب الآخر. بهذا المعنى حاول استبدال"الوجود الواقعي المادي"بپ"وجود خيالي"وپ"الذي أصبح مفلتاً"،"فهو المخلوق الذي نشأ وعاش في وجود هذه الأشياء". وهنا أدخل صورة تطاير الصواريخ في جنوبلبنان والعراق وانفجار القنابل في الأطفال لأن إسرائيل حوّلت عملها الرومانسي، باعتقادها، الى إجرام محقق ضد الآخر! لقد تعدّت صورة بكل رموزها بحالة"الخيانة"كتواصل لفن الكتابة حتى عن الأطفال المصابين بالسرطان... انها صور مجازية مرموزة يلزمها تحليل معمق لغموضها وهو يلزمنا أن نصغي الى صدى أحلامه، وهواجسه، وهلوسته في ما حبكه من عقد مترابطة دون أن يقدم لها حلولاً، بعدما تشابكت فيها المشاعر الذاتية بالموضوعية، والذاتية بنفسها خاف على نفسه منها فيقول:"والله - أنا مرعوب من هذه الألعاب، لدرجة انني قرأت روايتي"أبناء الخطأ الرومانسي"، والتي ما زلت أكتب فيها، فوجدت بها ما يمكن أن يحولوه ببساطة الى أدلة على عبادة الشيطان، ببساطة يختزلون كل شيء الى ممارسة الجنس في أماكن الموت وفي وجود موتى..."ص 151. ان تبريره هذا يعتبر جزءاً متداخلاً في ما حملته هذه الرواية من أخطاء غير مقبولة في الحضارة الحالية، وقد ربطها بپ"الموت الرومانسي"وپ"الموت المعنوي"وپ"الموت الفكري"وپ"الموت العبثي"وپ"الموت الواقعي"وپ"الموت الفيزيقي"ص 155. مثل هذا العمل التقمصي بكل صورة فيه"علاقة نزف"لحياتنا المدهشة القائمة على التوحد والتواطؤ، والتماهي بكل ما فيها من خيبات وأحزان، وخيانة وسقوط. بالنتيجة حاول ياسر شعبان أن ينقلنا من بساطة المشهد وحبكة العقدة في سرده الى بحث جديد عن لغة جديدة لمحتوى مختلف غريب بمشاهده، مفزع لأن الصيرورة فيه لا تحتمل التصديق أو لأنه يضع الشك قبل اليقين. والخلاصة انها رواية معقدة، متداخلة، غامضة الأبعاد، حوّل فيها الخطأ الى عمل رومانسي.