افتتح في متحف اللوفر الباريسي أمس، معرض فريد هو الاول الذي يقام حول مدينة بابل في فرنسا جامعاً 400 قطعة اثرية متنوعة وثمينة أحضرت بشكل اساسي من متحف الشرق الادنى في برلين ومن متحف"بريتيش ميوزيوم"في لندن وضمت اليها مجموعة اللوفر الخاصة بالحضارة البابلية. واستفاد المعرض بإعارات استثنائية من مجموعات توزعت على 13 بلداً . ويهدف المعرض الى إحلال نوع من المصالحة بين التاريخ والحكاية في ما يخص بابل التي عاشت نحو خمسة آلاف سنة ولا تزال موجودة حتى اليوم الا ان الجيش الاميركي حولها قاعدة عسكرية. ويثير اسم بابل والحضارة البابلية في الذاكرة الجماعية الغربية مكاناً معلقاً بين الاسطورة والواقع تماماً كجنائنها المعلقة التي صنفت بين عجائب الدنيا السبع وبرجها الذي تخيله الفنانون ورسموه. ويتضمن المعرض عدداً من الادوات التي تدل على الدور الكبير التاريخي والثقافي الذي لعبته المدينة القديمة حيث ولد اول قانون في العالم، هو قانون حمورابي الموجود ضمن المعروضات. وتكمن اهمية معرض باريس في كونه يرسم، وان بصعوبة، صورة واقعية لمدينة يظل كل ما وصل منها من آثار مجزأة وغير مكتملة بينما المعارض الاوروبية السابقة لم تهتم بإظهار الحقيقة الفعلية والتاريخية لبابل. ويبرز المعرض هندسة المدينة وسورها في اشارات وعلامات حملها علماء الآثار خصوصاً الالمان الذين عملوا بداية القرن العشرين في الحفريات في بابل. ويُمكّن المعرض ايضاً من اكتشاف اعمال وكتابات مسمارية لم تعرض ابداً في فرنسا بالاستناد الى آثار تُبين كيف مر تاريخ المدينة الاستثنائي بأربع مراحل كبيرة. يقسم المعرض الى ثلاثة اقسام موزعة على نحو متسلسل تاريخي يقدم المدينة ومميزاتها من الازمنة القديمة لغاية القرن العشرين ثم ينتهي بمحاولة لإعادة اكتشاف الحضارة البابلية على ضوء آخر ما توصلت اليه الحفريات. يركز القسم الأول على مرحلة حكم حمورابي بابل في بداية القرن الثامن عشر قبل الميلاد، اذ تحولت المدينة الى مركز للامبراطورية وعاصمة للدين والثقافة فتمحور بناؤها حول المعابد خلال نحو 2000 سنة . وحفظت الآثار من هذه الفترة منحوتات وتماثيل وادوات نحاسية ونقوشاً واقواس نصر ومسلات وشواهد قبور ومجوهرات وخرائط. ويتمحور القسم الثاني حول مرحلة الالف الثاني ق.م حيث شهدت بابل تراجعاً سياسياً لكنها بقيت مركزاً ثقافياً دولياً تنشر تعالميها وكتاباتها في زمن كانت فيه اللغة البابلية لغة الدبلوماسية والثقافة من ايران الى مصر. وتؤكد قطع المعرض اهمية التعامل التجاري بين منطقة الشرق الاوسط وانتشار ملحمة جلجامش والمواضيع الادبية الكبرى. امّا الجزء الثالث فيتعلق بمرحلة نبوخذ نصر حيث بلغت الحضارة البابلية أوجها بين عامي 605 و562 قبل الميلاد بعد انحلال الامبراطورية الاشورية وعودة الاولوية لبابل التي تحولت قطباً عالمياً يتخطى تأثيره المنطقة. وأعطى نبوخذ نصر لعاصمته عظمة لا تضاهى. وقد أظهرت الحفريات أعمالا غنية في الزركشة والديكور على الحجارة والطوب الملون. واشتهرت بابل بعلومها قانون الوزن والمقاييس وعلوم التنجيم والرصد وما نقله العلماء الكلدانيون الى الغرب: الاضلاع السداسية وتقسيم الدائرة الى 360 درجة والتقويم السنوي.