تتجه وتيرة العمليات العسكرية التركية في شمال العراق الى المزيد من التصعيد وسط تعقيدات الموقف السياسي الذي يرى فيه الأكراد"بروداً"حكومياً وأميركياً، ملمحين الى أن الاجتياح يتحول الى وسيلة ضغط لتليين مواقفهم من القضايا العراقية الداخلية، في اطار الصراع بين بغداد وأربيل. وبرزت على الأرض في مناطق الزاب وبالندا وقضاء العمادية، للمرة الأولى منذ اسبوع، احصاءات سرّبها قياديون اكراد عن مقتل حوالي 157 مقاتلاً من حزب"العمال الكردستاني"و30 عسكرياً من الجيش التركي الذي توغل أمس باتجاه منطقة العمادية المتاخمة للحدود. وأبلغ القيادي في"الاتحاد الوطني الكردستاني"بدرخان السندي"الحياة"ان"الجيش التركي توغل الى عمق أكثر من 10 كلم داخل الحدود"، موضحاً ان الدبابات وصلت امس الى أحياء كلي وبالندا وعدد من القرى العراقية شمال قضاء العمادية. واضاف ان الظروف الجوية السيئة دفعت الاتراك الى التراجع عن المواقع التي احتلوها بسبب تساقط الثلوج. ويعتقد القادة الأكراد في العراق ان العمليات تتم بالتنسيق مع الجيش الاميركي ما يبرر مخاوفهم من تحولها الى وسيلة ضغط سياسية لتليين مواقفهم في قضايا مثل عقود النفط وكركوك. وقال كمال كركوكي، نائب رئيس البرلمان الكردي أمس إن"دور بغداد ضعيف جداً والعراق دولة ذات سيادة وله الحق في الدفاع عن نفسه". لكن مسؤولين في الحكومة المركزية قالوا في اتصالات مع"الحياة"امس، ان الاكراد"يبالغون في تحميل بغداد مسؤولية العمليات التركية"، مشيرين الى أنها"تمت في الاصل بموافقتهم في اطار صراعاتهم غير المعلنة مع حزب العمال التركي حول تمثيل القومية الكردية وأسلوب ادارة الصراع لضمان أهدافها". وعلى رغم ان الحكومة العراقية تجاوزت أمس خلافاتها مع اقليم كردستان بإدانة الاجتياح التركي لحدود الاقليم، مطالبة بسحب فوري للقوات، إلا أنها لم تحاول التحرك أبعد من الإدانة، نظراً الى ضعفها ومسايرتها التنسيق الأميركي - التركي في الحرب، وبسبب الخلاف على حقول النفط والموازنة مع اقليم كردستان وما يوصف ب"التعالي"الكردي على حكومة المركز والسعي الى تجريدها من أي سلطة على حدود الاقليم. وتسود مدن الاقليم الكردي، الذي يشمل محافظات السليمانية واربيل ودهوك وتحده ايران شرقاً وتركيا شمالاً، قناعة بأن مقاتلي حزب"العمال"سينتقلون في النهاية الى مناطق نائية داخل المثلث الحدودي، حيث توفر سلسلة جبال قنديل المعقدة فرصاً للتنقل عبر الحدود ومن ثم العودة بعد نهاية العملية. لكن الخيار الأصعب بالنسبة إلى السياسيين الأكراد هو تغيير حزب"العمال"استراتيجياته تحت الضغط العسكري للانتقال الى داخل اقليم كردستان طلباً للحماية، ما يرتب وضعاً غاية في التعقيد يضع الأكراد أمام خيار ضرب عناصر الحزب الفارين وخسارة التعاطف الشعبي معهم داخلياً وتقويض المشروع القومي الكردي باستعداء أكراد تركيا، أو توفير ملاذات آمنة لهم، ما يفتح المجال لتوغل تركي أكبر في أراضي الاقليم وتوسيع نطاق العمليات، ما يهدد بخسارة مكتسبات التجربة الكردية في العراق. وعلى رغم ان خيار الحوار لحل القضية سلماً مطلب عراقي واقليمي ودولي، إلا أن اللجوء اليه لا يقل تعقيداً، لأنه يتطلب تغييراً كاملاً في النظرة التركية الى المسألة، وتقديم أنقرة تنازلات للحركات الكردية المتمردة، وهذا غير متوفر على المدى المنظور، إذ أن حكومة حزب"العدالة والتنمية"التي أتاحت للأكراد بعض التسهيلات غير مستعدة لتقديم المزيد اليهم، في ظل التوازنات القائمة بينها وبين المؤسسة العسكرية، لذا تفضل توسيع دائرة الصراع وتحقيق نتائج مباشرة، وهذا في متناول إمكاناتها حتى الآن.