تثير الأزمات المتتالية التي تعرّضت لها "الصحوات" السنية في العراق، مؤخّراً، تساؤلات عما إذا كنا أمام مرحلة انتكاس وتراجع هذه"الصحوات"، بعد مرحلة صعود متتالٍ لها، وتحقيقها تقدماً ملحوظاً على المستوى الأمني، من خلال بسط الأمن في بعض المناطق السنية في بغداد والأنبار وغيرها، أم أنّنا أمام مرحلة انتقالية مغايرة للمرحلة السابقة. أحد ملامح الخلاف برز مع ظهور ثامر كاظم التميمي"أبو عزام"قائد"صحوة"أبو غريب، وهو من القادة الميدانيين سابقاً في"الجيش الإسلامي"، على فضائية العربية، وحديثه الصريح عن"الصحوات"وعلاقتها بالأميركيين والدعم الذي تحظى به من الفصائل المسلّحة، وبصورة خاصة من"الجيش الإسلامي". أمير"الجيش الإسلامي"، أمين الجنابي، الذي يقيم في دمشق، شعر بالإحراج من تصريحات أبي عزام وبادر إلى إصدار بيان يتبرأ فيه من الرجل، على الموقع الرسمي للجيش الإسلامي، ويؤكد عدم معرفته به. وهو البيان الذي عكس بصورة واضحة تنامي الخلافات داخل"الجيش الإسلامي"بين تيارين"الأول الذي يمثله"امير"الجيش ويشرف على الموقع الرسمي له ويقوم بالدور الإعلامي، وأغلب نشاطاته في العاصمة السورية، دمشق، وله تأييد داخل خلايا الجيش في العراق، والثاني تمثله القيادات الميدانية للجيش، ومن بينها أبو عزام وأبو أطياف وغيرهما. وتقول مصادر مطّلعة في الجيش أنّهم يحظون بتأييد"ابو حنان"أو أبو علي الخليفاوي، أحد مساعدي الجنابي، ويترددون إلى الأردن بين فترة وأخرى. أبو عزام، وفي تصريح خص به"الحياة"، قال إنّ موقف الجنابي بالتبرؤ منه يعكس تأثير دمشق على العديد من الفصائل المسلّحة،"ذلك أنّ مشروع الصحوات العشائرية التي يقود جزء منها الجيش الإسلامي، لا يخدم الأجندة الإيرانية والسورية التي تهدف إلى إدامة القتال مما يشكِّل ورقة من أوراق الصراع مع الإدارة الأميركية". وأشارت مصادر داخل الجيش الإسلامي إلى أنّ أبو عزام هدّد الجنابي بعد نشوب الصراع الإعلامي بينهما بأنّه سيقود حركة مع قيادات الداخل الميدانية لفصل قيادة الخارج وتحجيمها. وقد شارك أبو عزام مؤخراً مع قيادات في"الجيش الإسلامي"في تشكيل كيان سياسي جديد"الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية"سيتم الإعلان عنه قريباً، ويشارك في عملية التأسيس الطبيب مدير الهلال الأحمر العراقي جمال الكربولي، الذي يقيم في عمان، ويضم الكيان الجديد فصائل في"المقاومة"وعدداً من الصحوات. فيما لا يزال أمير"الجيش الإسلامي"متردداً في الإعلان رسمياً عن الموافقة على الكيان الجديد، وإن كانت تصريحاته الأخيرة ل"الحياة"تشير إلى اقترابه من القبول بالخط السياسي. مصدر مطّلع ومقرب من الفصائل المسلّحة العراقية، أكّد أنّ هنالك بالفعل مرحلة مخاض من ناحية، وأنّ هناك خلافات داخل"الجيش الإسلامي"من ناحية اخرى، ورأى هذا المصدر أنّ الفصائل العراقية المسلّحة الآن هي بين ثلاثة اتجاهات"الاتجاه اليميني، ويمثله تنظيم ما يسمى ب"دولة العراق الإسلامية"التي تضم القاعدة في العراق، والثاني ما يسمى ب"المجلس السياسي للمقاومة العراقية"، ويمثل الجيش الإسلامي وعدداً من الفصائل، والثالث هو الذي لا يزال يصر على الخط المقاوم بصورته الوطنية، لا الأممية، وتمثله"جبهة الجهاد والتغيير". "أبو عمر البغدادي خلف القضبان"! الاتجاه الأول،"القاعدة"، ضعف كثيراً خلال الشهور الأخيرة، وانحسر تأثيره وحضوره في صورة لافتة، لكنه يصر على استمرار واستئناف المعركة ضد الأميركيين والحكومة العراقية، مرتبطاً بسياق الحرب الأممية بين"القاعدة"والولايات المتحدة الأميركية. وقد حوّلت"القاعدة"بوصلة عملياتها وأعادت ترتيب أوّلوياتها بحيث جعلت من"الصحوات"السنية هدفها الأول، بعد أن تمكنت هذه"الصحوات"من إضعاف"القاعدة"داخل المجتمع السني وملء الفراغ الذي خلفته، بحيث انحصر نشاط"القاعدة"في الموصل وبعض الأحياء والمناطق في بغداد. في المقابل شكّلت"القاعدة"ما يسمى بكتيبة الصدّيق وعززت من الجانب الأمني في مواجهة"الصحوة"، وقد استطاعت قتل عدد من زعماء. وتؤكد مصادر مطّلعة أنّ أمير ما يسمى بدولة العراق الإسلامية، هو شخصية وهمية، أو رمزية، وأنّ من يمارس دوره هم ثلاثة اشخاص، الأول هو محارب الجبوري، الناطق باسم"دولة العراق الإسلامية"الذي قتلته القوات الأميركية في أيار مايو العام الماضي، والثاني هو خالد المشهداني أبو شهد، المعتقل حالياً لدى القوات الأميركية، وكان يعرّف عن نفسه بأنّه سكرتير"أبو عمر البغدادي"، فيما الشخص الثالث لا يزال طليقاً ويدعي"أبو عبيدة"أو"أبو أسامة"، ويتولى ما يسمى بحقيبة الدفاع داخل"دولة العراق الإسلامية". أمّا البيانات التي تصدر بصوت واسم البغدادي فهي بصوت شخص آخر، لا علاقة له بالقيادة الفعلية. وتؤكد مصادر متعددة داخل الفصائل السنية المسلّحة أنّ الولاية الحقيقية ودفة القيادة لا تزال بيد"أبو حمزة المهاجر"، وأنّه هو من يتخذ القرارات المصيرية، وهو ما لمسته تلك المصادر من خلال تواصلها مع قيادات في القاعدة. الصحوات.. تحولات جديدة على الطرف المقابل"فإنّ"الجيش الإسلامي"، الذي يمثل طيفاً واسعاً من التيار السلفي العراقي، قد دخل في عملية تحول بنيوية خلال الشهور السابقة، بدءاً من منتصف العام 2007، عندما ساهم في تشكيل"الصحوات"العشائرية السنية، بالتنسيق بين بعض قياداته وبين القوات الأميركية، وذلك نتيجة تنامي قناعة في أوساط القادة الميدانيين في الجيش أنّ"الاحتلال الصفوي الإيراني"هو أخطر من"الاحتلال الأميركي"وأنّ قتاله أولى من قتال الأميركيين. ونظراً لتعذر الدخول في حرب على الجبهتين، فلا بد من هدنة مع الأميركيين وفتح الجبهة مع الإيرانيين، حماية لهوية بغداد السنية. ويقول أبو عزام ل"الحياة إنّ"فصائل المقاومة العراقية قاتلت الأميركيين نيابة عن الإيرانيين أربعة أعوام، وأنه آن الآوان لتصحيح هذا الخطأ الاستراتيجي". ولا يخفي"أبو عزام"علاقته بالأميركيين، في سياق تنسيق عمل"الصحوات"، وبالتحديد"صحوة أبو غريب"التي يقودها وتتشكل من آلاف المقاتلين، الذين يأخذون مستحقات شهرية تصل إلى 300 دولار للعنصر الواحد من القوات الأميركية، لكنه يشكو من بطء الأميركيين وعدم استجابتهم لكثير من مطالبه، خصوصاً تحويل أفراد"الصحوات"إلى عناصر في الشرطة العراقية، ما سيؤدي إلى توازن داخل المؤسسة العسكرية والأمنية من ناحية، وإلى زيادة رواتب هؤلاء الأفراد إلى 600 دولار شهرياً أسوة بأفراد الشرطة والجيش. إلاّ أنّ الفترة الأخيرة شهدت خلافات داخل"الجيش الإسلامي"، وأدت إلى قيام خلايا منه بعمليات عسكرية ضد القوات الأميركية، خارقة بذلك الهدنة مع الأميركيين، ما أحرج أبو عزام ومجموعته، وقد تزامن ذلك مع بروز خلافات شديدة بين"الصحوات"و"الحزب الإسلامي"في بعض المناطق من جهة وبين القوات الأميركية من جهة أخرى. ومن الواضح أنّ هناك حالة من الغموض في طبيعة المرحلة الحالية. فهناك تيار واسع داخل"الصحوات"والفصائل المسلّحة يسعى إلى بناء كيانات سياسية جديدة تمثل الصحوات والفصائل المسلحة، وهي قفزة نوعية جديدة، بعد تشكيل"المجلس السياسي للمقاومة الإسلامية"، باتجاه التخلي عن مقاومة الاحتلال الأميركي والتركيز على مصالح السنة العراقيين في مواجهة ما يعتبره أبو عزام نفوذاً إيرانياً متضخّماً. وقد مضى هذا التيار خطوات في بناء الكيان السياسي المطلوب، وهناك حوارات داخل الفصائل المسلحة المرتبطة به الجيش الإسلامي وجيش الفاتحين والهيئة الشرعية لأنصار السنة وجيش المجاهدين... وتؤكد مصادر داخل هذا التيار أنّهم بصدد إصدار بيانات تأسيسية وسياسية وفتاوى دينية تمنح الشرعية الفقهية والفكرية لهذا التيار ولمشروع الصحوات السنية، إلاّ أنّ هناك إقراراً بأنّ الصحوات ستتوزع بين كيانات سياسية عدة، وهو ما يخلق مشاريع سياسية سنية متباينة في الفترة القريبة. سبق عملية تأسيس"الحركة الوطنية للتنمية والإصلاح"، تأسيس أحمد أبو ريشة زعيم صحوة الأنبار لكيان سياسي، بدعم خاص من الأردن، فيما يرى مراقبون أنّ هذا الكيان يعاني مشكلات بنيوية، وصراعات بين أقطابه الرئيسية، ومحاولات اختراق من الحزب الإسلامي، وهو ما دفع بأحد قادة"صحوات"الأنبار، حميد الهايس، إلى تهديد مقرات"الحزب الإسلامي"داخل الأنبار، وهي التصريحات التي أثارت جدلاً سياسياً واسعاً بين الطرفين. وتشير مصادر مقربة من"الجيش الإسلامي"أنّ"الحزب الإسلامي"يحاول إعاقة بناء وتشكل الكيانات السياسية الجديدة، إذ يريد الاحتفاظ بصفته الممثل الوحيد السياسي لأهل السنة في العراق. مع التذكير أنّ"الحزب الإسلامي"يمثل الاتجاه الإسلامي- الإخواني في المقابل يمثل الجيش الإسلامي وبعض الصحوات الاتجاه الإسلامي- السلفي. كتائب ثورة العشرين بين القاعدة والصحوات لا تزال كتائب ثورة العشرين والمقرّبة من الخط السياسي لهيئة العلماء المسلمين، وكذلك"جيش الراشدين"تحتفظ بأفكارها ومواقفها السياسية السابقة، بقتال الاحتلال الأميركي والتعجيل برحيله. وعلى رغم إقرار هذا التيار بخطورة النفوذ الإيراني إلاّ أنّه يرفض التعاون مع الأميركيين وفكرة"الصحوات"العشائرية. لا تنكر مصادر مقرّبة من هذا التيار أنّ الفصائل المسلّحة التي تمثله قد ضعفت في بنيتها وحضورها، خلال الفترة الأخيرة، بسبب هيمنة"الصحوات"على المناطق السنية، ودخول عدد كبير من شيوخ وأفراد العشائر في"الجيش الإسلامي"تحت غطاء الصحوات، وبسبب نضوب الدعم المالي والعسكري، وبسبب التراجع الكبير في عمليات جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والذي كان يشكل استفزازاً لأهل السنة ويدفعهم إلى القتال مع الفصائل المسلحة. لكن الرهان الحقيقي لهذا التيار، وفقاً للمصادر المذكورة، هو على وصول"الصحوات"العشائرية إلى طريق سياسي مغلق، وإلى ارتكابها أخطاء شبيهة بأخطاء"القاعدة"، أدّت إلى انفضاض الحاضنة السنية عنها. يبدو واضحاً أنّ هناك إرهاصات لمرحلة جديدة تمر بها الفصائل السنية المسلّحة بصورة خاصة والمجتمع السني بصورة عامة، ويمكن أن نطلق عليها مرحلة"ما بعد الصحوات". فالصحوات قد وصلت بالفعل إلى مفترق طرق، بعد إتمام جزء كبير من مشروعها الأمني، فهي أمام احتمالين رئيسين"إمّا الانهيار وعودة الزخم للعمل المسلّح، وإمّا التطور باتجاه مشاريع سياسية جديدة تستوعب الأطياف المختلفة من المجتمع السني. وقد بدأت مشاريع الكيانات السياسية الناشئة تنظر إلى الانتخابات البلدية التي ستجري في حدها الأقصى في تشرين الأول اكتوبر 2008، إذ ستمثل هذه الانتخابات امتحاناً حقيقياً للمخاض السياسي الحالي.