كفوا عن حبكم الأبله فهو يسبب زحمة سير خانقة في لندن. في 14 شباط فبراير لا يمكن جائعاً إيجاد كرسي خال في أي مطعم من المدينة! لا بل سيواجه بنظرات احتقار على باب المطعم الذي يحاول دخوله وبعض من الشفقة لكونه وحيداً في عيد العشاق. فذلك يعني أنه زبون غير مستعد لدفع مئات الجنيهات الاسترلينية في مقابل طبق من المعكرونة وكأس شراب وشمعة حمراء تتوسط الطاولة وتجعل كل من يحيطون بها أشباه أشباح. في الپ"فالنتين"تنتاب الجميع حال توتر، لأن ملايين الناس يحتفلون بهذه المناسبة التي يفترض أنها سعيدة، في المدينة نفسها والليلة نفسها. وكل واحد من هؤلاء يريد أن تكون ليلته الأكثر تميّزاً ومثالية! وهذا الهوس يجعل البريطانيين يصرفون ما يفوق الخمسين مليون جنيه استرليني على الورود في مثل هذا اليوم من كل عام بحسب أرقام صادرة حديثاً، في ظل اهتمام عالمي بپ"أخلاقيات التسوق"وقضايا حقوق العمال والمواد الكيماوية المستعملة وتضرر البيئة. وهذه السنة تحديداً، اعتبر أصحاب محال الورود أن المشترين سيتشجعون على شراء الورود أكثر إذا عرفوا أنها تأتي من كينيا وأن المزارعين هم المستفيدين من البيع بطريقة عادلة، وأنهم في كينيا على رغم وضعهم الأمني المتردي يزرعون الورود في شكل طبيعي ولا يضرون البيئة كما تفعل ورود أوروبا التي تنبت في بيوت بلاستيكية مدفأة. أما أنا فأعتقد أن الطبيعة قد تستفيد أكثر إن لم نحتفل أصلاً بهذا العيد المضجر والمكلف، فلا نملأ المدينة كلها بالقلوب البلاستيكية والألعاب السخيفة التي تستعمل ليوم واحد فقط، هذا ان لم يجن جنون المجلات والصحف في محاولة دؤوبة لنصح القراء بسبل تمضية عيد حب مثالي. هي مناسبة خانقة بلا شك! فمن غير الممكن ارتجال لحظات حميمة لمجرد أن أحدهم قرر أن 14 شباط هو يوم الحب. فذلك يسبب تململاً وفتوراً وربما بعضاً من الكره. نعم الكره! لم أشعر بالكره يوماً مثلما فعلت حين رأيت البطاقات الخاصة بعيد العشاق تجتاح كل زاوية من لندن وقررت الانتقام. فصنعت بطاقة بنفسي لصديقي على غلافها صورة لامرأة عابسة مذيلة بعبارة"كيف تنام ليلاً؟"وفي الداخل"... إنك تدمر حياتي". شعرت بالرضا لصنعي بطاقة كره، فأنا لا أكره حبيبي بالطبع أو بالأحرى حتى هذه اللحظات... لكنني أكره هذا اليوم كرهاً عظيماً وأشعر بتوتر وطاقة سلبية تأتي من كل مكان. فهذا يوم يلخص كل سيئات المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي والعلاقات السطحية واللحظات الرومانسية المفتعلة. أنا لست ممن يكرهون الفرح والتعبير عن المشاعر ولا أدعو إلى منع بيع الورود الحمر في يوم العشاق أو منع العشق أصلاً! لا بل عادة أقفز على أي مناسبة للاحتفال مع من أحب أو لافتعال إجازة من العمل. لكن يوم الحب لا يطاق. مَنْ من اللندنيين يعتقد أن حبيبه سيحبه أكثر إن أتى له ببعض قطع الشوكولاته الملفوفة بورق الذهب القابل للأكل؟ ومن يظن ان زوجته ستضمن له حياة هانئة ورومانسية إن فاجأها بباقة ورد في احدى مقطورات عجلة لندن الشهيرة على ضفاف نهر التايمز؟ وفي المقابل، ماذا تفعل ان لم تحضر هدية لشخص بدأت علاقتك به منذ فترة وجيزة، إذا فاجأك بخاتم ماسي يبهر العينين؟ في تلك اللحظة تشعر بذنب عميق وتوتر عال وتفكر في قرارة نفسك بأن هذا الشخص لا يفهمك ويحرق المراحل، ويتسرع بالعلاقة... كما أنه مزعج وطريقته في تناول الطعام مزعجة! هذا الوهم المصحوب ببعض الشلل الفكري ينتاب اللندنيين في 14 شباط من كل سنة. ويذوب الناس كالجبنة فوق رسائل حب تنشرها صحف لندنية توزع في الشوارع فيما هم يمشون على عجلة لشراء هدية مثالية وثياب مثالية وحجز طاولة مثالية في مطعم مثالي في شارع مثالي، حين ينتبهون فجأة أن الجالس أمامهم ليس بالضرورة الحبيب المثالي!