عاد الهدوء الحذر الى بعض أحياء بيروت التي كانت أمضت ليلة عصيبة السبت - الأحد جراء تجدد الاشتباكات المتنقلة بين محازبين لحركة"أمل"و"حزب الله"من جهة ومحازبي تيار"المستقبل"من جهة ثانية، واستُخدمت فيها كل أنواع"السلاح الأبيض"وتخللها إطلاق نار في منطقة رأس النبع واعتداءات على المحال التجارية والمنازل ما اضطُر المئات من سكانها الذين كانوا خارجها الى قضاء ليلتهم خارج بيوتهم لتعذر وصولهم إليها، فيما سارعت مئات العائلات الى مغادرتها مع عودة الاستقرار التدريجي تخوفاً من تجدد الاشتباكات. راجع ص 10 و11 وسارع الأطراف المعنيون بالاشتباكات الى تبادل الاتهامات والمسؤولية بالتسبب بإطلاق الشرارة الأولى التي امتدت من منطقة الى مناطق أخرى، ولم تتوقف إلا بعد تدخل وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بقوة للفصل بين المتنازعين الذين خلفوا أكثر من 18 جريحاً، 14 منهم يعالجون حالياً في مستشفى المقاصد معظمهم من تيار"المستقبل"والآخرون نُقلوا الى مستشفيات في الضاحية الجنوبية. وتأتي الاشتباكات التي أشاعت حالاً من الهلع والخوف في صفوف سكان العاصمة وجوارها في ظل انعدام أي شكل من أشكال التواصل بين القيادات المعنية مباشرة، سواء أكانت في الأكثرية أم في المعارضة، خصوصاً بعدما بدت وكأنها تتمدد"بكبسة زر"من حي الى آخر محوّلة أحياء كثيرة جزراً أمنية ومشكّلة خطوط تماس، حتى في الزاروب الواحد من العاصمة. وما زاد الأمور تعقيداً غياب وفاق سياسي من شأنه ان يوفر غطاء مطلوباً للقوى الأمنية، وتحديداً للجيش، ليبادر الى التدخل في الوقت المناسب وبالوسائل الرادعة الفعالة لمنع تكرار الاشتباكات مع وجود مخاوف من انتقالها الى شوارع أخرى في العاصمة. وبات سكان أحياء كثيرة في العاصمة يخافون على سلامتهم، ما لم تقر جميع الأطراف بتوفير الغطاء السياسي للقوى الأمنية لملاحقة المخلّين بالأمن، ومنهم أصحاب سوابق، وإحالتهم على القضاء لمحاكمتهم والاقتصاص منهم، لا سيما ان شعوراً بدأ يسود بأن الوضع اخذ يقترب بسرعة من الهاوية وأن منعه من الانهيار بات في حاجة الى معالجة أمنية سياسية غير تقليدية. ولعل أخطر ما في الاشتباكات المتفرقة انها أخذت تسلك منحى خطيراً مع تزايد حالات الفرز المذهبي داخل الأحياء التي سجلت في الساعات الأخيرة التعرض للأبرياء على الهوية. ولم يكن في وسع قيادة الجيش اللبناني إزاء استمرار مسلسل الاشتباكات المتنقلة التي حطت برحالها بعد ظهر أمس في حي الجزار على تخوم مخيم اللاجئين الفلسطينيين في صبرا في محلة طريق الجديدة في اشتباك سقط فيه جريحان أحدهما فلسطيني، قام الجيش بتطويقه بسرعة من دون ان يترك اي مضاعفات، سوى التنبيه في بيان صدر عن مديرية التوجيه فيها الى خطورة ما يحصل والمعبّر خير تعبير عن غياب المسؤولية الوطنية. وأكدت قيادة الجيش أنها لن تتهاون مع المخلين بالأمن ودعت المواطنين الى ملازمة منازلهم وأماكن عملهم وعدم المشاركة في التجمعات في أماكن حصول أي إشكال، كما دعت وسائل الإعلام الى عدم نقل الصور التي تثير حساسية الرأي العام وتذكي نار الفتنة. الى ذلك، لوحظ ان وحدات الجيش لجأت الى استخدام الهراوات والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المخلين بالأمن، لكنها اضطرت منذ الثانية من بعد ظهر أمس الى استقدام تعزيزات بناء على تدبير اتخذته قيادة الجيش بإعلان الجاهزية التامة بإخلاء كل مراكزها من العسكريين وإنزالهم الى الأرض والاكتفاء بإبقاء العناصر المولجة بحراستها. وكشفت مصادر أمنية ل"الحياة"ان التعزيزات التي استقدمها الجيش الى جانب تعزيزات لقوى الأمن الداخلي فاقت كل تقدير وهي تسيّر دوريات في مناطق الاشتباكات وأخرى في المناطق الحساسة والمختلطة لقطع الطريق على انتقال الفوضى إليها. وإذ أكدت المصادر نفسها ان الجيش اللبناني لم يلجأ الى إطلاق النار في الهواء للضغط من اجل وقف الصدامات وأن استنابات قضائية صدرت أمس لملاحقة مطلقي النار في رأس النبع وتوقيفهم، سألت في المقابل مصادر سياسية: إلى متى يستمر العابثون بالأمن في تهديد السلم الأهلي في وقت تتعثر فيه الجهود لإنجاح المبادرة العربية لحل الأزمة في لبنان، بينما يقوم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى - الموجود حالياً في الأرجنتين - من خلال مدير مكتبه هشام يوسف باتصالات مع مسؤولين في تيار"المستقبل"وحركة"أمل"و"حزب الله"داعياً إياهم الى الاستجابة لرغبة الجامعة العربية في سعيها الى تهدئة الوضع في بيروت. وبحسب المعلومات، فإن اتصالات يوسف تلازمت مع اتصالات أجرتها قيادتا الجيش وقوى الأمن الداخلي بمسؤولين في الأطراف المعنيين بالاشتباكات. إلا ان المخاوف من عودة الاشتباك على نطاق أوسع دفعت بقادة الجيش الى تهيئة الأجواء لعقد اجتماع تم ليلاً، بين خالد شهاب من"المستقبل"ووفيق صفا من"حزب الله"وأحمد بعلبكي من"امل"في رعاية مدير المخابرات في الجيش العميد الركن جورج خوري وعدد من الضباط، وبحث المجتمعون في تدهور الوضع الأمني وضرورة وضع حد جذري لمسلسل العنف والفوضى الذي تشهده العاصمة. وتمحورت الاتصالات حول وضع حد للإشكالات الدامية المتنقلة، إضافة الى أنها طرحت تساؤلات في شأن الأهداف الخفية من الاستمرار في إنهاك الجيش واستنزاف قدراته وتقييد تحركه للإمساك بزمام الأمور، وبالتالي المبادرة الى السيطرة على الأرض لإنهاء الوضع الشاذ الذي يُنذر في حال استمر بعواقب وخيمة لن يكون هناك رابح وخاسر فيها طالما ان البلد ككل سيخسر أمنه واستقراره. وفيما تزامنت الاشتباكات المتنقلة التي تأتي في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية مع سفر رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة الى الخارج، فإن الآمال المعقودة على عودة موسى الى بيروت قبل 26 الجاري، وهو الموعد المحدد لجلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، أخذت تتراجع على رغم التزامه الحضور الى لبنان في محاولة لجمع المتحاورين رئيس تيار"المستقبل"سعد الحريري والرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل ورئيس تكتل"التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون الى طاولة واحدة علهم ينجحون في تحقيق اختراق يمهد الطريق أمام انتخاب الرئيس من ضمن الاتفاق على سلة سياسية. وحاول موسى الاتصال ببري لكنه لم يوفق، وكان تردد انه موجود في باريس في زيارة خاصة، خلافاً لتأكيد مصادر في"أمل"انه يشارك في مؤتمر برلماني يُعقد في ألمانيا، وكلف السفير يوسف الاتصال بمعاونه السياسي النائب علي حسن خليل. كما اتصل موسى بالحريري الموجود في الرياض وبالسنيورة قبل مغادرته أمس بيروت متوجهاً الى الكويت ومنها الى لندنفباريس للقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومنها الى برلين. وبالنسبة الى الاتصالات التي أجراها موسى وشارك فيها مدير مكتبه يوسف علمت"الحياة"ان الأول لم يحدد حتى الساعة موعد عودته الى بيروت وإن كان ملزماً بالمجيء قبل موعد الجلسة النيابية في 26 الجاري. وقالت مصادر عربية ل"الحياة"ان موسى يدرس ايفاد يوسف الى بيروت قبل يومين من موعد وصوله لإجراء الاتصالات اللازمة تمهيداً لرعايته الحوار المرتقب بين الحريري والجميل من جهة وعون من جهة ثانية، مشيرة ايضاً الى انه يرى ضرورة للقاء حواري من قيادات الصف الثاني، على رغم ان المعطيات العربية والدولية الراهنة لا تشجع على إنجاح الخطة العربية لحل الأزمة في لبنان بسبب انسداد الآفاق السياسية ما لم تتبدّل المعطيات لمصلحة إقرار الجميع بتقديم التسهيلات للتوصل الى تسوية باعتبارها الوحيدة التي تساعد على انحسار الاشتباكات في بيروت، وإلا فإن استمرار الفوضى سيقود البلد حتماً الى المجهول. الى ذلك، أخذت أوساط أوروبية تتداول في سيناريو سوري مفاده"ان دمشق ستسهل انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في اللحظة الأخيرة قبل عقد القمة العربية كي تجبر الدول العربية الأساسية على عدم مقاطعتها، وبعد ذلك تعمل على التعطيل مع بقاء حكومة السنيورة مستقيلة من دون ان تساعد على تشكيل حكومة جديدة".