حظيت الوثيقة التي أقرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاستثنائي الأخير حول "تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية"، وضرورة وجود مرجعية"أخلاقية"للفضاء ب"إجماع"المؤتمرين، إذ جاء الإقرار مشفوعاً بالتأكيد على أنه سيتم خلال"الأشهر المقبلة"وعبر"آليات"الجامعة العربية التي ستنظر في كيفية تنفيذ هذه الوثيقة. وبعيداً من"التعويم"المصاحب لنقلها من صفحات الورق إلى أرض الواقع، فإنها شددت على عدد من الأهداف"النبيلة"التي تسعى إلى أن تكون حرية التعبير ممارسة مسؤولة، مع احترام خصوصية الأفراد وحمايتها من أي انتهاك، ومنع أي تمييز قائم على أساس العرق أو اللون أو الطائفة، من دون إغفال"صون الهوية العربية من التأثيرات السلبية للعولمة"، والتي تقترن في الوقت ذاته بتكريس مفاهيم التفاعل مع العصر، و"تمكين"المواطن العربي من الحصول على المعلومة، والمنافسة"الحرة"في خدمات البث. لا شك في أن"الفوضى الخلاقة"التي يعيشها الفضاء العربي في حاجة إلى مرجعية أخلاقية في المقام الأول، وتنظيمية في المقام الثاني، والكثير من الأفكار التي تحاصر قنوات التعبئة السياسية، عندما تنطلق بلا مكابح في التعبئة، وكأن الجماهير على موعد مع حرب تاريخية للمحافظة على سبب وجودها. وبالتالي هي في حاجة إلى من يغذيها بعبارات"التخوين"و"العمالة"للخصوم"الافتراضيين"، وهي أسباب"تافهة"في حقيقتها، عندما لا يجد المفلسون خياراً غير الزعيق والشتائم ليضمنوا البقاء، أو ليستمروا"نجوماً"أمام أتباعهم. ولا تبتعد القنوات الطائفية كثيراً عن سيئات زميلتها"الحزبية ? السياسية"، من خلال محاكمات مستمرة لأموات اختفت معالم قبورهم فضلاً عن عظامهم، وكأن معالجة حمّى الطائفية تبدأ من نبش القبور، وليس من تعزيز"القواسم المشتركة"بين أبناء المدينة الواحدة، توصلاً الى البلد الواحد. وفي هذا السياق لا يمكن الحديث عن قنوات العري، إذ يشي عنوانها بمضمونها، ويغني عن الشر سماعه، وليس أكثر من أن يكون"الابتذال"طريقاً لنجومية"موقتة"للمراهقين أو طلبة الجامعات. ويجني منها المستثمرون أرباحاً فلكية لا تبتعد عما يجنيه تجار الحروب، وتبقى حجة"الإبداع"ورقة التوت التي يتذرعون بها. ربما ستجد كل الأهداف التي اجتهد المؤتمرون في التأكيد عليها، ما يناقضها على أرض الواقع، غير أن إقرار الوثيقة يستحق بعض"الحفاوة". وفي وقت أكد المجتمعون أنها ليست مجرد وثيقة"إجرائية"، بل تتجاوزها إلى"المرجعية الأخلاقية"، إلا أن السؤال الذي يستفسر عن"جديتها"يبقى مطروحاً؟ لتبقى أهدافها بعيدة من"الإنشائية"، وبعيدة في شكل أهم من"بيروقراطية"الجامعة العربية.