أعلن رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب اللبناني ميشال عون بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق أمس، أن ماضي علاقته مع سورية"انقلب صفحة بيضاء وسنزيدها بياضاً أكثر فأكثر". ورفض عون وصف الحفاوة التي استقبل بها في زيارته التي بدأها لدمشق أمس وتستمر أياماً يلتقي خلالها مسؤولين سوريين ويجري لقاءات شعبية، ب"الاعتذار السوري، بل هي تكريم"، معتبراً أن الاعتذار عن المرحلة السابقة"يبدأ في بيروت أولاً ثم ينتقل إلى الشام". وكان عون غادر بيروت صباحاً على رأس وفد مؤلف من النواب: فريد الخازن، إبراهيم كنعان، نبيل نقولا وعباس هاشم والوزير السابق سيبوه هوفنانيان، والقياديين في التيار: بيار رفول، ناصيف قزي، ناجي غاريوس، جورج عطا الله ومدير قسم الأخبار في ال"otv"جان عزيز. وذكر موقع"التيار الوطني الحر"ان عون استقل في رحلته من بيروت الى دمشق الطائرة الخاصة للرئيس السوري بشار الأسد. وكان في استقبال عون في مطار دمشق الدولي نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي رحب بعون"في بلده الثاني". وأعرب عن أمله ب"أن تكون هذه الزيارة فاتحة علاقات متطورة ووثيقة بين لبنان وسورية". وكذلك عبّر عون عن سعادته بالزيارة. ثم توجه عون والوفد المرافق الى قصر الشعب حيث فرشت له سجادة حمراء وخرج الأسد لاستقباله معانقاً وكذلك صافح أعضاء الوفد فرداً فرداً. وعقد لقاء موسع شارك فيه من الجانب السوري وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية للأسد بثينة شعبان ومقداد، ثم عقدت خلوة بين الأسد وعون تخطت الوقت المحدد لها لأكثر من ساعة جرى خلالها البحث في مختلف المواضيع. وبعد اللقاء الذي استمر ساعتين بما فيهما الخلوة، عقد عون مؤتمراً صحافياً مع شعبان التي قدمته بصفته"ضيفاً كبيراً في سورية"، مثنية على"مواقفه الصلبة والصادقة والوطنية". وأوضحت أن"الزيارة التي تفتح عهداً جديداً للعلاقات بين سورية ولبنان تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين والبلدين". وقال عون في مستهل كلامه:"أنا سعيد جداً اليوم بلقائكم في دمشق. ما كان يعتقد انه محرم أصبح حلالاً وحلالاً جداً. لنا جرأة مواجهة الماضي وليس الهروب منه، ولن نمحوه من ذاكرتنا لئلا نكرر الأخطاء، ولذلك كان حديثنا مع الرئيس الأسد واضحاً جداً، وطرحت مواضيع كثيرة بصراحة لأننا نريد بناء المستقبل وليس التوقف عند الماضي، ومن يتوقف عند الماضي فقط لن يستطيع بناء المستقبل". وأضاف:"من هذا الفكر سمّينا اللقاء"عملية القلب المفتوح". تحدثنا بقلبنا وبعقلنا أيضاً، وكل ذلك لتنقية الوجدانين السوري واللبناني كي لا يبقى أثر لماض فيه أشياء كثيرة أليمة، ولقاؤنا اليوم هو وعد بمستقبل زاهر". وأوضح أن"مواضيع كثيرة طرحت لن استطيع الآن تقديم إفادة مفصلة عن كل منها... ساعتان، وربما نحتاج إلى 20 ساعة لنتحدث على الأقل ساعة عن كل سنة"، فاتحاً باب الحوار مع الصحافيين ليسألوا عن"أي أمر قد يقلق راحتكم". ورأى عون أن الفارق بين سورية حافظ الأسد عام 1990، وسورية بشار الأسد 2008"كبير، الظروف تغيرت والتقويم تغير والمسؤولون تغيروا. نحن لسنا مستنسخين بعضنا عن بعض ولا الأحداث مستنسخة. إذا كانت هناك حرب ننتظر انتهاءها بين الدول وتتفاوض، وإذا كانت هناك حالة صفاء فعلى المرء أن يبقى منتبهاً من الانزلاق إلى حالة صدام. وبالتالي، كل الظروف تغيرت والأشخاص تغيروا والآن لا أجري بحثاً تحليلياً لما جرى، المرحلة نتركها لحكم التاريخ، ولكن نحن بحكمنا الشخصي نقومها ونرى ما يجب أن يؤخذ منها من عبر وتطبيقها". وعن قضية المفقودين، قال:"هناك لجان تعمل. بحثنا في هذا الموضوع. ومؤكد أنهم سيتوصلون إلى نتيجة في البحث عن الأسماء المدونة على اللوائح، وإذا كانت دخلت إلى سورية وماذا حصل بها، وهذا الموضوع يتقدم. ونأمل بأن لا تطول المدة وتعلن النتائج". وأوضح ان المقصود بالوعد بمستقبل زاهر"هو العلاقات الطيبة بين لبنان وسورية، الانفتاح والتضامن. لم نبحث في التفاصيل، لكن هناك إرادة طيبة وتوجهاً طيباً وعقلاً واعياً لمشكلات المنطقة ومشكلاتنا الخاصة. لا أقول محونا كل شيء ولكن لا يزال هناك بحث. وطالما هناك إرادة الوعي والعقل الذي يتحكم بالموقف، وليس عواطف وغرائز، سنصل حتماً إلى حلول للمشكلات السابقة العالقة وإلى توجه جديد يحترم مصالح البلدين... إذا خرجت أنا مرتاحاً والرئيس الأسد كذلك، فاعتقد أن كل منا يستطيع أن يطمئن الشعبين اللبناني والسوري". سوء الإدارة ونفى عون وجود عداء مع سورية"بل خصومة، وأنا كنت الخصم الأول. صححت هذا الأمر لكل الذين اتهموني بالعداء حين كنا في صدام. العداء شيء ضخم جداً ولا يجوز". ولم يرَ عون مانعاً لدى الجمهور المسيحي في تقبل هذه المصالحة مع سورية، قائلاً:"شعورهم بالخصومة قد يجد مبرراً له في حينه. كثر الذين استفادوا من العلاقة مع سورية وضربوا بعض المسيحيين. من هنا، عندما أجرينا انتخابات 2005، أين كان الوزير السابق سليمان فرنجية؟ ألم يكن صديقاً لسورية؟ لماذا انتخبوه حينها؟ حتى النائب ميشال المر، أين كان؟ وانتخبوه. إذا، الخصومة لم تكن تجاه سورية في الواقع، خصومة محلية تحولت في اتجاه سورية من سوء الإدارة في لبنان... غالبية المسيحيين سمعت، بعد الانسحاب السوري من لبنان كلمتنا من أن مرحلة وانتهت ويجب أن نتطلع بأمل إلى بناء علاقة من أفضل العلاقات مع سورية. وجهنا رسالة الى الذين اعتدوا على العمال السوريين مفادها إياكم ثم إياكم أن ترتكبوا أعمال عنف بحقهم. أي محلل يحلل الأحداث يعرف أن لا الذين كانوا مع سورية أصبحوا ضدّها ولا الذين كانوا يعتبرونهم أعداء أصبحوا أصدقاء. أنا لي رمزية معينة محترمة عند المسيحيين تعبّر عنهم، وهذا هو الواقع الحقيقي". وأوضح عون أنه عندما يأتي إلى دمشق"أكون تركت كل الأمور ورائي ولو بقيت أمامي لكانت حاجزاً يمنعني من الوصول. وفي النتيجة أنا عسكري قائد، ولا أحمل كراهية ولا حتى تجاه من أحاربه، لأننا نعرف بالعقل والمنطق والتاريخ، انه حتى الحرب التي فيها مهزوم ومنتصر، تنتهي بتصور وبتفاهم فكيف بالأحرى نحن نفتح صفحة جديدة من التاريخ لا مهزوم فيها ولا منتصر، انما عودة الى علاقات طبيعية يسودها الانفتاح والمصالح المشتركة بين البلدين. الماضي انقلب صفحة بيضاء، طبعاً نريد أن نزيده بياضاً كل يوم أكثر، ولكن هذه البداية". وأضاف:"كانت جلسة مصارحة مشتركة وتبادل وجهات نظر مشتركة وإظهار حسن النية ولم تكن هناك مطالب من الطرفين. كل القضايا المشتركة تبحث أكثر مما تكون مطالب. أنا ليس لي حقوق في سورية ولا لسورية حقوق عندي. ليس هناك حقوق ولكن هناك مصالح مشتركة للاثنين وعلاقات مشتركة تبحث وتتبادل فيهما وجهات النظر، فاما تكون متطابقة أو لا. نضع ما هو متطابق جانباً ونبقى نعالج غير المتطابق حتى يصبح متطابقاً، هذه أصول التعاطي الصريح والواضح. الآن لم نأت بجدول أعمال، وهناك قضايا معينة نريد حلها". وعن موضوع اللاجئين الفلسطينيين، قال:"ننطلق من حق العودة لهم، ربما دول كثيرة تحاول إجراء تسوية على حق العودة. نحن متمسكون بحق عودة الفلسطينيين، وأي تسوية أخرى يقبل بها الفلسطينيون، لن تكون على حساب الدول التي تحملت أعباء السنوات الستين بل يجب أن تكون الأعباء على الذين أوجدوا المشكلة". وعما سيقدمه عون إلى سورية بعد هذه الحفاوة؟ أجاب:"لا يستطيع الإنسان أن يقدم أكثر مما عنده. عندي صداقة لسورية أقدمها". ونفى أن تكون هوية مزارع شبعا"اشكالية. سورية قالت كلمتها إن مزارع شبعا لبنانية. الآن مختلفون على توقيت الترسيم. سورية تقول إن الترسيم يجرى بعد إخلائها من الاحتلال الإسرائيلي لبنان يقول إنه يريد إخلاءها الآن، الأممالمتحدة تطالب بترسيمها الآن، مسبقاً. هل أخذوا حين رسموها حالياً رأي سورية ولبنان أم أنهم وضعوا الترسيم كما يريدون؟ إذا أرادوا احترام الخرائط الموجودة لدى فرنسا، فلا يحتاجون إلينا لمعرفة الحدود وإلى أين يجب أن ينسحبوا، ولاحقاً إذا اختلفنا شبراً في الترسيم فلا سورية ستحتج ولا لبنان... إذا أرادت الأممالمتحدة أن تعترف فيمكنها ذلك لأن الخرائط موجودة، وسورية تقول إن مزارع شبعا لبنانية. أما صك الملكية الصادر من صيدا فيقول بسيادة لبنانية حتى لو كان المالك سورياً، وصك الملكية الصادر من دمشق يقول انه حتى لو كان المالك لبنانياً تكون الأرض للسيادة السورية فالمصادر التي أعطت صكوك الملكية لها السيادة على الأرض وهذ أمر بديهي لا خلاف حوله، لا تخلقوا مشكلة حيث لا مشكلة. المشكلة الأساسية هل نقبل الترسيم في ظل الاحتلال الإسرائيلي؟". لا زفت واعتبر عون أن"نتائج الزيارة تقومها إذا كانت تبعية أو استقلالية أو ندية". وأكد أن""سورية تشجع على إجراء الانتخابات في لبنان، فهذا مطلبنا أيضاً ومطلب الموالاة هذا في حال اردنا احترام الديموقراطية والحريات، لكن باعتقادي ان سورية لن تتدخل في موضوع الانتخابات فهي لن توزع الزفت أو الخدمات الصحية والمدرسية لرشوة الناخبين في موسم الانتخابات. ونحن نعلم ان سورية لا تدفع المال لأحد". وأشار إلى أن زيارته"ليست فقط للموارنة بل لكل لبنان... إن بلداً كسورية فيه العديد من الأماكن المقدسة والكنائس وهو مهد المسيحيين تاريخياً فهل يجوز في مناسبة كهذه عدم زيارة الأماكن المسيحية الأثرية وعدم زيارة المسيحيين فيها؟ وسأكون في ضيافة المفتي، خصوصاً أن المسيحيين في الشرق مرّوا بأوقات صعبة ونرى ما يحصل في العراق والأماكن المقدسة، حيث غالبية المسيحيين يهاجرون، ونريد ان نقول لهم ان جذوركم من هذه الأرض ولكم في هذا الوطن كما اي مواطن آخر ونريدكم ان تكونوا في طليعة مَن يبنونه". وأضاف:"سنتغلب على الخوف على ذاتنا والخوف من الآخر ومن الأشرار الذين لا يريدون بناء علاقة صحيحة... هذه الخطوات الكبيرة على مَن يقدم عليها ان يحسب للربح والخسارة، قد اخسر بعض الأصوات وأربح غيرها في الانتخابات. عندما تكون أمام قضية بهذا الحجم لا تتعلق فقط بالوطن بل بالشرق الأوسط كله لا نتوقف هنا. عندما عشنا تحت الحصار الجوي والبحري ألم يشعر هؤلاء ان حدوداً واحدة بقيت مفتوحة أمامهم؟ اذا كانوا لا يريدون التفكير بخلفية معينة او بأفق سياسي واسع او كبير عليهم التفكير بأفق المصلحة الضيقة، أين مدخل لبنان الى الدول العربية؟ فلنتحدث بواقعية وفهم وعقلانية". وشبه العلاقة مع الولاياتالمتحدة ب"الطقس المتقلب لا شمس دائمة ولا غيم دائماً. نحن لسنا على عداء مع الولاياتالمتحدة. نحن نعادي مواقف لها"، داعياً الادارة الجديدة إلى"تغيير استراتيجي". الاعتراف بالذات وعن رؤية الأسد لتطوير العلاقات اللبنانية - السورية، قال:"قبل اي شيء آخر المطلوب من الانسان ان يعترف بذاته وبعدها يفرض العلاقة على الآخرين ليتلاقوا معها. هذا الامر عبّر عنه الرئيس الاسد بكل وضوح وأنا اعرف نواياه وهو كذلك واثبتنا ذلك بالكلمة المتبادلة". ورفض عون اعتبار حفاوة الاستقبال"اعتذاراً سورياً"للشعب اللبناني عن المرحلة السابقة، قائلاً:"هل اعتذر الموجودون في بيروت والذين كانوا شركاء مرحلة معينة مع الذين كانوا مسؤولين في حينه عن الوضع اللبناني، منّا كلبنانيين أم أنهم لا يزالون مستمرين؟ ما حدث هو تكريم وليس اعتذاراً ويجب أن يبدأ اللبنانيون الموجودون في بيروت الاعتذار أولاً كي نلزم من أصبح خليفة لمن كان موجوداً في الحكم بالاعتذار، نبدأ من بيروت ثم نصل الى الشام". وأشار عون إلى تقديمه من جانب شعبان"كزعيم وطني"وقال:"هذه رؤية سورية لي، أما بعض اللبنانيين فأراد تضييق نطاق الزيارة وحصرها بالمسيحيين. المسيحيون المشرقيون يعيشون بقلق وهم قسم من المجتمع وتالياً هل أقوم بهذا الواجب أم لا؟ انطلاقاً من هنا يجب فهم توجهي الى المسيحيين وليس الى غيرهم لأن الزيارة يجب أن يكون لها نتيجة إيجابية على الأماكن والناس الذين أزورهم". وقال:"أنا أخدم سورية بتطمين المسيحيين في سورية، وإذا ذهبت الى الأردن وطمأنت المسيحيين سأخدم الأردن، وبذلك لا أنزعهم من مجتمعهم لأضمهم الى حركة سياسية حزبية قومية مسيحية، بل أخاطب المسيحيين وليس الموارنة فقط. هذا موضوع قومي والمسيحيون المشرقيون ليسوا جالية بقيت من الصليبية أو أتت من الغرب، نحن أبناء الكنيسة المشرقية التي بشرت العالم بالمسيحية".