استفاقت اميركا على فجر جديد أمس، مع انتخاب الرئيس الافريقي - الأميركي الأول في تاريخها باراك أوباما، بتفويض"استثنائي"يعد بتغييرات جذرية في السياسة الخارجية والداخلية، يشمل بحسب مسؤولين ديموقراطيين سابقين،"سلسلة مبادرات استراتيجية"للتعامل مع أزمات المنطقة تستند الى اعادة احياء المبادرة العربية للسلام واستعجال المفاوضات مع الجانب الايراني، بموازاة انسحاب تدريجي و"مسؤول"من العراق. وفي وقت وجه اوباما رسالة انفتاح الى العالم بتأكيده في خطاب الفوز ليل الثلثاء، ان"قوة اميركا في قيمها لا في سلاحها وثرواتها"، قوبل انتخابه بترحيب غربي باعتباره رئيس"التغيير والامل"، فيما صعدت عواصم عدة مطالبته بالافتراق عن سياسة الرئيس جورج بوش، ومعالجة الملفات الشائكة التي خلفها في انحاء العالم، بعقلية تأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين. راجع ص 2 و3 و4 و5 وفي رسالة الى اوباما، اعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان"الانتصار الباهر الذي حققته يثير املاً كبيراً باميركا المنفتحة والمتضامنة والقوية"، داعياً الرئيس المنتخب الى تجديد الشراكة بين اوروبا واميركا لمواجهة التحديات الضخمة المشتركة"بقوة المثل وقناعة المبادئ". كذلك اشاد رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون بقيم الرئيس المنتخب"التقدمية ورؤيته المستقبلية". واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون"إنها فرصة تاريخية"للعمل المشترك بين الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة، مشيراً إلى مواقف الرئيس الأميركي المنتخب أثناء الحملة الانتخابية وأقواله حول"عهد جديد للشراكة العالمية"، وبناء"جسور التعاون مع الأمم المتحدو والدول الأخرى"، وإقامة علاقات وثيقة بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة في"شراكة حقيقية"، حيث"يستمع كل من طرفيها إلى الآخر، ويتعلم من الآخر، والأهم ان يثق بالآخر". وأضاف:"بقلب مسرور أنني أرحب بهذا العهد الجديد من الشراكة من أجل التغيير". ونعت ايران سياسة بوش، مشددة على ضرورة التزام اوباما وعوده بإجراء تغييرات في السياسية الاميركية. واعتبرت بغداد ان لا تغييرات دراماتيكية في نهج اوباما، فيما عبر الفلسطينيون عن تطلعهم الى سياسة اميركية جديدة تسرع جهود السلام. وانتهزت كابول الفرصة لمطالبة واشنطن بوقف"قتل المدنيين"الافغان، في الغارات التي تشنها القوات الاميركية والتي كان آخر ضحاياها 40 قتيلاً بينهم عدد من النساء والاطفال. وعلى عكس التوقعات، ترافق انتخاب اوباما مع سجال اميركي - روسي في شأن خطط واشنطن نشر الدرع الصاروخية الاميركية في شرق اوروبا، وسياسة واشنطن في القوقاز. وفي وقت اكدت موسكو مراهنتها على سياسة"التغيير" لدى الرئيس المنتخب لصوغ موقف بناء في العلاقات بين الجانبين، اختار الرئيس ديمتري ميدفيديف توجيه رسالة قوية الى واشنطن في هذا التوقيت بإعلان عزمه على نشر صواريخ روسية لمواجهة"الدرع"الاميركية. تحديات كبيرة ويضع حجم التحديات امام الادارة المقبلة للديموقراطيين، وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية الأصعب منذ الثلاثينات وتراجع موقع الولاياتالمتحدة خارجياً، أوباما أمام امتحان صعب لتجاوز"مساوئ ارث بوش"بحسب المراقبين. ورأى مارتن أنديك، مدير مركز"سابان"في معهد"بروكينغز"والمسؤول السابق في ادارة الرئيس بيل كلينتون عن ملف الشرق الأوسط، أن أوباما أمامه فرصة ل"فتح صفحة جديدة مع العالم العربي والشرق الأوسط تعيد ترسيخ التفاهم وتعطينا فرصة كنا خسرناها مع بوش". وقال أنديك في حديث الى"الحياة"أن مواقف أوباما و"سيرته الذاتية وصعوده السياسي"هما فرصة نادرة"لاستعادة أميركا قيمها وموقعها في الساحة الدولية"وهو"ما يتطلع اليه العالم والقيادات الاقليمية"، في خضم تهاوي سمعة الولاياتالمتحدة عالمياً والصورة المتردية بسبب الحرب في العراق وسياسات الحرب ضد الارهاب من ضمنها معتقل غوانتانامو وأساليب التعذيب والاستجواب، وعن أولويات الادارة المقبلة والمتوقع أن تعلن عن تعييناتها في المناصب الحساسة مثل الخارجية حيث يتنافس السناتور جون كيري وسفير الأممالمتحدة السابق بيل ريتشاردسون والدفاع والمرشح لتوليه السناتور الجمهوري تشاك هاغل، توقع أنديك ان يبدأ أوباما اعادة بناء القوة الأميركية ديبلوماسياً وعسكرياً بانسحاب تدريجي من العراق"مسؤول وغير متسرع"ويرتبط بالظروف على الأرض. وتوقع انسحاباً بنسب منخفضة هذا العام وتسريع وتيرة الانسحاب في ال2010. وعن خطر هكذا انسحاب على الاستقرار الأمني اقليمياً وتقويته لنفوذ ايران، رأى أنديك صورة مغايرة، اذ اكد أن واشنطن لن تترك"ارثاً فوضوياً في العراق"بعد"التضحيات العسكرية والمادية التي قدمتها في الحرب"، واشار الى أن العراقيين"لن يسمحوا لإيران بالسيطرة على بلادهم"وأن عراقاً مستقراً سيكون"مسؤولية اقليمية"ولا يستبعد تحقيقها. أما من الناحية الأمنية، فرأى انديك في انغماس القوة العسكرية الأميركية في العراق، يعطي ايران"قدرة ردع"ويقيد أيدي الأميركيين في حال اتخاذ قرار بضربة عسكرية على ايران. واكد أن الانسحاب من الساحة العراقية عسكرياً، سيمنع القواعد الأميركية من تحولها هدفاً سهلاً لايران في حال المواجهة وسيسلب طهران ورقة للرد في حال وقوع هكذا سيناريو. واعتبر أنديك أن التحدي الايراني سيكون الأصعب والأكثر الحاحاً على أوباما، وأن السؤال الذي سيطرحه الرئيس الجديد هو حول متسع الوقت مع ايران، وقبل تطويرها القوة النووية . واوضح أن" ايران تمشي بخطى سريعة لتخصيب اليورانيوم وقد تحصل في نهاية 2009 على مخزون من اليورانيوم لتطوير القوة النووية"، ما"يغير المعادلة الأمنية ويطلق احتمالات السباق النووي في المنطقة أو في سيناريو أسوأ ضربة اسرائيلية على المنشآت الايرانية." واكد المسؤول السابق الذي عاد لتوه من المنطقة أن"أوباما سيستشير"الحلفاء"العرب وتركيا واسرائيل وروسيا والصين وأنه" سيمضي بسرعة في هذه المهمة ولبلورة هكذا استراتيجية، لكن نصحه بالانتظار"الى ما بعد الانتخابات الايرانية." وشدد على وجود"فرصة لنجاح المفاوضات وحل الخلافات مع ايران انما ليس على حساب حلفائنا"، مشيراً الى أن الحديث عن صفقة كبيرة لا معنى له وسخيف، ولن نضحي بتحالفاتنا." وبالنسبة الى عملية السلام، رأى أنديك، أن من المحتمل اطلاق أوباما مبادرات متوازية، ستكون الاستراتيجية الأوسع لادارته في المنطقة، وأنها ستكون تحت مظلة المبادرة العربية ورعايته مفاوضات اسرائيلية- سورية واسرائيلية- فلسطينية في الوقت ذاته. واوضح أن المسار السوري هو" ثمرة أسهل قطفها من المسار الفلسطيني انما هذا لا يعني أن على أوباما أن يتبع"سورية أولاً"، وأن المعضلة الأكبر هو استعداد سورية للتحول في موقعها الاستراتيجي واعادة درس علاقتها بحزب الله وحماس وايران."