تتهدد بقاء الرئيس الايراني، محمود أحمدي نجاد، مخاطر كبيرة لم يحسب هو او أعداؤه في واشنطن واسرائيل، لها حساباً. واستياء الايرانيين قد يطيح ولايته، ويحول دون فوزه في ولاية رئاسية ثانية. فأهالي بلدة أرادان، وهي مسقط رأسه، كانوا أكثر الايرانيين حماسة لانتخاب ابن قريتهم رئيساً. وتوقعوا أن يغرق الرئيس بلدتهم بالخدمات والانجازات، وأن ينتشلهم من براثن الفقر والعوز. ولكن آمالهم خابت، وتبددت أحلامهم. فنجاد أخل بوعوده، ولم يوفر لهم فرص عمل، ولم يحسن ظروف عيشهم. واثر تبدد احلام أهالي أرادان، انتشرت المخدرات الافغانية في القرية الواقعة اسفل جبال ألبورز بجنوب شرق طهران. ويقول سائق سيارة أجرة:" شعرنا بالفرح عندما انتخب احمدي نجاد، ولكنه لم يحارب البطالة. فتعلق الناس بحبال المخدرات، عوض حبال الحلم والامل". والحق أن سياسة أحمدي نجاد الداخلية اسهمت في تخطي التضخم المالي عتبة الثلاثين في المئة، وفي رفع أسعار الغذاء والعقارات. فهو تعهد توزيع الثروة النفطية على الفقراء، وحمل المصارف على منحهم قروضاً رخيصة. وعلى رغم نزوح والديّ احمدي نجاد عن قريتهم الى طهران يوم كان رضيعاً، دار كلام نجاد في حملته الرئاسية الانتخابية عن"صعوبات حياته الريفية"القاسية. فتعاطف معه الايرانيون. وعند سؤالهم عن الرئيس ووعوده الانتخابية، يشير معظم هؤلاء الأهالي الى الاراضي المهملة التي لم تشيد عليها المصانع والمستشفيات، ولا أحواض السباحة. فنجاد ترك مسقط رأسه فريسة الإهمال والمخدرات. وهذا نقيض مشروعه الاسلامي النموذجي. وتقع قرية أرادان على طريق تجارة الحرير القديمة. وطوال قرون، كانت المخدرات والافيون تهرب الى ايران من افغانستان. ولكن راجت، في الاعوام الماضية، راجت أنواع جديدة من المخدرات، على غرار الهيرويين وال"كراك"وهو مركب مقوى يخلط الكوكايين بالهيرويين، في أرادان والقرى المجاورة. وبحسب مسؤول رسمي، يتعاطى 60 في المئة من أهالي أرادان الافيون، و12 في المئة منهم يشمون ال"كراك". ومعدلات البطالة مرتفعة في القرية. ومعظم العاملين فيها هم شبه عاطلين عن العمل، فهم يعملون ساعتين أو ثلاثاً يومياً. والحق أن قرية نجاد لا تغرد خارج سرب بقية القرى والمدن الايرانية. ويبلغ عدد مدمني المخدرات بإيران نحو مليوني شخص، من سبعين مليون ايراني. ولكن الايرانيين يرون أن سبب تفشي الادمان هو ارتفاع معدلات البطالة. ولم يحرك أحمدي نجد ساكناً لمعالجة أزمتي البطالة والادمان على المخدرات. واقال خبراء ماليين وموظفين بيروقراطيين من مناصبهم، وعيّن محلهم عقائديين يغالون في التدين. وفي نهاية الشهر المنصرم، أعلن نجاد"نهاية عصر الرأسمالية"، وزعم أن في وسع بلاده تولي قيادة العالم اقتصادياً، وأن على العالم أن يحتذي على النموذج الاقتصادي الايراني الذي لم يتأثر بأزمة الاسواق المالية. ويطعن مراقبون كثر بمزاعم نجاد. ويرون أن بورصة طهران لم تعانِ مشكلات مالية في الاسابيع الاخيرة بسبب نزوح الاستثمارات الاجنبية عنها قبل أعوام طويلة. ويستثمر معظم الايرانيين الميسورين أموالهم في دبي، ويحفظون مدخراتهم في مصارفها. ويبدو أن الايرانيين بدأوا يدركون أنهم ليسوا في منأى من الازمة المالية العالمية. وقد يعبِّد الاستياء الشعبي من المشكلات الاقتصادية، ومن أداء حكومة نجاد الاقتصادي، الطريق الى عودة الاصلاحيين الايرانيين، الى الحكم في الانتخابات المقبلة. ويقول أحمد شيراز، وهو نائب اصلاحي:"اعتبرنا، نحن الاصلاحيين، بدروس تجربتنا السابقة في الحكم. ولن ننتهج المواجهة مع الجهاز القضائي والمؤسسة الدينية وحرس الثورة، على ما فعلنا في السابق. وقد نكتفي بتأليب الرأي العالم حول عدد من المسائل، على أمل أن يستجيبوا لنا، وأن يستجيب المحافظون لهم". لكن عدداً كبيراً من الطلاب الناشطين سياسياً لا يستسيغ رأي شيراز. فهم يفضلون المواجهة مع النظام وليس مهادنته. ويروي علي نسباتي 28 سنة، طالب جامعي أنه حمل كلام نجاد على محمل الِجد يوم قال إنه يرحب برأي الناس في سياساته. فأرسل له رسالة انتقد فيها سياسته الاقتصادية وانتهاكه حقوق الانسان. وكانت مكافأة نسباتي السجن خمسة أشهر و10 جلدات. عن كولن فريمن،"دايلي تيليغراف"البريطانية، 27/10/2008