بعد النجاح الذي حصده المخرج التونسي شوقي الماجري في شهر رمضان من خلال مسلسلي"أسمهان"و"أبو جعفر المنصور"، وصل مسلسل"اجتياح"من بطولة عباس النوري وصبا مبارك ومنذر رياحنة الذي قدمه في شهر رمضان 2007 إلى التصفيات النهائية لمسابقة"إيمي"عن فئة المسلسلات الطويلة، مع ثلاثة أعمال من روسيا والأرجنتين والبرازيل. ولهذه المسابقة التي تعلن نتائجها في 24 تشرين الثاني نوفمبر مكانتها العالمية، إذ تنظمها"الأكاديمية الدولية للفنون التلفزيونية"، وتتوزع على 15 فئة. وتفوق مسلسل شوقي الماجري في وصوله إلى هذه المرحلة المتقدمة من المنافسة، على نحو 500 عمل، كما ذكر موقع المسابقة. وهذه كلها أسباب توفر مناسبة للدعوة إلى إعادة الاعتبار الى هذا العمل، بعدما عزفت فضائيات عدة عن عرضه العام الماضي، وتجاهله النقد التلفزيوني والإعلام الثقافي والفني العربي. والمحزن أن هذا العمل، بخلاف مسلسلي"اسمهان"و"ابو جعفر المنصور"اللذين حققا نسبة مشاهدة كبيرة، وسال حولهما حبر كثير، لم يحظ بالمشاهدة التي يستحقها، ولم يتم الالتفات جيداً إلى ما توافر فيه من جاذبية مشهدية، ومن إيقاع سينمائي اتصف بالحيوية، وإن عانى من بعض العيوب التقليدية في الدراما العربية، لجهة التطويل والعلاقات غير المقنعة أحياناً. أضف الى ذلك ان عرضه على شاشة"إل بي سي"في الساعة ذاتها التي كانت"إم بي سي"تعرض فيها"باب الحارة"في جزئه الثاني الشهير، أفقد هذا العمل الانتباه اللازم إليه، وإلى ما فيه من ملحمية غنيّة بتفاصيل إنسانية حارة. وهو - للتذكير - عمل درامي ينشغل بالموضوع الفلسطيني في لحظة كانت شديدة السخونة ميدانياً وإنسانياً ووطنياً، حيث الحب والحياة تحت تعسف الوحشية الإسرائيلية في مخيم جنين ومدنٍ وقرى وحوار ووديان وتلال وشوارعَ فلسطينية غير قليلة في أثناء عدوان"السور الواقي"في 2002. ولأنها المرة الأولى التي يصل فيها مسلسل تلفزيوني عربي إلى التنافس في مسابقة عالمية شهيرة، لها أضواؤها الساطعة في الولاياتالمتحدة وسواها، فهذا يحرّض على التساؤل عن عدد الأعمال العربية التلفزيونية، الدرامية وغيرها، التي تستحق أن تحضر على خريطة الإنتاج العالمي، وتُنافس في سياقه. وجميل أن"الاجتياح"- تحديداً - وصل إلى جوائز"إيمي"، وسيكون احتفالنا كبيراً إذا نال الجائزة الأولى، خصوصاً أن موضوعه هو فلسطين في فم الذئب الإسرائيلي. والتهنئة واجبة على أي حال لفريق هذا المسلسل، ولشوقي الماجري الذي كان فناناً رشيقاً في عملين جميلين في شهر رمضان الماضي، وجارحاً وحادّاً في عمل اجتاح من شاهده حب كثير له، ما يمنحه موقعاً مهمّاً في المراتب الأولى بين زملائه في غير بلد عربي، ويضيف إلى رصيده الكثير من علامات التميز والتمايز، بل والفرادة أحياناً، وإن شابَ أعمالاً سابقة له ضعفٌ ملحوظ مقارنة مع أعمال مماثلة لبعض أقرانه، ومنها"المرابطون"الذي تفوق عليه"ملوك الطوائف"لحاتم علي ووليد سيف. وليس من المبالغة أن يقال هنا إن مسلسليه الأخيرين، عن المغنية الشهيرة والخليفة العباسي المؤسس، يشكلان قفزة جوهرية وحاسمة في مساره، وإن بشّرت بها مسلسلات سابقة له، منها"الأرواح المهاجرة"و"أبناء الرشيد".