تتصاعد وتيرة القلق من أزمة السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط إلي الحد الذي قد يؤدي إلي نزاع مدمر للمنطقة خاصة، والسلم العالمي عامة. ومع الوقت تحقق إيران تقدما في مشروعها النووي، ولا احد يعلم مدى ما توصلت إليه، في مسعاها الظاهر الخفي معاً. فهي تدعي أن ما تقوم به مجرد تطويرل قدراتها النووية لأغراض سلمية، في الوقت الذي تزداد شكوك العالم بأنها تنوي امتلاك القدرة العسكرية النووية. وعندما يتحقق لها ذلك ستضع العالم أمام أمر واقع. وعندها تتغير قواعد اللعبة. فإما قبول الأمر الواقع، أي إيران النووية، أو الدخول في نزاع مدمر لا تحمد عقباه. وقد سبقت إسرائيل الجميع بسرية تامة، وصمت مطبق، لأن أميركا والدول الأوروبية، التي وفرت لها كل ما تحتاجه من المواد الأولية، والحماية الاستخبارية، والتمويل، والغطاء السياسي، جعلت الدولة العبرية ، الدولة الوحيدة التي تملك القدرة النووية، خارج المعاهدات، والأعراف الدولية، ولا احد يقاطعها، اويهدد بطردها من المظلمات الدولية، أو حتى يلزمها بالانضمام إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووي. والوضع القائم يعني بوضوح أن في منطقة الشرق الأوسط دولتين إحداهما إسرائيل تمتلك السلاح النووي، والأخرى إيران في طريقها لتحقيق ذلك. كل هذا حصل ويحصل والدول العربية تراقب مسرحيات الإنكار، والتسويف، والتقية، من قبل الدولتين. وهذا يعني: إذا بقيت إسرائيل نووية وحدها، فان العرب مهددون، وان أصبحت إيران ثاني دولة نووية في المنطقة فالعرب مهددون أيضا، بشكل اخطر. من الواضح إن الولاياتالمتحدة، وحلفاءها الأوروبيين أكثر الدول حماساً وإصرارا علي الحيلولة دون امتلاك إيران قدرات نووية. وقد كان الأولى أن يكون للدول العربية والدول الإسلامية مجتمعة من بداية الأزمة، موقف واضح وموحد حيال ذلك. وقبل هذا كان يجب أن يكون هناك موقف حازم من امتلاك إسرائيل قدرة نووية بدعم غربي وبصفة سرية، مصخوباً برفضها الانضمام لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. والآن وبعد أن وضع العالم بأسره، أمام خيارات لا يوجد بينها ما يسر، فان الحل ليس في ضرب إيران أو تركها تصبح ثاني دولة نووية في المنطقة، ولا في ترك إسرائيل مختبئة تحت المظلة... الأميركية، وحلفائها الأوروبيين. ولا في تحالفهما إيران وإسرائيل لابتزاز الدول الأخرى في المنطقة. الحل الصحيح هو في حرمان الدولتين من امتلاك السلاح النووي وفرض عدم انتشاره الفتاك. والحل الأمثل هو أن يقوم حلفاء إسرائيل بجعلها تحذو حذو دولة جنوب أفريقيا العنصرية السابقة، وتعلن عن تخليها وتفكيك كل منشآتها النووية، وتفتحها للمنظمة الدولية. وأن تعلن قبولها بقرارات الأممالمتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتنسحب إلي حدود حزيران يونيو 1967. وتقبل بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الى أراضيهم، حسب ترتيبات يتفق عليها مع الفلسطينيين، وإرجاع الجولان لسورية، ومزارع شبعا اللبنانية. الخطوة الثانية: أن يقف العالم بأسره أمام إيران ويفرض عليها التوقف عن نواياها النووية بالكامل وبدون أي قيد او شرط، عن طريق المفاوضات السلمية أو بالقوة، بعد ازالة المبررات التي تتذرع بها، وهي التسلح النووي الإسرائيلي، واستمرار احتلال الأراضي العربية. قد يبدو أن هذا السيناريو بسيط، ومن الصعب تحقيقه، في جو تعقيدات مفاوضات الطرشان الجارية بين إيران، وبعض الدول الضامنة لمروق إسرائيل. ولكن السياسة الدولية لا تعرف المستحيل. والوضع يحتاج إلي مفاوضين ماهرين من وراء الستار. وأميركا لديها الكوادر المقتدرة لكنْ ينقصها وجود رئيس شجاع، وذي مصداقية عند الشعب الأميركي، ولديه طموح تاريخي، وإرادة قوية. والمفاوضون الايرانيون لن قصهم الذكاء والمهارة التفاوضية، ولكنهم مصابون بلوثة العناد وجنون العظمة، في بعض المواقف. ويمكن مساعدتهم لتجاوزها بإزالة الذرائع التي تجعلهم يتشبثون بمواقفهم، وتحييد مشجعيهم، كروسيا وغيرها. ومن دروس الماضي القريب اتضح للعالم، ثبوت مصداقية مشورة الدكتور محمد البرادعي، أمين عام منظمة عدم انتشار الأسلحة النووية التي طرحها في مجلس الأمن، قبل غزو العراق. عندما طلب من المجتمع الدولي التريث، لمدة شهرين. وطلب أيضا إعطاء المنظمة الدولية فرصة أخيرة للتأكد من أن العراق يملك، او لا يملك، سلاح دمار شامل... الذريعة الرئيسية التي بررت الحرب على العراق، وثبت في ما بعد بطلانها، ولكن بعد تدمير العراق، وقتل الألوف من الطرفين. وما الأزمة الإيرانية الحالية إلا من نتائج ذلك القرار الخاطىء ، والنوايا السيئة المسبقة، التي دخلت في مدونات فضائح التاريخ، باعتراف أبطالها، من ديك تشايني وكولن باول إلي كوندوليسا رايس ورمسفيلد وأعوانهم. وفي ظل مثل هذا التصور البسيط، والمباشر، لماذا لا تقدم أميركا وحلفاؤها، علي خطوة جريئة، وتفعل ما يجنب العالم ويلات أزمة نووية محتملة، وتكون بالفعل قد حافظت علي مبدأ عدم انتشار الأسلحة النووية، الى أمد غير منظور؟ والتاريخ يعلمنا أن القرارات الصعبة تحتاج إلى قادة كبار مثل جون كينيدي، ونيكيتا خرشوف، عندما احتويا أزمة الصواريخ النووية في كوبا وجنبا العالم حرباً عالمية، ومن طراز نيلسون مانديلا القائد التاريخي، عندما انتصر علي النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وتغلب علي عقدة الانتقام من العنصرية البيضاء البغيضة، وقاد شعبه إلى حياة ديموقراطية. فهل يكون باراك اوباما، إذا نجح في الانتخابات القادمة، الرئيس الذي سيقول للشعب الأميركي ما لم يقله أحد من الرؤساء السابقين: كفى تدليلا لإسرائيل. إن الفرصة متاحة لتجنيب العالم صداما نوويا محتملا، في منطقة الشرق الأوسط، ومنع كارثة اقتصادية كونية، في ما لو تعرضت منابع البترول في الخليج العربي للأذى، لا سمح الله. فهل يدرك ساسة أميركا ذلك؟ * مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى منظمة الطيران المدني الدولي - سابقاً، مونتريال/ كندا.