اصبحت بريطانيا الدولة الاولى في"مجموعة السبع"التي تعلن انكماش اقتصادها رسمياً في ظل الازمة المالية العالمية الاكبر منذ 80 عاماً، ما اشاع الرعب في الاسواق، والشعور بالأزمات في الدول الناشئة من البرازيل الى الهند وروسيا وسط كثافة بيع للاسهم والمعادن في مختلف البورصات الآسيوية والاوروبية وتراجع قيم العملات الرئيسية مقابل الدولار الذي يحمل زخماً موقتاً مع اقتناع المستثمرين بأنه لا يزال"عملة الملاذ"في الأزمات. وراوحت نسبة انهيار مؤشرات البورصات الآسيوية والاوروبية في"الجمعة الحزينة"، التي وصفها نائب حاكم"بنك انكلترا"بأنها"الأسوأ في تاريخ البشرية"، بين 8 و10 في المئة في حين اضطرت ادارات البورصات الاميركية"الكئيبة"الى تعليق عمليات البيع الالكتروني قبل فتح السوق بعدما تراجع"داو جونز"550 نقطة في العقود الآجلة ما دفع حجم الخسائر امس الى 1.5 تريليون دولار وخسائر الشهر الجاري الى 10 تريليونات دولار، اي ثلث الخسائر المسجلة للسنة الجارية والمقدرة بنحو 30 تريليون دولار من بينها 660 بليون دولار خسائر اسواق 48 دولة ناشئة ضمنها الاسواق الخليجية، والتي يتوقع ان تتراجع مؤشراتها اليوم وغداً عند استئناف التداول. ومع هبوط المؤشر العام للاسواق الدولية امس الى ادنى مستوى منذ 2003 وسط توقعات اقتصادية قاتمة في مختلف انحاء العالم. وتراجع عائد السندات الاميركية لثلاثين سنة الى ادنى مستوى في 31 عاماً ارتفعت قيمة الين مقابل الدولار الى اعلى مستوياتها في 13 عاماً ما اشاع القلق في اوساط المصدرين الى اسواق الولاياتالمتحدة الزبون الاول للبضائع اليابانية. وجرى تبادل الدولار عند 92.68 ين في حين كان سعره الخميس 97.27 ين، ما دفع مؤشر نيكاي الى ادنى من مستوى 8 آلاف نقطة للمرة الاولى منذ خمس سنوات واقفل عند 7649 نقطة في حين اقفل مؤشر"فايننشال تايمز - 100"متراجعاً 5.6 في المئة و"داكس"الالماني 4.96 في المئة و"كاك - 40 الفرنسي"3.54 في المئة وكان مؤشر"داو جونز"متراجعاً عند السادسة بنسبة 2.57 في المئة. ولم يسلم الاسترليني من ذيول الانكماش اذ تراجع سعر صرفه الى ادنى مستوى منذ 1971 في حين تراجعت العملة الاوروبية الموحدة، متأثرة بالقلق من انكماش اقتصادي مماثل في مجموعة اليورو وجرت مبادلاتها عند سعر 1.245 دولار لليورو وهو الادنى منذ عامين بعدما كان اليورو سجل مطلع السنة 1.60 دولار. وما لفت النظر امس، وعلى رغم قرار"اوبك"خفض انتاجها بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من مطلع الشهر راجع خبر اوبك الى 27.308 مليون برميل يومياً، تم تداول العقود الآجلة للنفط لكانون الاول ديسمبر بسعر 50 دولاراً للبرميل بعدما تراجع السعر الى 62.65 دولار في عقود الشهر المقبل. وفي ضوء الأزمة الحالية قد يُشجع الاسترليني الرخيص والاسهم المتداولة في بورصة لندن التي تراجعت الى مستويات لم تعرفها حتى بعد الاعتداءات الارهابية على قطارات الانفاق في تموز يوليو 2007، المستثمرين على ضخ اموالهم في الاسواق وشراء الاصول البريطانية على اساس انها"استثمار طويل الامد"بعدما تبين ان"الانكماش الشامل سيعم العالم الصناعي"نهاية العقد الجاري، ما سيستدعي خفض الفوائد على مختلف العملات الرئيسية، وان"صحوة الدولار"الحالية، قبل الانتخابات الرئاسية موقتة، وان الدولار سيعود الى التراجع في بدء ولاية الرئيس المقبل. وقال بول روبنسون من"باركليز كابيتال"في لندن:"تراجع قيمة الاسترليني 10 في المئة مقابل الدولار مبالغ فيها ولا بد من صحوة للعملة الانكليزية بعد قرار الفائدة المتوقع مطلع الشهر المقبل". وكان الاعلان عن انكماش الاقتصاد البريطاني صباح امس، وفي الربع الثالث من السنة، بمعدل نصف نقطة مئوية فُسّر بأنه دخول في مرحلة الركود او"اتجاه إليها"كما شدد روبنسون. مشيراً الى ان نتائج الربع المقبل ستُثبت ما قاله حاكم"بنك انكلترا"ميرفين كينغ او رئيس الوزراء غوردون براون عن ان الركود على مشارف الاقتصاد. وفور اعلان احصاءات الناتج المحلي عن الربع الثالث من العام تراجع الاسترليني الى مستويات فاقت تراجعه امام سلة عملات عندما اضطرت بريطانيا الى الانسحاب من"آلية الصرف الاوروبية في ايلول سبتمبر 1992 وادى ذلك الى"تعويم"قيمة العملة في ما عرف باسم ازمة"ايلول الاسود". ومع بلوغ الاسترليني مستوى 1.5269 دولار سارع المستثمرون في العملات الى شراء الجنيه ما رفع مستوياته بمعدل بسيط امام الدولار واليورو في وقت انهار مؤشر بورصة لندن الى مستويات غير مسبوقة منذ ازمة العام 1971 عندما اضطرت لندن الى الاستعانة بوديعة كويتية بالاسترليني لتثبيت سعر الجنيه . ومع الانكماش الاقتصادي والاتجاه الى الركود سارع الاقتصاديون ورجال الأعمال، خصوصاً الصغار منهم، الى مطالبة"بنك انكلترا"بخفض الفائدة على الاسترليني بوتيرة اسرع من مستواها الجاري عند 4.5 في المئة الى 2.5 في المئة في موعد اقصاه حزيران يونيو المقبل كما قال برايان هيليارد من"بنك سوسيتيه جنرال"في لندن. من جهة ثانية قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف امس ان وزراء مال وخزانة"الدول الاغنى في العالم والدول الناشئة"سيعقدون اجتماعاً مطلع الشهر المقبل في البرازيل لمناقشة الازمة، قبل انعقاد قمة العشرين في الخامس عشر من الشهر في مبنى المتحف الوطني في واشنطن.