هل ينعكس التغيير الحاصل داخل الولاياتالمتحدة على سياستها الخارجية؟ نطرح هذا السؤال آخذين في الاعتبار ان المجتمع الأميركي استطاع تجاوز المشاعر العنصرية باختياره مرشحاً أسود للرئاسة، وهذا تطور تاريخي مهم سيكون له تأثير كبير في حياة الأميركيين. صحيح أن المرشح الديموقراطي، الأكثر حظاً بالفوز في الرئاسة باراك أوباما، يعتبر جزءاً من الطبقة الحاكمة. وصحيح أيضاً أن هذه الطبقة تتجاوز أي اعتبار لتأمين مصالحها، إلا أن الاستفتاء الشعبي العام يؤكد حقيقة هذه النقلة التاريخية. التغيير في الداخل الأميركي حصل. لكن انعكاساته على السياسة الخارجية ستصطدم بالكثير من العقبات أهمها أن صدقية الولاياتالمتحدة أصبحت في الحضيض لدى المناوئين والأصدقاء، وأن العصر الأميركي انتهى بسرعة، خصوصاً في الشرق الأوسط، على ما كتب ريتشارد هاس، موضحاً أنه"بعد أكثر من قرنين على وصول نابوليون إلى مصر، مبشراً بشرق أوسط جديد، وثمانين سنة على تفكيك الإمبراطورية العثمانية، وأقل من عشرين سنة على نهاية الحرب الباردة، انتهى العصر الأميركي، وهو الرابع في تاريخ المنطقة الحديث. أما الرؤى التي استشرفت منطقة مسالمة، متقدمة، وديموقراطية مثل أوروبا فلن تتحقق. الأكثر احتمالاً بروز شرق أوسط يسبب الأذى لنفسه وللعالم". يدرك المرشح المرجح وصوله الى البيت الأبيض أنه سيجد عالماً معادياً لأميركا، عالماً تغير بفعل عوامل ذاتية نابعة من حركته التاريخية، وأخرى خارجية حاولت إدارة جورج بوش فرضها خلال السنوات الثماني الماضية بالحروب وبالعنجهية الإمبراطورية والإكراه، فكتب يقول:"بعد العراق قد يغرينا الانكفاء إلى الداخل. سيكون هذا خطأً. اللحظة الأميركية لم تنته. يجب الإمساك بها من جديد. علينا وضع نهاية مسؤولة للحرب، وتجديد قيادتنا، عسكرياً وديبلوماسياً وأخلاقياً، كي نواجه تحديات جديدة، ونفيد من فرص جديدة. أميركا لا تستطيع مواجهة تحديات هذا العصر منفردة، ولا العالم يستطيع مواجهتها من دون أميركا". يلخص هذا الكلام برنامج أوباما، وإدراكه أن المأزق الأميركي في العالم كبير جداً. ومأزق العالم مع أميركا أكبر. وأن الإمبراطورية إلى أفول، ويعد باستدراك ذلك من خلال إعادة النظر بكل السياسات الخارجية لواشنطن. لكن هل سيستطيع إنهاء المأساة العراقية؟ هل سيستطيع وقف الحرب في أفغانستان؟ هل ستتاح له الفرصة لإيجاد تسوية في الشرق الأوسط؟ وهل لديه الإرادة والشجاعة الكافيتان للانقلاب على السياسة الأميركية التقليدية في هذه المنطقة؟ نتفاءل بالتغيير داخل الولاياتالمتحدة. لكن التجارب السابقة تعلمنا أن ديموقراطية الدول الاستعمارية لا تعني تخليها عن عنصريتها ولا نشر القيم الديموقراطية في الخارج. والرئيس الأميركي، ديموقراطياً كان أو جمهورياً، يضعف أمام إسرائيل ويصبح أكثر صهيونية من جابوتنسكي نفسه. أوباما وقف صاغراً أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية إيباك ليعترف بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية وليكرر الخطاب الأميركي التقليدي بدعمها في مواجهة أي تحد. نتفاءل بأوباما ولكن... لننتظر.