عندي حل لمأزق المعاهدة الأمنية مع الولاياتالمتحدة أضعه بتصرف أخينا نوري المالكي، هو عرض المعاهدة في استفتاء على الشعب العراقي، فالقرار يجب أن يكون قراره. شخصياً، وكمواطن عربي، أنا ضد أي معاهدة مع الأميركيين وللأسباب نفسها التي أعلنها الزعيم الشاب مقتدى الصدر، إلا أن القرار في موضوع بهذه الأهمية يجب أن يُترك للشعب العراقي كله لا أي زعيم محلي، أو مواطن عربي من خارج العراق. أراهن بعقود من الخبرة في السياسة العربية وأقول إنه لو عرض الاتفاق مع الأميركيين في استفتاء لعارضته غالبية كبيرة من العراقيين. الشيعة والسنّة سيعارضون الاتفاق بنسبة عالية متقاربة، وستؤيده غالبية من الأكراد، إلا أن المجموع سيصب في شكل واضح في خانة الرفض. والواقع أن موافقة البرلمان على الاتفاق غير مضمونة أبداً. آية الله علي السيستاني قال إنه لن يعارض الاتفاق اذا وافق عليه البرلمان والشعب، وهو موقف حكيم ككل مواقف الرجل، غير أنني لا أذكر أن الاتفاق مع الأميركيين كان من قضايا انتخابات 2005، لذلك أفضل أن يعرض على الشعب اذا كان العراق أصبح ديموقراطية غربية المستوى، كما يزعم الأميركيون. رئيس الوزراء المالكي صمد في المفاوضات التي بدأت في آذار مارس الماضي، والأميركيون عرضوا عليه في البداية مسودة حقيرة تلغي عملياً استقلال العراق، فهي لم تنص على موعد لانسحاب القوات الأميركية، ثم انها أخضعت القوات الأميركية، والمتعاقدين مع الاحتلال، للقوانين الأميركية، مع حرية القيام بعمليات واعتقال المواطنين من دون مراجعة الحكومة العراقية. وعزل السيد المالكي أكثر المفاوضين العراقيين واستبدل بهم في أيلول سبتمبر رجالاً أقرب الى تفكيره، وسمعنا عن تقدم بطيء ولكنه حثيث، فالأميركيون وافقوا على موعد للإنسحاب من المدن والقرى هو منتصف السنة المقبلة، وموعد للانسحاب من العراق كله سنة 2011، مع ضمان أن يكون الجنود الأميركيون داخل قواعدهم تحت سلطة القانون الأميركي. ولكن اذا ارتكب عسكري في اجازة جناية خارج هذه القواعد فهو سيخضع للقانون العراقي، كذلك قيدت ظروف اعتقال الأميركيين مواطنين عراقيين واستجوابهم. أريد أن ينسحب الأميركيون من العراق أمس، غير أن القرار لحكومة العراق وشعبه، وأجد النص"المحسّن"الأخير الذي قُدِّم الى العراقيين هذا الأسبوع سيئاً ولا يخلو من أشراك. هناك عبارة سمعنا بها في أول مسودة وأجدها باقية، هي أن القوات الأميركية ستنسحب في 2011"على افتراض استمرار الاستقرار في العراق". ما هي صفات الاستقرار ومن يقررها؟ وهل تنسحب القوات الأميركية كلها، أو يبقى ألوف الجنود بحجة تدريب الجيش والشرطة في العراق؟ أيضاً كنا سمعنا حتى مطلع هذا الشهر أن الأميركيين وافقوا على أن يخضع المتعاقدون، من شركات حراسة خاصة وعمال وغيرهم، للقانون العراقي، غير أن مسودة هذا الأسبوع، كما سُرِّبت وقرأناها عادت بنص يحد جداً من سيادة القانون العراقي على أرض العراق، فهو يطلب أن يعامل المتعاقدون مع وزارة الخارجية الأميركية بحسب معاهدة فيينا التي تضمن الحصانة الديبلوماسية، ما يعني أن يعامل الحراس حاملو السلاح، وأكثرهم له سجل عدلي غير مشرف، كديبلوماسيين. أرجو أن يصبر أخونا نوري المالكي عليّ وأنا أحكي له قصة الجندية لافينا لين جونسون. وزارة الدفاع الأميركية قررت أن لافينا انتحرت في 19/9/2005، قبل عيد ميلادها بأيام وكتمت طويلاً تقرير الطبيب الشرعي، ثم نشرت التفاصيل وتبين أن لافينا"انتحرت"في قاعدة عسكرية أميركية بأن لكمت نفسها في وجهها حتى كسرت أنفها وأسنانها الأمامية، وسكبت الأسيد على أعضائها التناسلية، ثم مادة حارقة على جسمها، وبعد ذلك أطلقت النار على رأسها. وأقول لرئيس وزراء العراق إنه اذا كانت وزارة الدفاع الأميركية تضحي بمجندة أميركية لتحمي مغتصبين مجرمين من الجنود الأميركيين، فكيف ستتصرف اذا كانت الضحية بنتاً عراقية. أرجح أن الوقت فات، فلن توافق الحكومة العراقية والبرلمان على الاتفاق قبل 31/12/2008 عندما ينتهي انتداب القوات الأميركية والحليفة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي. وأحث رئيس الوزراء المالكي على ترك الشعب العراقي يقرر مصير الاتفاق، إقراراً أو رفضاً، ويعلّم ادارة بوش درساً آخر عن هذا الشعب وانتمائه الوطني والقومي.