رصّعت ثلاثة معارض لأعمال فان غوغ موسم الصيف التشكيلي للعاصمة الفرنسية. وها هي من جديد تطل علينا ثلاثة معارض أخرى للفنان نفسه، وذلك في متاحف أوروبية مهمة حتى اتفق النقاد حول تسمية هذا الفنان بپ"مدلل المتاحف"، بعكس اللعنة التي لحقت فنه في حياته لدرجة أنه لم يبع إلا لوحة واحدة هي:"حصاد العنب الأحمر في آرل". وهي لوحة تمثل نموذجاً لحيوية ألوانه وطزاجتها، واحتدامها الناري وتوهجها التعبيري النادر. تتألق اليوم على جدار"متحف بوشكين"في موسكو. فان غوغ من أبرز الملونين في تاريخ التصوير، ولوحاته اليوم هي بين الأغلى في المزادات العالمية. لنتذكر السعر الأسطوري الذي بلغته لوحة"أزهار عباد الشمس"في مزاد طوكيو قبل أكثر من عشر سنوات، وما زالت أسعار لوحاته منذ ذلك الحين ترتفع في شكل تدريجي. بيعت مثلاً منذ سنتين لوحته"آرليزيين"ب 38 مليون يورو. المعارض الثلاثة هي: 1 -"فان غوغ ومونتيسللي"في مرسيليا مركز شاريتييه من 16 أيلول سبتمبر وحتى 11 كانون الثاني يناير 2009. 2 -"علاقة التخطيط الرسم بالتصوير لدى فان غوغ"، فيينا متحف البرتينا من 5 أيلول وحتى 8 كانون الأول ديسمبر. 3 -"فان غوغ والطبيعة الصامتة"- أمستردام متحف بولوس مستمر حتى 4 كانون الثاني 2009. يتفوّق المعرض الأول من ناحية أصالة اكتشافه لعمق تأثير المعلم أدولف مونتيسللي في أسلوب فان غوغ. من المعروف مثلاً تأثير الانطباعية خصوصاً صديقه بيسارو وتأثير الفنان الياباني هوكوساي إضافة الى دولاكروا، يكشف المعرض مصدراً أساسياً في أسلوب فان غوغ المتميز بالعجائن اللونية الكثيفة، هي التي تنحت سطح اللوحة وسلوك الفرشاة العصبي والألوان الصريحة البركانية الانفعال، نعثر على هذه الصفات لدى مونتيسللي فنان مرسيليا الأول الذي عاش واشتهر في تلك الفترة ولكن ذكره اختفى حتى تاريخ المعرض الراهن. يكتب فان غوغ في إحدى رسائله لأخته عام 1888:"أحس بأن لوحتي تكمل مسيرة لوحة مونتيسللي وكأنني ابنه أو قريبه. نعيش التجربة الفنية نفسها ونعاني الحياة والمصير نفسه". وكان تاجر لوحات مونتيسللي على معرفة بتعلق فان غوغ به، فأهداه لوحة صغيرة من أعماله، وأكثر من ذلك فقد بكّر فان غوغ بالتعاون مع أخيه ثيو بطباعة كتاب عن محفورات مونتيسللي، وشرعا فعلاً في المشروع لكن فان غوغ انتحر قبل إتمامه. نرى في العرض ستين لوحة للاثنين تعكس هذا التأثير، وهي المناظر التي تتسم بالتفجّر اللوني والنورانية المتوسطية والصباغة الطازجة بأقل ما يمكن من المراجعة والتعديل. أما معرض فيينا فيشتمل على مئة لوحة مرسومة بالحبر والريشة، تثبت أن فان غوغ كان من مألوف عادته مما يثير الدهشة ألا يبدأ لوحة ملونة قبل أن يعدّ لها رسماً تحضيرياً بالخط الأسود، ويؤكد المعرض أن فان غوغ الذي ابتدأ ممارسة التصوير متأخراً، سبق ذلك تدربه على الرسم بالخط الأسود منذ كان في العشرينات من عمره. يؤكد هو نفسه في أكثر من مناسبة قائلاً:"الرسم هو أصل كل شيء في اللوحة". يكمل معرض أمستردام بانوراما معرفتنا بهذا الفنان، مؤكداً أصول موضوعاته حول"الطبيعة الصامتة"، منذ أن كان متأثراً بالمدرسة الهولندية بألوان كابية مرتبكة الى اكتشافه"التزامن اللوني"مع احتكاكه بالانطباعية ثم التجزيئية ثم الوحشية. كما أن القطع اليابانية أثرت في تكويناته، خصوصاً منهج هوكوساي. علماً أن مدينة أمستردام تملك متحفاً للطبيعة الصامتة لفان غوغ، وسيقام معرض عن لوحاته الليلية في المتحف نفسه العام المقبل.